جاءت مؤشرات الأداء الاقتصادى المصرى التى أعلنت، مؤخراً، كاشفةً لحقائق متعددة عن الوضع الاقتصادى والتحولات التى يمر بها خلال الفترة الأخيرة ليس على مستوى التغير فى المؤشرات بقدر ما يكشف عن استمرار مشكلات أساسية فى البنية الأساسية للاقتصاد تحتاج إلى تحول فى الاستراتيجية الاقتصادية الحالية بعيداً عن المسكنات أو الحلول قصيرة الأجل.
النمو الاقتصادي
بيانات وزارة التخطيط المصرية، كشفت أن معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى للبلاد بلغ 3.6 بالمئة فى الربع الثالث من السنة المالية 2015-2016، مقارنة مع 3.3 بالمئة قبل عام، وبلغ النمو الاقتصادى الحقيقى لمصر 4.3 بالمئة فى أول تسعة أشهر من السنة 2015-2016، مقارنة بـ4.8 بالمئة قبل عام، وعزت الوزارة تراجع النمو فى أول تسعة أشهر من السنة المالية الماضية إلى «التأثير السلبى لتراجع أسعار النفط على اقتصادات دول الخليج، بالإضافة إلى استمرار تراجع معدلات النمو فى كل من قطاعى السياحة والصناعات الاستخراجية».
وقدرت الوزارة النمو على مدار العام ككل بنحو 4.4%، مقابل 3.3% فى تقديرات البنك الدولى. والتباين فى تقديرات النمو المصرية والدولية يؤكد أن عملية التنبؤ بالمؤشرات الاقتصادية فى مصر تحتاج إلى تعديلات شاملة وجذرية تعتمد فى الأساس على التحول من مرحلة التقديرات إلى مرحلة التوقعات من خلال الاعتماد على نماذج اقتصادية وإحصائية مختلفة بما يساعد على تدعيم عملية صناعة القرار الاقتصادى فى مصر، ويجعل الفارق المحقق ما بين المقدر والمحقق فعلياً متقارباً فى ضوء الأوضاع والظروف العاملة، بما لا يحدث اختلافات كبيرة مثلما يحدث فى الوضع الحالى.
إن الأساس فى الأزمة الحالية سواء على المستوى النقدى أو الاقتصادى هى عدم قدرة الاقتصاد على تنمية موارده بالعملات الأجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة وعدم نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كافية وتراجع إيرادات الصادرات، وكذلك ضعف الطاقات المتاحة لإنتاج سلع أساسية، أهمها الغذاء، ما يضطر الدولة لاستيرادها، وأيضاً اعتماد الكثير من الصناعات القائمة على المدخلات المستوردة، وضعف المكون المحلى بنسب متفاوتة تصل فى بعض الأحيان إلى مجرد التعبئة. ويستلزم علاج هذه المشكلات إقامة تنمية صناعية مستدامة فى ظل هيكلة اقتصادية لإقامة صناعات للإحلال محل الواردات من ناحية، وتنمية التصدير من ناحية أخرى، وتظهر بوادر هذه الاستراتيجية، حالياً، فى استراتيجية تنمية وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإقامة تجمعات زراعية تصنيعية متكاملة ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، فالقرارات التى اتخذها البنك المركزى تعد بدايةً حقيقيةً للإصلاح الاقتصادى، لكن يجب أن يتلازم معها إصلاحات مكملة على صعيد بقية المجالات الاقتصادية لإزالة عوائق التصدير والاستثمار من خلال إصلاح اقتصادى حقيقي.
محركات النمو الاقتصادى والفجوة الادخارية
ما زال الطلب المحلى هو المحفز الأساسى للنمو الاقتصادى فى مصر منذ سنوات طويلة، وفقاً لوزارة التخطيط، وهو أن ذلك يتماشى مع الاتجاه العالمى الذى بدأت دول مثل الصين والولايات المتحدة فى الاتجاه إليه نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى، وهو ما يدفع الدول للاعتماد على الطلب المحلى لزيادة معدلات النمو، بعد أن تراجعت الاستثمارات الخارجية، وحجم الصادرات فى هذه الدول.
