اقتصادنا يا تاعبنا……. الحلقة 15..
يعد قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 2005 إحدى الركائز الأساسية التى يستند إليها اقتصاد السوق الحر القائم على حرية المنافسة بين مختلف الوحدات الاقتصادية بما يضمن حرية دخول الأشخاص إلى السوق والخروج منها وفقاً للقواعد التى تحكم السوق. ويتمتع جهاز المنافسة بالاستقلالية فى أداء دوره، ويتبع وزارة الصناعة والتجارة.. ويتولى وفقاً للقانون مراقبة الأسواق وفحص الحالات الضارة بالمنافسة سواء بناء على شكوى يتقدم بها الشخص أو بناء على دراسة يقوم بها الجهاز تشير إلى وجود مخالفة للأحكام الواردة فى القانون. وللجهاز آليات واضحة بشأن كيفية التعامل مع القضايا المرفوعة له والأحكام التى يصل لها فى النهاية فهو يمثل مع جهاز حماية المستهلك وغيرها من الأجهزة الرقابية أهمية كبيرة فى الرقابة على الأسواق، ويكملان بعضهما البعض، وإن كان لكل واحد منهما دور منفصل عن الآخر.. وهو ممثل فى عديد من المرافق العامة التى تنظم أنشطة مختلفة كجهاز مرفق الكهرباء وجهاز تنظيم الاتصالات، وهو عضو مراقب فى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى (OECD)، وبلجنة المنافسة فى الكوميسا.. ورغم ذلك كله فإن دوره منحصر فى الرقابة اللاحقة فقط لجميع القضايا المتعلقة بحماية المنافسة ومنع الممارسات الحتكارية..
فجهاز بهذا الأهمية ينبغى أن يكون له دور فى الرقابة السابقة أيضاً أى قبل وقوع الضرر على المنافسة فى السوق، ومنع الممارسات الاحتكارية، وهو ما يتطلب تعديلاً تشريعياً يعطيه تلك الصلاحية وتعظيم دوره والجهاز على علم بنقاط القوة والضعف فى أدائه لدوره.. فى ضوء الدراسات العديدة التى يقوم بها فى إطار من المقارنة الدولية مع دول عديدة.. فعلى سبيل المثال هناك إحصائية حسب موقع الجهاز تشير إلى أن أكثر من مائة وأربعين (140) دولة بادرت بوضع قواعد تنفيذية للرقابة السابقة على الاندماجات والاستحواذات لحماية المنافسة الحرة فى الأسواق؛ لما لها من أثر إيجابى ودور فعَّال فى خلق مناخ إيجابى للاستثمار..
ورغم أن الجهاز عكف خلال الفترة الماضية على إعداد مسودة تعديلات لقانونه فإنه توجد هناك حالياً مبادرات من أطراف أخرى فى المجتمع لتعديل القانون دون إشراك للجهاز بتلك المبادرات، وهو حق أصيل للجهاز فى الحديث عن نفسه..
ولكن دعونا نتكلم عن شبهة الاحتكارات فى قطاعات محددة فى السوق مثل الطيران والحديد أحياناً من ناحية، ومن ناحية أخرى عن عدم المنافسة نتيجة تمتع بعض المؤسسات الأخرى فى الدولة بمزايا مالية (ضريبية وجمركية) ومزاحمتها للقطاع الخاص فى بعض القطاعات، ما يجعل باقى المؤسسات فى وضع غير تنافسى معها.. قد يكون ذلك ملحاً وضرورياً فى بداية الأمر ولاسيما عندما تكون الدولة فى حالة تتطلب تحقيق أهداف تنموية سريعة، ولكن هناك سياسة للخروج (Exit Strategy) أو تطبيق قواعد المنافسة على الجميع لعدم خلق حالة من الهلع السوقى للشركات التى تعمل بالسوق وخلق وضع اقتصادى غير صحى.. إما بخلق الضرر تجاه المنافسة عموماً أو قصر المستفيدين من القطاع الخاص على مجموعة بعينها دون أخرى ودون معايير وفى الحالتين وضع تنافسي غير صحى وغير مشجع..
لا بد من وضع جدول زمنى لمرحلة الخروج لتقليل المزاحمة أو اللعب بنفس قواعد المنافسة دون أن تكون ميزة لطرف على آخر..
وهنا يثور التساؤل حول وضع المنافسة فى السوق وحمايتها ودور الجهاز المقيد بالرقابة اللاحقة والتى تحركها الشكوى تجاه أي مخالفة لحرية الأسواق أو منع الممارسات الاحتكارية.. التجارب الدولية واضحة والقطاعات الاستراتيجية التى تطلب تدخل الدولة فيها ينبغى أن تكون واضحة، وأن يسمح بفتح مجال أكبر لمشاركة القطاع الخاص فيها فهناك نماذج عديدة للمشاركة معروفة للجميع..
لا شك أننا فى مرحلة حرجة تتطلب الإسراع فى وتيرة التنمية المستدامة وقد يكون ذلك مفيداً فى البدايات، ولكن على المديين المتوسط والطويل ينبغى أن تعود الأمور إلى نصابها الصحيح.. فلا شك أن دور الدولة مهم، ولكن ايضاً القطاع الخاص شريك رئيسى فى التنمية والتشغيل والإنتاج والتصدير ونقل المعرفة والتطوير وتحقيق معدلات نمو مرتفعة إلى جانب مسئوليته الاجتماعية التى لها من الأهمية بمكان فى تحقيق مشاركة إيجابية للقطاع الخاص فى المساهمة فى التنمية المجتمعية، على أن يتم ذلك كله فى إطار من الشفافية والسياسات الاقتصادية والمالية الواضحة التى تحددها الهوية الاقتصادية والاجتماعية للدولة ودورها الاقتصادى والتنموي.. وعليه لا بد من خلق مناخ صحى للتنمية المستدامة..
وما نبغى إلا إصلاحاً…
i_mustafa2020@hotmail.co