تصحيح سعر صرف الجنيه فى حد ذاته لن يكون كافياً لوضع مصر فى طريق معدلات النمو المرتفعة
يجب التصدى بحزم لقيود عرض السلع.. ومعدلات التضخم المرتفعة تحد من استقرار الاقتصاد
ارتفاع الإيرادات الضريبية لـ 717 مليار جنيه خلال العام المالى الجارى.. والدين الخارجى يرتفع لـ 74 مليار دولار
التقرير يتوقع نمو الاقتصاد المصرى بنسبة 4.1% بنهاية يونيو المقبل
مصر تحتاج إلى إصلاحات فى سوق العمل والصادرات وجودة التعليم والتدريب
أصدر معهد التمويل الدولى تقريراً عن مصر يحمل عنوان «التحديات على المدى القصير، والفرص على المدى الطويل»، يرصد فيه الإجراءات التى اتخذتها مصر نحو الإصلاح الاقتصادى بالإضافة إلى برنامج الحكومة مع صندوق النقد الدولي.
وكانت مصر قد توصلت إلى اتفاق مبدئى مع صندوق النقد الدولى أغسطس الماضى لاقتراض 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات ضمن برنامج إصلاح اقتصادى يلزم مصر بتحرير أسعار صرف العملة المحلية وتقليل دعم الطاقة وإجراء إصلاحات فى المالية العامة.
وقال المعهد فى التقرير الذى حصلت «البورصة» على نسخة منه، إن سعر الصرف المتوازن للدولار أمام الجنيه يترواح ما بين 10 و11 جنيهاً للدولار الواحد.
وأضاف التقرير الذى حصلت «البورصة» عليه، أن نظام سعر الصرف المرن يحسن توفير النقد الأجنبى لدى البنك المركزى بالإضافة إلى استعادة القدرة التنافسية، والحد من الاختلالات الخارجية وإعادة بناء الاحتياطيات.
وذكر أن مصر يمكنها تجنب الاستهلاك غير المنضبط فى السوق عن طريق دعم التوجه إلى نظام سعر الصرف المرن، وتبنى سياسات نقدية ومالية أكثر صرامة.
ويرى معهد التمويل الدولى أن الانتقال إلى أسعار صرف مرنة من قبل البنك المركزى أو إجراء تخفيض كبير للعملة، شرط مسبق من صندوق النقد الدولى قبل التصويت على قرض مصر فى المجلس التنفيذى.
وقال إن الطلب على الدولار فى مصر فاق المعروض منه بسبب انخفاض الصادرات من السلع وتراجع النشاط السياحى والذى يمثل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة.
وأضاف أن البنك المركزى المصرى قنن استخدام الدولار، وأعطى الأولوية لاستيراد السلع الاساسية وللمصدرين الذين يحتاجون استيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع.
وأشار إلى أن قرار المركزى بتقنين استخدام العملة الأمريكية أدى إلى توجه الأفراد والشركات إلى السوق الموازى لتتخطى أسعار الدولار أمام الجنيه 13 جنيهاً، ويفقد الجنيه 40% من قيمته مقارنة بالأسعار الرسمية.
ويوجد فى مصر سوقان لتداول الدولار، رسمى يقدر العملة الأمريكية عند 8.87 جنيه ويصعب الحصول على الاحتياجات المطلوبة منه، وآخر غير رسمى يبلغ فيه الدولار 15.40 جنيه وفقا لأسعار أمس السبت، وتزيد أسعاره عن السوق الرسمى نحو 73.6%، وهو السوق الذى تعتمد عليه غالبية الشركات لتدبير احتياجاتها من العملات الأجنبية.
ويتوقع التقرير أن تحصل مصر على 26 مليار دولار خلال ثلاث سنوات لسد الفجوة التمويلية، تشمل قرض صندوق النقد الدولى وطرح السندات الدولارية والتمويلات الثنائية.
وذكر أن الحكومة تضع اللمسات الأخيرة لطرح سندات دولارية تتراوح قيمتها ما بين 3 و5 مليارات دولار فى السوق العالمي، فضلاً عن سعيها للحصول على 2 مليار دولار قروض من الصين.