ولكن الوضع المصرى يعكس طبيعة مختلفة تماماً اقتصادياً، فمعدل الاستهلاك قد تجاوز 94% خلال الربع الثالث من العام المالى 2015- 2016، و95% خلال التسعة أشهر الأولى من العام ذاته، وهو ما أدى إلى زيادة الفجوة الادخارية إلى 11.2% فى الربع الثالث، حيث بلغ معدل الادخار 5.8% فقط، مقابل 17% معدل الاستثمار.
ويستدعى هذا الوضع التوجه الاستراتيجى لتقليل الاعتماد على الاستهلاك كمحفز شبه كلى للنمو والاعتماد على محركات أخرى للنمو مثل الاستثمار والصادرات كمحفزات.
الاستثمار كمحرك للنمو الاقتصادى
التوجه السابق يصطدم بعدة محاور، على رأسها أن المنظومة التشريعية المتعلقة بمناخ الاستثمار والمرتبطة بإجراءاته تحتاج إلى عملية مراجعة شاملة بدءاً من ضرورة العمل على التأسيس الإلكترونى للشركات، وخفض فترة التأسيس، وضغط إجراءاته، مروراً بتعديل فى تشريعات تأسيس الشركات وإجراءاتها، وضوابط حوكمتها، وخطوات إنجاز التعاقدات معها، وآلية تخصيص الأراضى، وتوصيل المرافق وصولاً إلى تصحيح المنظومة الضريبية، وإعادة ضبط منظومة التخارج من السوق وقوانين الإفلاس، ووضع آلية ناجزة لفض المنازعات الاستثمارية. ويظل أبرز تعديل تشريعى مطلوب مراجعته هو قانون الاستثمار الحالى، بحيث يعكس رؤية الدولة المستقبلية للاستثمار، ويتلافى العيوب التى ظهرت فى التطبيق بعد التعديلات التى جرت عليه فى مارس 2015، ولم تنتج الآثار المتوقعة منها حتى الآن خاصة فى ظل عدم إطلاق خريطة واضحة للاستثمار فى مصر.
ويجب الأخذ فى الاعتبار، أن النمو المحدود لمعدلات اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر لا يعود فقط إلى العوامل الجيوسياسية بالمنطقة أو للأزمة المالية العالمية التى تلوح فى الأفق فحسب، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى عوامل داخلية تتعلق بإدارة مناخ الاستثمار ومعالجة معوقاته والقضاء على التشابكات الإدارية، وطول فترة حسم الإجراءات الخاصة بالتراخيص والموافقات رغم الجهود الإصلاحية التى تتم على هذا المستوى لاحقاً.
وفقاً لبيانات وزارة التخطيط، فإن حجم الاستثمارات الكلية خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى 2015- 2016 بلغ نحو 287.1 مليار جنيه بمعدل نمو 13.7%.
من ناحية أخرى، فإن منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المسئولة عن رفع مستهدفات النمو الاقتصادى فى الأساس تحتاج إلى معالجة جذرية تضمن تنمية الاستثمارات فى هذا القطاع، ورفع درجة فاعليته من خلال إنشاء كيان مؤسسى متكامل، وفقاً لأفضل الممارسات الدولية، ويمثل أول نموذج فى الشرق الأوسط لتبنى ريادة الأعمال وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يمكن من تعظيم دورها فى التنمية الاقتصادية، وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات، وهى الخطوات التى أعلنت الحكومة عن السعى لوضعها فى قانون لتنظيم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن حزمة تعديلات تتضمن منظومة التراخيص وتخصيص الأراضى والمحفزات لتلك المشروعات مع إنشاء منظومة متكاملة للبنية التكنولوجية لتأسيس وإدارة تلك المشروعات والجارى إعدادها، حالياً، بعد مبادرة السيد رئيس الجمهورية لتمويل هذا القطاع بنحو 200 مليار جنيه على مدار 4 أعوام.
