رأى البورصة
لدى مصر تاريخ طويل من تجنب الانهيار فى الأوقات الحرجة، والتى كان يتبعها مباشرة تجنب الإصلاح الحقيقى والمستدام.
وبعد أن توصلت الحكومة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى على تنفيذ برنامج إصلاحى ممول جزئيا من الصندوق على مدار السنوات الثلاث المقبلة أصبح من المهم أن تعلن التزامها بتنفيذ إصلاح كلى مستدام، وعدم تكرار السيناريوهات السابقة، التى نجحت فى تجنب الانهيار والإصلاح معا.
وأمثلة الإصلاحات المستدامة المطلوبة كثيرة، ومنها إصلاح منظومة تحصيل الضرائب، فى بلد أصبح التهرب من دفع الضريبة فيه مجرد إجراء روتينى لا يخشى أحد الإقدام عليه، وهو ما سيوفر إيرادات كبيرة مباشرة من القوانين الحالية بدون الحاجة لفرض المزيد منها.
ومن الأمثلة الاخرى على الإصلاحات الحقيقية المطلوبة، توجيه الدعم لمستحقيه الفعليين والحرص على تلبية كل احتياجاتهم لمحاصرة الفقر حتى لو أدى ذلك إلى زيادة المخصصات على المدى القريب، بدلا من السياسة الحالية، التى تركز على خفض عبء الدعم كنسبة من الإنفاق الحكومى. ومن شأن إصلاح كهذا أن يؤدى إلى رفع القدرات الاستهلاكية لشرائح كبيرة من الأسر، التى لا تستطيع سد احتياجاتها الأساسية حاليا، الأمر الذى سيحرك النمو بشكل أسرع.
ومطلوب أيضا إصلاح هذا الكم الهائل من الشركات الحكومية التى تعانى من فشل مزمن، وقد تكون فكرة طرح الناجح منها فى البورصة جيدة، لكن تحقيق الأرباح أكثر أهمية لمستقبلها ولزيادة العائدات الحكومية.
وبرغم التغييرات الحكومية المتتالية بحثا عن الأفضل لم تتوصل البلاد بعد لسياسة واضحة تتبعها مع المستثمرين، وما زالت القواعد الحاكمة للاستثمار تعانى من نفس المشكلات التى كانت عليها قبل عقود بل إن بعضها قد شهد تدهورا.
وسعت عدة حكومات متتالية على مدار 3 أعوام لتقديم حوافز للمستثمرين ولتحسين الإجراءات المرتبطة بالاستثمار، وفى كل مرة كانت النتيجة أسوأ من سابقاتها، وحتى الآن لم تستقر الحكومة على حوافز جذب المستثمرين، وما زالت هذه الحوافز تشهد شدا وجذبا بين أعضاء الحكومة الحالية، وتسبب قانون الاستثمار الموحد الصادر هذا العام فى مزيد من تعقيد بيئة الأعمال المعقدة بالفعل.
ويستلزم تحسين بيئة الأعمال شرطا أساسيا يتعمد الجميع تجاهله، وهو ضرورة تحسين مناخ المنافسة عن طريق تطبيق نفس القواعد على الجميع بدون تمييز وعدم السماح بأدوار خاصة لجهات غير قابلة للمحاسبة، ووقف عمليات الإسناد المباشر للمشروعات والمشتروات الحكومية، واحترام القواعد والجهات التنظيمية بدلا من تحويلها إلى جهات بلا قيمة على أرض الواقع.
ورغم اتجاه الحكومة للتعامل مع صندوق النقد الدولى وما ترتب على ذلك من أنه أصبح هناك أخيرا برنامج اقتصادى فإن هناك الكثير من الجوانب ما زالت غامضة، وشفافية الحكومة فيما يتعلق بالمتفق عليه مع صندوق النقد دون المستوى، وغالبية النقاط الرئيسية، التى أعلنت من البرنامج حتى الآن كان مصدرها الصندوق، وليس الحكومة التى امتلكت الجرأة للاتفاق مع الصندوق، ولم تمتلك نفس الجرأة لإعلان التفاصيل الكاملة لهذا الاتفاق.
ومن المهم أن تتوقف الحكومة عن إرسال الإشارات المتضاربة، فالدولة التى تعانى من مديونية تعادل حجم اقتصادها، وعجز موازنة فى خانة العشرات لا يجب أن تنحى القطاع الخاص جانبا وتعتمد على نفسها فى تنفيذ مشروعات لا تمتلك تكلفة إنشائها. وتكشف الأرقام أن الحكومة تتحول شيئا فشيئا إلى أكبر مستثمر، وأصبحت أكبر زبون للقروض البنكية منذ بداية العام الحالى، وهو ما لا يتسق مع توجه يستهدف خفض الأعباء الحكومية، فى الوقت الذى تعانى فيه الشركات من تباطؤ الأعمال منذ 11 شهرا متصلا.
ومن الأمور التى تحتاج إلى حسم أيضا مسألة التضييق على التجارة الخارجية للبلاد لتقليص الطلب على العملة الأجنبية، والأجدى توفير العملة بأسعار عادلة بدلا من محاصرة الواردات، وبالنسبة لبلد يستورد معظم احتياجاته الأساسية من الخطأ أن تجتمع القيود الحكومية وأسعار العملة على القدرة الشرائية للمستهلك، حتى لا تصبح معدلات التضخم خارج نطاق السيطرة.