وأضاف أن احتياطيات النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى ارتفعت إلى 19.6 مليار دولار فى نهاية سبتمبر بفضل حصول مصر على وديعة من الخليج وقرض البنك الدولى بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
وقال المعهد إن خطة الحكومة ضمن البرنامج مع صندوق النقد الدولى تهدف إلى ضبط أوضاع المالية العامة مع الحفاظ على معدلات النمو الاستثمارية.
وأضاف أن البرنامج يهدف إلى تضييق العجز المالى من 11.9% فى العام المالى الماضى إلى 7.7% بحلول العام المالى 2018/2019، فضلاً عن تخفيض مستويات الدين الحكومى إلى نحو 86% مقارنة بـ 97% العام المالى الماضي.
ويتوقع معهد التمويل الدولى أن يصل الدين الحكومى إلى 93.3% خلال العام المالى الجارى، على أن ينخفض إلى 89% العام المالى المقبل، كما يتوقع ارتفاع الدين الخارجى خلال العام المالى الجارى لتصل إلى 75 مليار دولار.
ويرى التقرير أن عدم مرونة الإنفاق الحكومى يمكن أن يجعل من الصعب خفض الإنفاق الحكومى بشكل كبير، حيث تمثل فاتورة الأجور والمزايا الاجتماعية ومدفوعات الفوائد 75% من الإنفاق الجاري.
وأوضح أن معدل النمو فى بند الأجور فى الموازنة العامة للدولة أقل بكثير من الزيادة فى الناتج المحلى الإجمالى.
وذكر أنه على جانب الإيرادات وتعزيز النشاط الاقتصادى قامت الحكومة بإدخال نظام ضريبة القيمة المضافة والذى بدأ تطبيقه مطلع أكتوبر الجارى بدلاً من ضريبة المبيعات، فضلاً عن الزيادة الحادة فى الضرائب على التبغ والمشروبات الكحولية.
ويتوقع التقرير أن ترتفع الإيرادات الضريبية بنهاية العام المالى الجارى لتصل إلى 717 مليار جنيه مقابل 555 مليار جنيه العام المالى الماضي، على أن ترتفع إلى 924.4 مليار جنيه بنهاية العام المالى 2018/2019.
وأشار التقرير إلى أن تحسين الامتثال الضريبى يمكن رفع الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 0.8% ليصل إلى 12.8% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام المالى الجاري.
وقال إن العجز المالى الحكومى خلال السنوات الأخيرة كان يتم تمويله من قبل القطاع المصرفى المحلى، على الرغم من سعى الحكومة لجذب المستثمرين الأجانب إلى سوق الدين بالعملة المحلية إلا أن المخاوف من قيمة الجنيه والمشاكل الأمنية منعت المستثمرين.
وأضاف أن المدفوعات على الفوائد تضاعفت فى السنوات الخمس الماضية لتصل إلى 8.3% من الناتج المحلى الإجمالي.
وقال التقرير إن ادخال ضريبة القيمة المضافة وتخفيض قيمة العملة يؤدى إلى زيادة الضغوط التضخمية على المدى القصير، ويتطلب احتواء ذلك رفع أسعار الفائدة على الجنيه لدى البنوك.
وأضاف أن معدل التضخم «مؤشر أسعار المستهلكين» على أساس سنوى بلغ 15.5% بنهاية أغسطس الماضى، وأن أسعار المواد الغذائية، ارتفعت بوتيرة سريعة لتصل 19.3%.
وذكر أن نمط زيادة معدلات التضخم ليس ظاهرة عابرة، وأنه يعكس كل من الطلب على الاستهلاك وقيود العرض، مشيراً إلى أنه يجب التصدى بحزم لقيود العرض الملزم، لأن معدلات التضخم المرتفعة تحد من استقرار الاقتصاد الكلى والمالي.
ويتوقع معهد التمويل الدولى تراجع الضغوط التضخمية ما بعد الأجل القصير، فى ظل الزيادة المتوقعة فى الطاقة الإنتاجية للاقتصاد وتضييق كبير فى العجز المالي.
وقال إن الحكومة المصرية فى حاجة إلى سياسات مالية أكثر تشدداً للحد من الضغوط التضخمية ودعم الانتقال إلى نظام سعر الصرف المرن.