وفقاً للهيكل السابق، فقد تصدر قطاع التشييد والبناء والأنشطة العقارية الاستثمارات الكلية المنفذة بنسبة 17.1%، ثم الأنشطة الاستخراجية بنسبة 16.4%.
فى ضوء ما سبق يتضح عمق المشكلة التى يعانى منها قطاعا الصناعة والاستثمار كمحركين للنمو الاقتصادى، فأصبح الاعتماد بصورة رئيسية على الاستهلاك، بالإضافة إلى أن طبيعة القطاعات التى تقود النمو، حالياً، فى مصر تتأثر بصورة أكبر بتغيرات أسعار الفائدة وأسعار الصرف بصورة واضحة.
تنمية الصادرات
إن تنشيط الصادرات بصورة فعلية يجب أن يتم من خلال صورة متكاملة لمنظومة التصدير تبدأ من تحديد المستهدفات التصديرية، والعمل على فتح أسواق جديدة بصورة متكاملة، وأن يتم اتخاذ خطوات جادة لتسهيل خطوات نقل البضائع عن طريق إنشاء شبكة طرق برية ونهرية وتدشين خطوط ملاحية وجوية منتظمة وإقامة مراكز لوجستية تمثل المحور الرئيسى لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى وضع برنامج يحمل شعار «التصدير أولاً» يشمل منظومة متكاملة لدعم الصادرات تسهم فعلياً فى تنشيط التصدير، بالإضافة إلى معالجة المشكلات الموجودة فى عمليات الرد الضريبى إلى جانب تحسين المواصفات القياسية المصرية فى أسواق الصادرات، مع السعى لزيادة الصادرات من الخدمات إلى جانب الصادرات السلعية التى تقوم مصر بالتركيز على تصديرها خلال الفترة الماضية.
كما يجب أن ترتبط استراتيجية الدولة بصورة أكبر بتوزيع المشروعات التنموية جغرافياً، فى ضوء مستويات البطالة فى الريف خاصة بين الإناث، فارتفاع معدلات البطالة بينهن يؤكد عدم استغلال قدراتهن الاقتصادية، لذا فمشروعات مثل «وظيفتك جنب بيتك» بما ترتبط به من بعد جغرافى ستؤدى إلى تحقيق هدف تخفيض البطالة، ورفع معدلات التشغيل للإناث على وجه الخصوص.
إن تنشيط الصادرات بصورة فعلية يجب أن يتم من خلال صورة متكاملة لمنظومة التصدير تبدأ من تحديد المستهدفات التصديرية، والعمل على فتح أسواق جديدة بصورة متكاملة، وأن يتم اتخاذ خطوات جادة لتسهيل خطوات نقل البضائع عن طريق إنشاء شبكة طرق برية ونهرية وتدشين خطوط ملاحية وجوية منتظمة وإقامة مراكز لوجستية تمثل المحور الرئيسى لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى وضع برنامج يحمل شعار «التصدير أولاً» يشمل منظومة متكاملة لدعم الصادرات تسهم فعلياً فى تنشيط التصدير، بالإضافة إلى معالجة المشكلات الموجودة فى عمليات الرد الضريبى إلى جانب تحسين المواصفات القياسية المصرية فى أسواق الصادرات مع السعى لزيادة الصادرات من الخدمات إلى جانب الصادرات السلعية التى تقوم مصر بالتركيز على تصديرها خلال الفترة الماضية، كما يجب تحديد القطاعات التى ستطبق عليها المنظومة الجديدة من خلال تحديد الفرص الاستثمارية فى كل قطاع، ومدى إمكانية رفع حجم صادراته من خلال هذه المنظومة، فقطاعات مثل الأسمدة يمكن أن تدرج ضمن المنظومة لفترة مؤقتة بهدف فتح أسواق جديدة فقط، خاصة أنها لا تحتاج لمساندة تصديرية يمكن توجيهها إلى قطاعات اخرى.
