الحكومة تنجح فى السيطرة على الدعم وفاتورة الأجور وتفشل فى التعامل مع الفائدة على الدين الحكومى
مخصصات الفائدة فى الموازنة تلتهم 30% من الإنفاق العام والمتعاملون الرئيسيون يسيطرون على سوق الدين
السويفى: يجب خلق سوق ثانوى للسندات لجذب متعاملين جدد وزيادة جاذبية السندات طويلة الأجل
كوجك: الحكومة لديها خطة متوسطة الأجل لخفض الفائدة تشمل تنويع مصادر الإقتراض و آجال الطروحات.
سامى: الحل فى تنويع أساليب التمويل ولدينا أدوات غير مستخدمة
الدسوقى: إصلاح الدين العام يتطلب التحول للآجال الطويلة
تبذل الحكومة جهوداً كبيرة للسيطرة على الإنفاق على رواتب الموظفين الحكوميين وفاتورة الدعم، وسنت لذلك عدداً من القوانين لكنها تبدو عاجزة إلى حد كبير أمام التضخم المفرط لفاتورة تكاليف الدين الحكومى.
وقفزت تكلفة الاستدانة الحكومية لتشكل أقل بقليل من ثلث المصروفات فى موازنة العام المالى الحالى لتصبح أكبر أعباء الحكومة بدلاً من الدعم وأجور الموظفين كما كان فى الأعوام السابقة.
وتقترب فائدة الديون الحكومية للعام المالى الحالى من 300 مليار جنيه وهى أكبر أبواب الإنفاق فى الموازنة العامة للدولة وتساوى نحو 9% من الناتج المحلى الإجمالى.
واضطرت الحكومة لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولى للهروب من تكلفة الاقتراض المرتفعة بالعملة المحلية، واتخذت إجراءات للسيطرة على الإنفاق لتقليص السرعة المتزايدة للاقتراض.
وبينما تقلصت فاتورة الدعم إلى 6% من الناتج المحلى وتمت السيطرة على زيادات الأجور الحكومية عبر إقرار قانون جديد يسمح بزيادتها 7% فقط سنويا، مازالت الاستدانة الحكومية مكلفة وبشدة، وتعتمد الحكومة على بيع السندات والأذون على الخزانة أسبوعياً بتكلفة تتراوح بين 14% و17%.
ويقول محللون، إن تكلفة الاستدانة الحكومية كان يمكن أن تصبح أقل بعدة نقاط مئوية لو وسعت الحكومة قاعدة دائنيها، لكنها فشلت فى ذلك على مدار سنوات.
وتعتمد الحكومة بشكل أساسى على نظام المتعاملين الرئيسيين لتغطية احتياجاتها المالية بالعملة المحلية، وهو عبارة عن 15 بنكاً تحتكر شراء السندات الحكومية مقابل ضمان التغطية، ولها الحق فى بيعها أو الاحتفاظ بها بعد ذلك.
ويمثل الدين العام نحو 100% من الناتج المحلى الإجمالى 85% منها بالعملة المحلية ما يوضح حجم النفوذ الذى يتمتع به المتعاملون الرئيسيون.
وخاضت الحكومة والبنوك نقاشات عدة خلال السنوات الماضية لتنشيط سوق ثانوى للسندات الحكومية وتم تقديم أفكار من قبيل إلزام المتعاملين الرئيسيين ببيع جزء محدد من مشترياتها من السوق الأول، لكن مطلعين على الأمور قالوا إن البنك المركزى الذى يدير الطروحات الحكومية عارض فكرة إدخال تعديلات على النظام الحالى.
وقالت رضوى السويفى رئيس قطاع البحوث بشركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية، إن توجه الحكومة خلال الفترة المقبلة ينصب نحو الاقتراض الخارجى بسبب تزايد معدلات الدين الداخلي.
وتوقعت السويفى أن تزيد معدلات الدين الخارجى لأكثر من 20% من الناتج المحلى نتيجة عمليات الاقتراض الحالية.
وأشارت إلى أن الحكومة ستتجه إلى اتباع هذه السياسة خلال سنتين إلى 3 سنوات هى مدار عمر برنامج الإصلاح الاقتصادى ومن ثم سيكون هناك اتجاه لطرح سنوى للسندات الدولارية بالخارج إذا نجح الطرح المقبل لتقليل الفجوة التمويلية.
وأضافت أن الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين للإنشاء والتعمير وبنك التنمية الأفريقى دليل على هذا التوجه بجانب اعتزام الحكومة طرح سندات دولارية بالأسواق الدولية خلال الأشهر القادمة، وكذلك الودائع من الدول الخليجية.
وأضافت أن الدين الداخلى فى تزايد مقارنة بالأعراف العالمية بينما الخارجى فى حدود آمنة وذكرت السويفى أن استقرار أسعار الصرف يساهم فى تقليل العائد على أدوات الدين الداخلى مقابل الخارجى.
