تراجع الاستثمار فى القطاعين العام والخاص فى أوروبا بشكل كبير عقب الأزمة المالية العالمية وكانت حصيلة النمو ضعيفة فى بعض البلدان وغير موجودة فى بلدان أخرى.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن غياب نمو الاستثمار أمر مقلق وبشكل خاص فى البلدان الطرفية حيث يعوق فرص النمو الاقتصادى والإنتاجية فى المستقبل فضلاً عن الحد من توسع العمالة.
وأوضحت الصحيفة، أن الانخفاض الحاد فى الاستثمار خطير جدًا حيث أن اقتصاد منطقة اليورو نمى بحوالى 6%، مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات، ولكن القيمة الحقيقية للاستثمارات لاتزال أقل بنسبة 6%، مقارنة بمستويات عام 2006.
وأضافت الصحيفة، أن أزمة الاستثمار ضربت بالأخص البلدان الطرفية مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا.
وانخفضت القيمة الحقيقية للاستثمارات فى البرتغال وأسبانيا وإيطاليا بنسبة 30% عما كانت عليه قبل عشر سنوات، أما الاستثمار فى اليونان انكمش بنسبة 70%.
ولولا تقلص الاستثمار لنمى الاقتصاد البرتغالى بنسبة 5% فى السنوات العشر الماضية بدلاً من انكماشه، ولكان الناتج الإيطالى مستقر بدلاً من انكماشه بنسبة 6%، ولتقلص الاقتصاد اليونانى بنسبة 8% عن حجمه قبل عشر سنوات، مقابل 24% حاليًا، هذا بدون احتساب التأثير المضاعف للاستثمار على الاستهلاك والإنتاجية.
وفى الوقت الراهن بدأت معظم البلدان الطرفية تظهر علامات على التعافى، ففى أسبانيا ارتفع إجمالى تكوين رأس المال الثابت (هو الجزء من رأس المال الذى يوجد على شكل وسائل إنتاج تشمل الأبنية والمنشآت والآلات، والأجهزة، والطاقة المحركة، والتجهيزات، والمواد) بنسبة 17% منذ أدنى مستوى له فى عام 2013.
وفى إيطاليا بدأ القطاع يتوسع مرة أخرى عام 2014، ولكن بشكل هامشى فقط، بينما بدأ الاستثمار فى البرتغال يتراجع مرة أخرى بعد بضع سنوات من الانتعاش، وبشكل عام أمام جميع تلك الدول طريق طويل حتى تعود إلى مستويات الاستثمار الطبيعية.
ويرجع هبوط معدلات الاستثمار جزئيًا إلى انهيار فقاعة الإسكان فى بعض تلك البلدان، ولاسيما أسبانيا، ومع ذلك، أشارت شركة «ماكينزى» فى تقرير بعنوان «الاستثمار فى النمو» أن العودة السريعة إلى مستويات الاستثمار الكبيرة غير متوقعة أو مرغوب فيها.
جاء ذلك فى الوقت الذى تراجع فيه الاستثمار فى قطاع الإسكان من حيث القيمة الحقيقية فى اليونان من 5.3 مليار يورو قبل 10 سنوات إلى 300 مليون يورو فقط فى الوقت الراهن منخفضًا بنسبة 94%، بينما تراجعت مستويات الاستثمار فى القطاع بالبرتغال وأسبانيا إلى النصف.
ولكن الانخفاض لم يقتصر على المساكن حيث انخفض الاستثمار فى المبانى الأخرى بما فى ذلك المصانع والمدارس أيضًا كما تراجع الإنفاق على شراء الآلات والمعدات وتحديثها.
ويتراجع الاستثمار عندما يتباطؤ الطلب على الصعيدين المحلى والدولى، وعندما تنتشر البنوك المثقلة بالديون المعدومة، وتكون الأشكال البديلة من الإقراض محدودة، وترتفع حالات عدم اليقين بشأن المستقبل كما هو الحال فى بلدان أوروبا الطرفية، وإن كانت بدرجات متفاوتة.
ومن أجل الهروب من فخ النمو المنخفض وتشجيع الاستثمار ينبغى على الحكومات أن تعمل على جعل أوطانهم أكثر جاذبية للمستثمرين وتسهيل عملية الاستثمار من خلال إصلاحات سوق العمل وسوق المنتجات، مثلما أوصى صندوق النقد الدولى ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
وبدأت هذه البلدان عملية الإصلاحات لتحسين قدرتها التنافسية بما فى ذلك إصلاحات سوق العمل الرئيسية فى إيطاليا وأسبانيا، ولكن تسببت فى رفع طفيف للاستثمارات حتى الوقت الراهن.
وخفضت الدول الأوروبية لاسيما الطرفية منها الاستثمار العام فى أعقاب الأزمة المالية العالمية ومع تحسن الظروف بدأت العديد من الحكومات تتبنى سياسات أكثر مرونة، ولكنها لم تكن معنية بقدر كبير بالإنفاق على الاستثمار، وإنما تعلقت بخفض الضرائب وتشجيع الاستهلاك، ولكن كما يقول بارنز، فإن هذه المبادرات لن تفعل الكثير لتعزيز النمو على المدى الطويل.
وتكمن الطريقة الوحيدة التى يمكن من خلالها تعزيز الاستثمارات العامة فى إعادة النظر بالقواعد المالية للاتحاد الأوروبى واستثناء صافى الاستثمار من حدود الإنفاق الحكومى التى يقرها الاتحاد عند 3% من الناتج المحلى الإجمالى.
وقالت «فاينانشيال تايمز»، إن هذا الاقتراح مثير للجدل ولكن كما يقولون إن تحريك القارب أحيانًا يكون هو السبيل الوحيد لمنعه من الغرق.