على مستوى آخر، ففى ضوء الإجراءات الاخيرة سواء الحكومية أو التى اتخذها البنك المركزى المصرى، فإنه أصبح من الضرورى اجراء تحليل حساسية شامل لتأثير تغيرات أسعار الصرف على مؤشرات الاستثمار وعلى التصدير وعلى كلفة الواردات التى لم تظهر حتى الآن بصورة كاملة، خاصة أنه من المرجح أن تُحسن تغيرات أسعار الصرف الاخيرة من القدرة التنافسية التجارية لمصر، فضلاً عن أن إزالة القيود المفروضة على الإيداع الأجنبى بالعملة الأجنبية للأفراد ومستوردى السلع الاساسية ستدعم إحياء النشاط الاقتصادى والاستثماري.
التصخم فى ظل نموذج النمو الحالي
إن القرارات الأخيرة على اتخذتها الحكومة المصرية بدءاً من تحريك أسعار بعض الخدمات (مثل الكهرباء) أو زيادة الضرائب على الاستهلاك (الضريبة على القيمة المضافة) التى تعتبر جزءاً من إصلاح الموازنة العامة، لكنها تزامنت مع ارتفاع معدلات التضخم فى مصر فى وقت تراجعت فيه معدلات النمو الاقتصادى، ما تسبب فى ازدياد شعور المواطنين بالضغوط الاقتصادية، وهو صحيح عملياً لعدة أسباب:
* إن نمو الأسعار (التضخم) لم يقابله نمو فى المدخولات الحقيقية للمواطنين نتيجة تراجع النمو الاقتصادى لأسباب عدة، على رأسها أن الاستهلاك العام والخاص ما زال مستمراً فى دفع حركة النشاط فى مصر بشكل أساسى والإجراءات الأخيرة والمرتقبة تحجم من معدلات الاستهلاك.
* إن المشكلات الهيكيلة والإجرائية والتنفيذية فى العديد من القطاعات ما زالت كما هى خاصة فى قطاعات الاقتصاد، ولم تتخذ الحكومة المصرية خطوات جادة نحو معالجتها، ما دفع المستثمرين إلى التراجع عن ضخ استثمارات جديدة محلياً.
يعود العامل الأساسى فى هذا الارتفاع فى التضخم فى الأساس لزيادة أسعار العملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى، وهو ما بدأ ينعكس بآثاره على أسعار السلع فى السوق المحلى، خاصة مع وجود تحركات أولية لأسعار بعض السلع خاصة الغذائية فى الأسواق المحلية.
ونرى أنه يجب التحرك نحو سوق أكثر مرونة فيما يتعلق بنظام سعر الصرف. وهذا من شأنه تقليل الواردات والمساعدة على زيادة الصادرات، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومن ثم لن تكون مصر بحاجة إلى مواصلة البحث عن التمويل الخارجى، للبقاء على الاحتياطى الأجنبى عند المستويات الآمنة، لهذا ينبغى على مصر اعتماد سياسة نقدية تستهدف التضخم أولاً، وهو ما يتيح مجموعة من المميزات تتمثل فى تخفيف الضغط على الاحتياطى الأجنبى، وتعميق إصلاحات القطاع المالى، وتعزيز الشفافية فيما يتعلق بعمليات البنك المركزى، وتقليل الضغط على السياسة النقدية.
من هذا المنطلق فإن السبب الحقيقى للتضخم يعود إلى عوامل داخلية تتمثل فى ضعف الإنتاج المحلى، لهذا نرى أن الحل الأمثل فى محاربة التضخم هو زيادة الإنتاج، ما يؤدى إلى خفض التكلفة الإنتاجية، وزيادة المعروض من المنتجات، وبالتالى خفض الأسعار. ويستلزم ذلك تعميقاً حقيقياً للصناعة المصرية، بالإضافة إلى إصلاح منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى ضرورة تحديد أهداف معينة للسياسات المالية والتحويلات الرسمية للبرامج الاجتماعية والمصروفات الرأسمالية، فضلاً عن إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص؛ لإقامة مشاريع البنية التحتية.
