الابتكار والعولمة والرقابة وراء تخطى مصاعب الاقتصاد العالمى
40% من عائدات الشركات العامة الأمريكية نتيجة تحالفات مع شركات أخرى
فى شمال كاليفورنيا تتنافس شركات التكنولوجيا الأكثر شهرةً فى العالم فى البناء، فقد حصلت شركة «فيسبوك» على 40 ألف متر مربع لبناء مقر عمل عملاق، يقال إنه سيكون أكبر مبنى للمكاتب المفتوحة فى العالم، بينما تسعى شركة جوجل للانتهاء من عمل مقر جديد عبارة عن مجموعة من المبانى الزجاجية المنقولة التى يمكن أن توسع أو تضم حسب متطلبات العمل.
وكذلك «سامسونج» و«أوبر» لكن «آبل» خصصت 5 مليارات دولار لإنشاء مبنى لها يشبه مركبة فضائية عملاقة.
ويعكس هذا التنافس التحول الكبير فى قطاع التكنولوجيا، خصوصاً بعد الدرس القاسى لها مطلع القرن الحالى، عندما انهارت أسهم القطاع فى البورصات الأمريكية والعالمية.
لكن الوضع اختلف، حالياً، حيث تحولت بعض الشركات إلى ما يشبه الدولة الافتراضية، فمثلاً محرك البحث (جوجل) يشهد 4 مليارات عملية بحث يومية، فى حين يفوق عدد زوار «فيسبوك» كل شهر بكثير عدد سكان الصين، وقد ترجمت هذه الشركات الانتشار الواسع فى صورة هيمنة على السوق، وارتفاع فى الإيرادات. ويمكن القول إن البنية التحتية لاقتصاد المعلومات باتت وعلى نحو متزايد تحت سيطرة حفنة من الشركات الأمريكية طبعاً.
وقال تقرير لمجلة الإيكونوميست، إن شركة أمازون تسيطر، تقريباً، على ثلث سوق مساحات تخزين المعلومات الافتراضية، وقد نمت الخدمات «السحابية» نسبة إلى الفضاء الافتراضى لمساحات التخزين بأكثر من النصف مقارنة بالعام الماضي.
كما أن الشركات الثلاث الأكبر قيمة فى العالم فى الوقت الحاضر كلها شركات تكنولوجيا، بينما تحتل شركتا أمازون وفيسبوك المرتبتين السادسة والسابعة على التوالي.
ويمكن القول، إن هناك عدة عناصر تمثل نقطة القوة لشركات التكنولوجيا، أولها أنها من خلال الابتكار وفرت منتجات عززت بناء شبكة علاقات ومنافع بين المستخدمين ضمن زيادة العائدات، فمعظم شركات التكنولوجيا الجديدة هى منصات تربط بين مجموعات مختلفة من الناس، وتمكنهم من الانخراط فى تبادل المنفعة المتبادلة.
وهناك عنصر قوة ثان يتمثل فى عولمة النشاط، فأكبر المستفيدين من تحرير الاقتصاد العالمى منذ عام 1980 الشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات. وحالياً تعمل أكبر 100 شركة عالمية فى 50 دولة مدعومة بسلاسل التوريد التى تمتد فى جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى إشراك مئات من الشركاء، بما فى ذلك الشركات التابعة المملوكة بالكامل لمتعاقدين خارجيين.
ويقول بانكاج شيماوات، من مدرسة شتيرن لإدارة الأعمال فى جامعة نيويورك، إن أعلى ألف شركة عامة أمريكية تستمد الآن 40% من عائداتها من التحالفات مع شركات أخرى، مقارنة بـ1% فقط فى عام 1980.
وتركز الشركات متعددة الجنسيات على نحو متزايد على بناء شبكات المعرفة، وكذلك شبكات الإنتاج.
وطورت شركة جنرال إليكتريك أكثر من 25% من منتجات الرعاية الصحية الجديدة فى الهند؛ للاستفادة من الابتكار قليل التكلفة، وارتفعت إيراداتها خارج أمريكا من 4.8 مليار دولار فى 1980 إلى 65 ملياراً فى عام 2015.
وتواجه هذه الشركات منافسة شرسة من قبل المنافسين غير الغربيين، فالقائمة السنوية لأكبر 500 شركة فى العالم تضم الآن 156 شركة من الأسواق الناشئة، مقارنة بـ18 فى عام 1995، وتتوقع مؤسسة ماكينزى نمو النسبة إلى 45% بحلول عام 2025، مع ازدهار الاقتصادات الناشئة.
لكن لا يمكن تحقيق النمو دون العنصر الثالث، وهو التنظيم أيضاً الذى يديره أصحاب المناصب القوية.
ويعتبر انهيار شركة انرون فى عام 2001 نهاية عصر التحرر من القيود، التى بدأت فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، وبداية إعادة التنظيم، وعززت الأزمة المالية فى عام 2008 هذا الاتجاه.
وحصلت الهيئات التنظيمية على دعم قوى لدورها الرقابى، وارتفعت ميزانية لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية من 300 مليون دولار إلى 1.6 مليار دولار.
وتعالت نغمة دعم الجهات التنظيمية ودورها الرقابى ليس فى بريطانيا وأوروبا فقط بل وفى الصين أيضاً، وذلك يعود جزئياً من أجل تحقيق الأهداف القومية والسياسية ومخاوف تضارب المصالح.