وأوضحت أن العائد الحالى على أذون الخزانة بلغ 16% بينما تتراوح تكلفة الاقتراض من الخارج بين 6% و7% على السندات الدولارية.
وأضافت السويفى أن تكوين سوق ثانوى فعال لسندات الحكومية يساهم فى إعادة هيكلة الدين المحلى عبر وجود سوق لتداولها بشكل يتضمن دخول بنوك استثمار كبرى.
وقالت إن طرح أذون الخزانة للتداول من قبل الأفراد والشركات يساهم فى وجود سيولة مالية لكنها تحتاج إلى عمل إدارى من خلال وضع أكواد وحسابات بنكية للمتعاملين.
وأضافت أن طرح أدوات مالية للأفراد مثل أذون الخزانة يخلق فرصاً استثمارية متعددة بجانب الفرص التى تتيحها البنوك وسوق الأسهم.
وذكرت السويفى، أن وجود سوق ثانوى يخلق مرونة داخل السوق وحرية من للمستثمرين ويساهم فى دخول قاعدة كبيرة من المستثمرين، خاصة أن العائد عليها مضمون من قبل الحكومة.
واستشهدت بنجاح الحكومة فى جمع مبالغ مالية بقيمة 60 مليار جنيه لعمليات حفر قناه السويس الجديدة من خلال طرح شهادات استثمار للأفراد بعوائد مرتفعة.
وأضافت السويفى أن تنوع المعروض فى أمد وآجال أدوات الدين يساهم فى نجاحها نتيجة اختلاف الأهداف الاستثمارية للمستثمرين، فهناك عدد من شركات التأمين لديها استثمارات طويلة الأجل وبالتالى تحتاج إلى أدوات مالية بمدد زمينة طويلة تتراوح بين 10 و30 عاما، وهناك شركات أخرى لديها رغبة فى الاستثمار فى أدوات قصيرة ومتوسطة الأجل.
وقالت إن زيادة اعتماد الحكومة على الأذون قصير الأجل مقابل السندات ذات الآجال الأطول يرجع إلى وجود سيولة مالية للأولى عن نظيرتها من الثانية، وعدد من الشركات تستثمر فى الأذون نتيجة عدم وجود سوق ثانوى للتداول.
وتحاول الحكومة حالياً الخروج من هذا المأزق عبر الاتجاه لزيادة الاقتراض من الخارج، ويتضمن البرنامج الاقتصادى المتفق عليه مع صندوق النقد الدولى زيادة التمويلات الخارجية الأقل تكلفة وتقليص الاعتماد على النظام المالى المحلى.
وتوصل الطرفان إلى اتفاق يقضى باقتراض 12 مليار دولار من الصندوق على مدار 3 سنوات، وطرح سندات فى الأسواق الدولية بقيمة 3 مليارات دولار الشهر المقبل وتدبير 6 مليارات دولار من مصادر خارجية أخرى خلال العام المالى الحالى.
وبالرغم من هذه الأنباء إلا أن العائد على أدوات الدين الحكومى ظل فى ارتفاع للدرجة التى دفعت الحكومة لإلغاء عدد من مزادات السنوات طويلة الأجل.
وأصدرت وزارة المالية فى وقت سابق استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة الدين تستهدف من خلالها التوسع فى إصدار وإعادة فتح سندات الخزانة من الآجال الطويلة بشكل تدريجى للعمل على زيادة متوسط عمر الدين القابل للتداول، ولبناء منحنى عائد مجمع لأدوات الدين الحكومية ما يؤدى إلى تخفيض مخاطر إعادة التمويل.
وتشمل الاستراتيجية تنويع مصادر التمويل من خلال إصدار أدوات مالية جديدة كالصكوك لتمويل المشروعات التنموية والبنية التحتية، بالإضافة إلى توسيع قاعدة المستثمرين الأفراد بجذب المزيد من المستثمرين الأفراد والمؤسسات المالية غير المصرفية والذى سوف يكون له بالغ الأثر على تخفيض تكلفة إصدار الأوراق المالية الحكومية.
وأضافت الاستراتيجية أن تطوير أسواق الدين وللمزيد من الشفافية الحكومية سيتم العمل بالاستمرار على بناء نقاط مرجعية على منحنى العائد من إصدارات سندات الخزانة آجال 3،5،7 و10 سنوات وربما بآجال أطول من ذلك، علاوة على زيادة عدد مرات إعادة فتح سندات الخزانة لتصل إلى ما بين 12 و15 مليار جنيه للإصدار الواحد، وتنظيم عطاءات سندات الخزانة على النحو الذى يمنع المنافسة بين الآجال المختلفة ليتم إصدار سندات الــ3 و7 سنوات فى أسبوع، ويتم إصدار سندات الـ5 و10 سنوات فى اسبوع لاحق وتحديداً فى يوم الاثنين.
كما سيتم إصدار أذون الخزانة لأجل 3 شهور و9 شهور فى يوم على أن يتم إصدار أذون الخزانة لمدة 6 شهور و12 شهراً فى يوم آخر.