وأضاف أن البنك المركزى أبقى فى اجتماع السياسة النقدية الأخير الايداع والاقراض لليلة واحدة عند 11.75% و12.75%، إلا أنه فعلياً قام بزيادة تلك المعدلات بحوالى 250 نقطة أساس خلال العام الجارى للحد من التضخم.
وذكر أن هناك طبيعة مرتبطة بأن خفض معدلات التضخم المرتفعة يتطلب زيادة كبيرة فى أسعار الفائدة والتى قد تؤثر على الانتعاش الاقتصادى، مشيراً إلى أن مصر سترغب فى تبنى سياسة واضحة للتضخم على المدى المتوسط بما فى ذلك خطوات المركزى المستقلة.
وقال التقرير إن القطاع المصرفى مازال يمول بشكل جيد بسبب قاعدة الودائع القوية التى لديه، والتى توفر السيولة، حيث إن معدل القروض إلى الودائع بلغ 43%، مشيراً إلى أن ذلك المعدل هو الأدنى فى اقتصاديات الدول الناشئة فى ظل السيولة الفائضة.
وأضاف أن ربحية البنوك المحلية تحسنت خلال الفترة الماضية، وأن نسبة القروض المتعثرة انخفضت من 10.5% من إجمالى القروض فى عام 2011 إلى 6.8% فى العام الماضى، مع تغطية مخصصات تصل إلى 99%.
وذكر أن اختبارات الضغط التى يقوم بها البنك المركزى تشير إلى أن الخسائر المحتملة للقطاع يمكن استيعابها من قبل أرباح البنوك ورؤوس الأموال.
وأوضح أن قلة توافر النقد الأجنبى فى السنوات الأخيرة أدى إلى اختناق كبير لعملاء البنوك، وساهم فى انخفاض صافى الموجودات الأصول الأجنبية للبنوك بشكل مطرد، وبدلا من صافى اصول أجنبية بقيمة موقف 20 مليار دولار نهاية 2010، أصبحت البنوك مدينة بقيمة 5.2 مليار دولار فى أغسطس الماضي.
وأشار إلى أن الاعتماد الزائد على تمويل البنوك المحلية للعجز المالى الكبير قد يعرض تلك البنوك إلى التركز المفرط.
ويرى معهد التمويل الدولى أن تصحيح سعر صرف الجنيه فى حد ذاته لن يكون كافياً لوضع مصر فى طريق معدلات النمو المرتفعة، مشيراً إلى أن الحكومة تبنت بعض السياسات التى تهدف إلى معالجة بعض نقاط الضعف الهيكلية فى الاقتصاد.
ويتوقع التقرير أن ينمو الاقتصاد المصرى خلال العام المالى الجارى بنسبة 4.1%، على أن يرتفع إلى 5% العام المالى المقبل، و5.3% خلال العام المالى 2018/2019.
وقال إن الحكومة تحاول الحد من اختناقات العرض، عن طريق معالجة التحديات فى قطاع الطاقة، وتعزيز بيئة الأعمال من خلال حقوق الملكية وتحسين كفاءة الإطار القانوني.
وأضاف أن مصر احرزت بعض التقدم فى تطوير سوق المال، بما فى ذلك تحسين وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة للمؤسسات المالية، مشيراً إلى أنه بالرغم من ذلك مازال الاداء ضعيفا فى بعض الجهات اللازمة لتشغيل مشروع تجارى.
وقال المعهد إنه وفقاً لتقرير التنافسية الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمي، فإن ممارسة أنشطة الأعمال فى مصر والقدرة التنافسية ضعيفة جداً مقارنة بالأدون والمغرب والعديد من الاقتصاديات المماثلة.
ويرى المعهد أن تدهور أوضاع الاقتصاد الكلى فى مصر استمر حتى يونيو الماضى قبل توجه الحكومة إلى برنامج إصلاحى مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف أن مصر تحتاج إلى تكثيف جهودها الإصلاحية لمعالجة الجمود الرئيسى الذى يصيب الصادرات المصرية، وسوق العمل، والأسواق المالية.
وذكر أن هناك أولويات أخرى يجب أن تتبناها الحكومة المصرية، متمثلة فى تحسين جودة التعليم العالى والتدريب، كما يتطلب تعزيز القدرة التنافسية الداخلية الحد من قوة الشركات الكبيرة المهيمنة على السوق.