كما يعد انخفاض أداء منظومة التجارة الداخلية عاملاً آخر لزيادة التضخم، حيث تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة سواء على المستوى الفنى أو التنظيمى أو التشريعى، بما يشمل إصلاحات فى الأفكار والتطبيقات التى تعتمد عليها، حيث يجب أن يتم تنظيم الأسواق لإلغاء دور الوسطاء، وتشديد آليات الرقابة والعقوبات لمنع حدوث تضخم غير عادى ناتج عن عدم الرقابة على الأسواق وعدم تنظيمها.
وتعتبر إتاحة البيانات والمعلومات عن السلع ومدى توفرها وأسعارها للمواطنين وزيادة الرقابة على الأسواق، بالإضافة إلى ضرورة توضيح الحكومة للأثر الحقيقى لأى إجراء إصلاحى للاقتصاد على أسعار المنتجات من العوامل الداعمة للحد من زيادة معدلات التضخم.
من هنا، فإنه يعد أحد أهم العناصر المطلوبة للإصلاح المؤسسى لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم هو ترشيد الإنفاق الحكومى ومراجعة أولوياته لزيادة أثره التنموى من ناحية، والحد من عجز الموازنة من ناحية أخرى، حيث تتأثر الكثير من بنود الموازنة العامة للدولة بتغيرات التضخم المحلى، ما يستلزم إعادة النظر فى آليات التعامل معه، وتفعيل سياسات استهداف التضخم بصورة أكثر وضوحاً، مع أهمية قيام الحكومة فى إطار ذلك بإعداد دراسة متكاملة عن مدى تأثر بنود الموازنة العامة المختلفة بالتضخم، والآليات المطلوبة للتعامل مع ذلك فى إطار خطة متكاملة تشمل أيضاً مراجعة بنود الإنفاق والدعم.
كذلك فمن الضرورى الحذر فى اتخاذ إجراءات جديدة قد تؤثر على معدلات التضخم فى السوق المحلية قبل قياس أثرها المتوقع، وإجراء تحليل حساسية لنتائجها على معدلات الزيادة فى التضخم محلياً على المديين القصير والمتوسط، خاصة بالنسبة لقانون الضريبة على القيمة المضافة، وأى إعادة هيكلة جديدة للدعم كما أن أي ارتفاع أكبر فى مؤشر التضخم الأساسى، وزيادة الضغوط المستقبلية يؤكدان أنه من الأهمية أن يوازن «المركزى» بين خطط تحفيز النمو ومحاصرة التضخم، للحد من الضغوط التضخمية المستقبلية نسبياً.
يجب التأكيد على زيادة معدلات التضخم، وبالتبعية أسعار الفائدة ستكون بمثابة مثبط إضافى للطلب المحلى، وهو ما يزيد حالة الركود فى الأسواق وتراجع الطلب والاستهلاك، وهو ما يؤثر على معدلات النمو.
ضرورات التعامل مع الدين العام المتنامى فى مصر
إن الدين العام لن يتوقف عن النمو ما دام كان هناك عجز فى الموازنة، وإن هذا العجز سيتحقق إلا إذا زادت المتحصلات الضريبية على الإنفاق العام بأكبر من مدفوعات الفائدة على الدين القائم. وبصورة عامة كلما كان الدين العام كبيراً زادت مدفوعات الفائدة، ومع بقاء الأشياء الأخرى على حالها، زاد عجز الموازنة.
وبهذا المنطق يتبين لنا أن الدين العام يغذى نفسه بنفسه، وكلما زاد حجمه كان تخفيض حجم الإنفاق العام وزيادة المتحصلات الضريبية المطلوبة لضبط وإيقاف نمو هذا الدين أمراً صعباً ومؤلماً، حتى يصل الأمر إلى نمو متسارع فى الدين العام بصورة لا يمكن معها ضبطه أو التحكم فيه.
