عندما يحاصرنى البنك المركزى المصرى – كفرد وليس كشركة – ويرفض أن يعطينى عملة أجنبية كافية للسفر، فإنه يدفعنى للجوء للسوق الموازية لتدبير احتياجى من دولار أو يورو أو غيرهما. واللجوء للسوق الموازية جريمة، واذا ضبطت أثناء تغيير العملة فستكون أولى جرائمى التى ستظهر فى الفيش والتشبيه القادم. لا تكلمنى عن أن الناس تسافر للفسحة أو ترسل أبناءها للتعليم فى الخارج. فمهما كانت أسباب سفرهم فليس من شيم الأحرار أن نفعل ذلك بمواطنينا.
عندما أفلت من مسألة السوق السوداء فربما أضطر للتحول للتهريب اذا احتجت مبلغا كبيرا بعض الشىء، لأن المركزى مدفوعا بمزيج من الهلع ونقص الكفاءة قام بحصار أرصدة بطاقات الائتمان للأفراد بشكل مبالغ فيه. وبالتالى لأخرج من المطار فلا بد أن أتحول لمهرب لأنجو من هذا الفخ.
عندما أصدق توجه الدولة نحو اقتصاديات السوق الحر وترك الأسعار للعرض والطلب مع تدخل الدولة لضبط هذه الأسعار بلعب دور التاجر المرجح وتدخل المركزى لضبط أسعار العملة بعمليات السوق المفتوحة ثم أجد من ينكث وعده ويغلق لى شركة صرافة أعمل بها مفضلا الحل الأمنى على عجز سياساته النقدية فهو بذلك يحولنى من موظف يعمل فى النور إلى تاجر سوق سوداء يعمل فى الخفاء. لقد وقعنا فى الفخ.
عندما تقرر الدولة لى، كموظف عام، مرتبا لا يمكن أن يكفى لأيام معدودات فهى لا تترك لى إلا خيارين، كلاهما مخالف للقانون. الوظيفة العامة لا تبيح العمل الاضافى والرشوة محرمة فى الدين والقانون. فخ جديد.
عندما تغض الدولة الطرف عن سيارات ملاكى تعمل بالأجرة فهى تشجعنى على شراء «التمناية» طمعا فى الرزق الحلال، ولكن هذا فى نفس الوقت يضعنى تحت طائلة القانون ويعرضنى للغرامات وربما المصادرة أيضا. احذر فخ.
عندما أنجح فى شراء عدد من أكياس السكر ربما تكون للاستهلاك الشخصى وربما أيضا أقوم كمواطن بالشراء من أجل أم مريضة أو أب عجوز أو أخت أرملة أو مطلقة فأنا هنا معرض للمساءلة القانونية ومصادرة ممتلكاتى من السكر الذى يعلم الله وحده كيف اشتريته. هذا أسوأ فخ.
عندما أتحوط فى عملى وأقوم بشراء مخزون من سلعة وسيطة تدخل ضمن دورة الانتاج على مدار أسابيع وشهور قادمة فأنا أعتبر مجرما فى نظر القانون ومن يطبقه وأستحق أن يصادر ما خزنته بصفتى انسان وغد وشرير ولا أقدر المسؤلية. إزاى تفكر فى انتاجك والناس مش لاقية؟ مفيش دم؟ عاوز تعمل لنا بلبلة فى نسيج المجتمع؟
لا يجب على الدولة أن تتراجع عما أعلنت عنه أو تحاول تقويم أخطائها بعقوبات جنائية على من تسببت لهم فى السير نحو الأفخاخ العجيبة المنصوبة هنا وهناك. بناء جسور الثقة يحتاج لاستتباب الأمور وفعالية الأسواق والتوصل لحلول لا تفقد المرء الثقة فى الحكومة. وفى رأيى الاهتمام بتصحيح هذه الأوضاع الخاطئة والإعلان والإعلان عن كيفية تصحيحها هى أولى خطوات استعادة الثقة.
هناك الكثير من الأمل والابتسامات والكلام الموزون سمعته على لسان الرئيس والمسئولين والمتحدثين فى مؤتمر الشباب فى شرم الشيخ، ولست من الذين يتعلقون بالهيافات وسفاسف الأمور ليعلقوا عليها ويملأون بها الدنيا ولكن أتمنى أن أمارس عملى كإعلامى دون قلق من أن يجعلنى أحد مجرما وأصدق ما قاله أستاذنا مكرم محمد أحمد أكثر من أى كلام آخر سمعته. وأود من أعماقى أن تكف الدولة عن نصب الأفخاخ للمواطنين أو التعدى على حقوق الشرفاء بالذات تحت أى ظرف وأى حجة. فالمواطن الذى أقبل على الدولار استهدف حماية مدخراته من التآكل وقليلون من المواطنين فكروا فى الربح، والمسافر يحتاج للعملات الأجنبية لأن عملته المحلية غير مقبولة دوليا وأى تاجر لا يمكن أن يعطى ظهره لارتفاع الطلب والسعر على بضاعة يبيعها والمواطن الذى يشترى السكر يريد أن يستهلكه والشركة التى تخزن السكر لغرض الانتاج لا تستطيع الاستعواض عنه بسلعة بديلة.