فى عام 1990، كانت شركات القطاع العام فى الصين بها 110 ملايين موظف، وكانت تخسر الكثير. الآن أصبحت هذه الشركات تدر دخلاً للصين يقدر بحوالى 900 مليار دولار سنوياً للدولة (300 مليار دولار أرباحاً و600 مليار دولار ضرائب متنوعة).
وأصبح القطاع العام قاطرة التنمية هناك. نفس الشىء حدث فى ماليزيا وفى سنغافورة وفى الإمارات.
فى الوقت نفسه، لم نستفد من شركات القطاع العام فى مصر، بالعكس تم عمل خصخصة وبيع بعض منها، ولم يتم عمل تطوير فيما تبقى.
كيف نجحت الصين والدول الأخرى فى تطوير شركات القطاع العام بها؟ وماذا يجب أن نفعل فى مصر؟
السر كله فى ركن أساسى وهو: إن الملكية تظل مع الدولة، وإن الإدارة تكون بفكر القطاع الخاص.
بدون عمل ذلك لا يوجد أمل فى تطوير القطاع العام فى مصر أو فى أى دولة أخرى.
ففكر القطاع الخاص هو البحث عن أحسن الكفاءات، واستخدام أحدث الأنظمة من أجل تحقيق أعلى ربحية مادية وغير مادية. وفكر القطاع الخاص هو بوضع خطط سنوية ولكل 5 سنوات. وفكر القطاع الخاص هو استخدام التكنولوجيا لتطوير مستوى الأداء. واستخدام مؤشرات الأداء لقياس مدى النجاح فى التنفيذ والوصول للهدف. قد يبدو كل ذلك شيئاً طبيعياً جداً لأى واحد عمل بالشركات العالمية أو عمل فى دولة عربية أو غربية. ولكن للأسف هذا ليس هو الفكر فى شركات القطاع العام فى مصر أو فى معظم الدول النامية.
كيف نجحت الصين فى تطوير القطاع العام؟ درست المشكلة واكتشفت 4 صعوبات رئيسية.
الصعوبة الأولى، أنه لا يوجد تمويل لهيكلة الشركة وشراء معدات حديثة. وتم حلها عن طريق طرح جزء من الشركة (20- 25%) فى البورصة لجذب التمويل.
الصعوبة الثانية، هى عدم وجود أنظمة حديثة. وتم حلها عن طريق جذب شريك أجنبى رئيسى مثل شركة جولدمان ساكس أو البنوك الأمريكية للدخول بـ2- 3% مساهمة فى البنوك الصينى الحكومية. ونفس الشىء لشركات البترول العالمية فى الدخول بنسبة بسيطة فى شركات البترول الصينى. الهدف هو تعلم أنظمتهم الحديثة بدون إعطاء ملكية.
الصعوبة الثالثة، هى عدم وجود إدارة قوية. وتم حل هذه المشكلة عن طريق جذب أحسن الكفاءات أولاً من داخل الحكومة، وثانياً من خارجها، وإعطاء أسهم مجانية نظير تحقيق الأهداف وإعطاء رواتب عالية جداً فى بعض الوظائف. فمثلاً شركة نقل حكومية كبرى china International marine containers تحقق مبيعات حوالى 5 مليارات ويتقاضى رئيسها 80 ألف دولار شهرياً (فوق المليون جنيه شهرياً)، وذلك فى دولة شيوعية. وتم إعطاء أسهم عند تحقيق الأهداف stock options لأعلى 300 موظف فى شركة بترول حكومية صينية. المغذى من ذلك أن الإدارة فعلاً تحولت لفكر القطاع الخاص بالبحث عن أحسن الكفاءات ومكافأة المتفوقين.
الصعوبة الرابعة، هى وجود 110 ملايين موظف فى الشركات الحكومية، بينما الدولة تحتاج أقل من نصفهم. تم وضع خطة وإعطاء الفرصة للجميع لإثبات الكفاءة وبعد ذلك تم الحفاظ على المتميزين أو الذين من الممكن تطويرهم.
وتم عمل شركات موازية لنقل هؤلاء الموظفين الآخرين لإخلاء الطريق تماماً للكفاءات الجيدة مع الحفاظ لهؤلاء على رواتبهم وكل امتيازاتهم لأطول مدة ممكنة. بعد ذلك مع تحسن نتائج الشركات تم فتح باب المعاش المبكر لمن يريد. ثم بعد ذلك تم عمل صندوق لدعم العاملين فهم كانوا يعرفون أن من يذهب للمعاش المبكر بمكافأة مادية غالباً سيصرفها وسيحتاج للمزيد من المال وذلك الصندوق كان لحل هذه المشاكل وإعطاء المزيد من المال لأن الهدف هو إيجاد فعلاً حلول للناس إما بوظيفة أخرى أو تمويل يغطيهم لفترة زمنية جيدة.
وغير ذلك من الصعوبات التى تم حلها.
لماذا تظل الملكية للدولة؟ هذا سؤال مهم جداً. والسبب أن الملكية للدولة معناها أن الربحية ستذهب للشعب كله وليس لمستثمر واحد. يوجد الكثير من القطاعات الحكومة هى المشترى الأكبر والمنتج سهل التصنيع وبالإدارة الجيدة ستتحول هذه الشركات لشركات رابحة كما هو الوضع مع موانئ دبى وطيران الإمارات وشركة إعمار وغير ذلك من الشركات التى تمتلك الدول كل أسهمها أو حصة كبيرة.
الدولة عليها أن تضع خطة لتنمية إيراداتها الضريبية التى تجىء من الضرائب وغير الضريبية التى تجىء من أرباح شركات القطاع العام، وعندما تضع الخطة المفصلة ستجد أن القوة الثلاثية (قوة القطاع العام الناجح + قوة القطاع الخاص المصرى + قوة جذب الاستثمارات الأجنبية) هى أسرع وسيلة لنمو اقتصاد مصر.