عين على الاستثمار الأجنبى المباشر وقلق من التدفقات قصيرة الأجل
التركيز على بناء المشروعات الحقيقية يحد من الخروج السريع للأموال
كان ميناء شانون الجوى على الساحل الغربى لأيرلندا بوابة أوروبا إلى أمريكا منذ أربعينيات القرن الماضى وتم بناؤه عبر مصب نهر شانون من فيونس وهى بلدة صغيرة كان تستخدم فى السنوات ما بين الحربين العالميتين كمحطة للتزود بالوقود للطائرات المائية والمسافرين فى طريقهم عبر المحيط الأطلنطى.
وجاء رئيس الطباخين المحليين جو شيريدان، بفكرة القهوة الأيرلندية عندما أضاف الويسكى إليها لتدفئة ركاب الطائرات المائية من نوع بان آم وفى عام 1947 أنشأ برندان أوريجان مدير التموين أول متجر معفى من الرسوم الجمركية فى العالم فى شانون، مما يسمح للركاب الترانزيت بشراء السلع المعفاة من الضرائب.
وفى العقود الأخيرة أصبحت تلك المنطقة أيضاً مركزاً لتدفق رأس المال الأكبر من حيث معدل حركة الأموال من مكان الى آخر وبفضل ذلك تحولت إيرلندا من أفقر الأغنياء فى ثمانينيات القرن المنصرم فى غرب أوروبا بحسب استطلاع أجرته مجلة الإيكونومست حول وضعها فى عام 1988 الى نمر أوروبى فى غضون عقد من الزمان فكان هذا هو الجانب الجميل.
وقدمت حكومة دبلن الحوافز لجذب رأس المال مثل المنح وانخفاض معدل ضريبة الشركات وبالفعل بدأت شركة إنتل وهى عملاق صناعة الرقائق الإليكترونية فى الإنتاج فى دبلن فى عام 1990 مثلها مثل شركات كبيرة أخرى تلتها كمجموعة بوسطن العلمية لصناعة الأجهزة الطبية.
لكن أيرلندا تعانى من الآثار الجانبية الخبيثة من حركة رؤوس الأموال، حيث باتت محطة للشركات العالمية التى تسعى للتهرب الضريبى.
ويظهر هنا الجانب السىء حيث تم تسليط الضوء على حجم المشكلة فى يوليو الماضى عندما كشف مكتب الإحصاء فى ايرلندا أن الناتج المحلى الإجمالى للبلاد قد نمى بنسبة 26% فى عام 2015، لكن هذا الرقم المبالغ فيه ناجم عن اندماج وهمى بين شركات عملاقة عالمية وشركات محلية بهدف التهرب من دفع ضرائب فى البلد الأم خصوصاً الولايات المتحدة.
ونموذج صارخ آخر ساهم فى تحريف أرقام الناتج المحلى الإجمالى هو فى قطاع تأجير الطائرات وسجلت شركتان تضم أكبر الأساطيل المؤجرة فى العالم فى مدينة شانون بينما لم تمس أرضها أى من الطائرات المسجلة البالغة 4 آلاف طائرة.
واستناداً إلى حجم التدفقات الهائلة التى مرت عبر البنوك الأيرلندية نشط القطاع المصرفى المحلى فى الاقتراض من الجيران اصحاب معدل الفائدة المرتفع خصوصاً ألمانيا، فتشكل نصف التمثال الجميل بتمويل صفقات ضخمة فى القطاع العقارى 10% من منازلها لا يقطنها أحد، لكن النصف الآخر ظهر عارياً على مرآة الركود الاقتصادى الذى دفع البلاد نهاية العقد الماضى إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولى.
ويكشف النموذج الأيرلندى غياب الفائدة الحقيقة من وراء جذب الاستثمار الاجنبى المتمثلة فى إعطاء البلدان الفقيرة ومنخفضة الدخل فرصة لتوفير تمويل يدعم تسريع نمو الناتج المحلى الإجمالى.
وبالنسبة للاقتصادات النامية فإن حركة رأس المال هى قناة لنقل التكنولوجيا الجديدة، وإدارة المعرفة وإنشاء شبكات الأعمال التجارية، كما تشجع الحكومات على اتباع السياسات التنظيمية والنقدية والمالية الحكيمة.
وكشفت الكوارث المالية المتكررة فى الأسواق الآسيوية فى نهاية القرن الماضى وفى الأزمة المالية فى 2008 عن قبح تدفقات رأس المال التى تستهدف تحقيق الربح من تقلبات غير طبيعية فى أسواق الأسهم والسندات وسوق المضاربة فى العملات الدولية التى تنتفخ فقاعاتها نتيجة حركة غير منضبطة عابرة للحدود حتى تنفجر فى النهاية فى وجه الاقتصاد العالمى.
وتشير مجلة الايكونوميست الى ان الفائدة من وراء تدفق رؤوس الأموال تتحقق من شراء المكاتب والمصانع ومشاريع البنية التحتية بحيث يتم وضع التدفقات من هذا النوع لاستخدامها فى الإنتاج، مما يصعب الخروج المفاجئ لرأس المال سبب الكوارث المالية العالمية.