تمثل أدوات الدين المحلى نسبة متصاعدة من ودائع وحدات الجهاز المصرفى، فى الوقت الذى تراجعت فيه معدلات توظيف القروض إلى الودائع على مستوى القطاع ككل، وهو الدور الرئيسى المعنى به البنوك كوسيط مالى لتوظيف ودائعها فى مشروعات تحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد.
على الرغم من استمرار وزارة المالية فى زيادة السندات ذات الآجال المتوسطة فى مقابل أذون الخزانة ذات الآجال قصيرة الأجل وبناء منحنى عائد لإصدارات الحكومة، من خلال إصدارات منتظمة لآجال مرجعية (1.5، 3، 5، 7، 10 سنوات) وإعادة فتحها لخلق سيولة فى جانب المعروض من السندات، لكن نشاط السوق الثانوى لسندات الخزانة ما زال ضعيفاً حيث يبلغ النشاط نسبة 1.1% من إجمالى الإصدار، وذلك حتى فى ظل زيادة المعروض من الإصدارات، بالإضافة إلى تركز المستثمرين فى سندات الخزانة.
إحدى أهم المشكلات فى عملية إعداد الموازنة أنها لا تتضمن وضع سقوف للإنفاق للقطاعات المختلفة التى تقدم موازناتها لوزارة المالية، وهو ما يتسبب فى عدم تحديد أوجه الإنفاق وأولوياته، ونشير إلى أن منشور الموازنة الذى يتم توزيعه على الجهات الموازنية لا يتضمن أى قواعد مالية لوضع حد أقصى للإنفاق، وعجز الموازنة، أو الاقتراض الحكومى، وهو ما ينتج عنه أن تعتمد عملية إعداد الموازنة على تفاوض الجهات الموازنية مع وزارة المالية لتحديد مخصصاتها والموازنات المقترحة من الجهات المختلفة.
الخلاصة
إن السياسة الاقتصادية المصرية بحاجة إلى إعادة توازن عاجل فى ظل «ثالوث المخاطر» الذى يواجهها حالياً متمثلاً فى ارتفاع الديون، وتدنى نمو الإنتاجية وتناقص الأدوات المتاحة لدى البنك المركزى، فهناك ثمة تطورات تبعث على القلق هى بمنزلة «ثالوث مخاطر» تستحق المراقبة.
تتركز المخاطر القائمة فى أن نمو الإنتاجية متدنٍ على غير المعتاد، ما يلقى بظلاله على تحسن مستويات المعيشة فى المستقبل، ومستويات الديون المحلية والخارجية مرتفعة بشكل تاريخى، ما يزيد المخاطر على الاستقرار المالى، ومجال المناورة على صعيد السياسة النقدية ضيق بشكل ملحوظ.
من هذا المنطلق فإنه لم يعد بوسع الاقتصاد المصرى التعويل على نموذج النمو الحالى الذى وصل به إلى المفترق الحالى، لهذا توجد حاجة ملحة إلى إعادة موازنة السياسة الاقتصادية للانتقال إلى نمو أكثر قوة وتوازناً واستدامة، لذا فهناك ضرورة إلى التخلى عن نموذج النمو الذى أصابنا بتلك المعضلة، كما أنه من الضرورى التخفيف عن كاهل السياسة النقدية التى ظلت مثقلة بالأعباء لفترة طويلة.
ويستدعى ذلك تعديلات جوهرية فى توجهات السياسة المالية والنقدية على حد سواء. وإعادة تصميم السياسة المالية للتأقلم مع دورات الازدهار والكساد على نحو أكثر منهجية، وأن تراقب السياسة النقدية تلك الدورات من زاوية المخاطر الشاملة للمحافظة على توازن الشق المالى من الاقتصاد.
محسن عادل : هو نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل
مصادر البيانات (تقارير وزارة التخطيط – الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء – تقارير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية – تقارير وأبحاث من منشورة من مصادر متعددة).