وحالياً تبيع وزارة المالية أذون الخزانة بآجال مختلفة يومى الأحد والخميس من كل أسبوع بينما تبيع يوم الإثنين إصداراتها من السندات بآجال مختلفة أيضا.
وبلغ إجمالى الدين العام المحلى وفقا لآخر إحصائيات من البنك المركزى 2.4 تريليون جنيه تمثل 80% كصافى الدين من الناتج المحلى.
ويقسم الدين المحلى إلى أرصدة سندات وأذون الخزانة 2.2 تريليون جنيه، منها 1.5 تريليون جنيه سندات على الخزانة العامة، بينما بلغت أرصدة الأذون 697.6 مليار جنيه.
ويضغط تفاقم الدين العام على عجز الموازنة العامة للدولة نتيجة ارتفاع الفائدة، وبلغت قيمة الاقتراض الحكومى من الأذون والسندات خلال العام المالى السابق 1.1 تريليون جنيه، وتضغط التكلفة المرتفعة للدين على عجز الموازنة المرتفع بالفعل والذى يتوقع أن يسجل 11.5% من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية العام المالى المنتهى فى يونيو الماضى.
وقال أحمد كوجك نائب وزير المالية لـ«البورصة»، إن الحكومة لديها خطة لخفض معدل الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى، وتقوم الخطة على 4 أمور، أولها تحسين نسبة العجز الأولى إلى الناتج المحلى، وزيادة معدلات النمو الحقيقى عبر مساندة برامج التصدير والصناعة وتحسين بيئة الاستثمار.
وأضاف أن الخطوات الأخرى لتحسين شكل الدين تعتمد على خفض متوسط أسعار الفائدة الحقيقية عبر تنويع مصادر الاقتراض وطرح سندات بآجال زمنية طويلة.
وقال شريف سامى رئيس هيئة الرقابة المالية، إن إعادة هيكلة الدين العام يحتاج إلى تنويع أدوات التمويل، وهناك أدوات تمويل عديدة فى السوق لا تستخدمها الحكومة مثل التأجير التمويلى والصناديق العقارية وإصدار الأسهم والسندات الإيرادية للمشروعات مما يخفف من أعباء الاستدانة.
وأضاف أن «إصدار السندات والاحتفاظ بها بدون تداول لن يؤثر فى الدين العام».
وقال إن تنشيط السوق الثانوى لأدوات الدين الحكومى يأتى بشريحة جديدة من المتعاملين لكنه لا يقلل الدين العام، وشدد على ضرورة وجود هندسة مالية لتدبير الاحتياجات التمويلية للمشروعات سواء بإصدار سندات إيرادية أو طرح أسهم للشركات للاكتتاب فى البورصة أو تأسيس صندوق استثمار عقارى لتنفيذ المدارس أو تأجير تمويلى للمعدات.
وقال إن القوانين الحالية تسمح بتطبيق هذه الأدوات المالية لكنها تتطلب تسعيراً جيداً لضمان عدم زيادة التكلفة مستقبلاً.
وأضاف أن الصكوك من الأدوات التمويلية الجيدة التى ستجذب عدداً من المستثمرين كمؤسسات خليجية وشركات تأمين تكافلى وصناديق متوافقة مع الشريعة الإسلامية وبنوك وبالتالى ينبغى استثمارها.
وأصدرت مصر قانونا للصكوك قبل 3 أعوام لكنها لم تستخدم هذه الأداة بعد والتى كان الهدف منها جذب مستثمرين لتمويل المشروعات المحلية، وأدخلت تعديلات على القانون ولا تزال هناك عوائق غير معروفة تمنع تفعيل القانون.
وقال سامى إن طرح آجال للدين الحكومى بأجل أطول من 10 سنوات يتطلب تسعيراً جيداً للفائدة لضمان عدم زيادة تكلفة الاستدانة، وانجلترا لديها سندات بآجال 50 عاما تجذب شركات تأمين الحياة التى تنظر إلى عائد مستمر طويل الأجل بغض النظر عن أصل المبلغ لكن التسعير يتم بطريقة صحيحة وكذلك أمريكا التى تمتلك سندات بآجال 30 عاماً.
وفى سياق ذاته قالت ريهام الدسوقى كبير المحللين الاقتصاديين بشركة أرقام كابيتال للاستشارات المالية، إن إصلاح الدين العام لن يأتى عبر تنشيط السوق الثانوى للسندات وإنما تقليله قد يكون عبر إطالة مدد السداد وتخفيض التكلفة.
وأضافت أن تقليل التكلفة يكون عبر توسع الحكومة فى إصدار السندات بشكل أكبر من الأذون لكن ذلك سيرتبط بمعدلات العائد.
وقالت «لو كانت الفائدة على الآجال الطويلة أعلى من الآجال الأخرى كالسنة و6 شهور و3 أشهر فإنها ستجذب عدداً أكبر من المستثمرين، لكن نتيجة أن الفروق بينها غير كبيرة نجد أن معدلات الإقبال ليست كبيرة».