تختبر الأحداث منطقة اليورو من جديد، والصدمة هذه المرة تأتى من إيطاليا، حيث تلقى رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى، هزيمةً ساحقةً فى الاستفتاء على الدستور تسببت فى استقالته.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن إيطاليا صاحبة ثالث أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو بمثابة بلد مهم، ورحيل «رينزى»، قد لا يكون الحدث الأهم، ولكن تكمن المخاوف من فشل المنطقة فى تحقيق الرخاء المشترك على نطاق واسع، الأمر الذى سيجعلها عُرضةً لصدمات سياسية واقتصادية.
أضافت أن الأوضاع تتحسن على الأقل فى الوقت الراهن، فقد توسع الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى فى منطقة اليورو بنسبة 5.5% بين الربع الأول من عام 2013 والربع الثالث من العام الجارى.
وتراجعت البطالة من ذروة بلغت 12.01% فى شهر يونيو 2013 إلى 9.8% خلال أكتوبر الماضى.
ولكن هذا التحسن لم يعوض الضرر الناجم عن الأزمة المالية فى عام 2008، وأزمة منطقة اليورو بين عام 2010 و2012.
واللافت للنظر أن الطلب المحلى الحقيقى فى منطقة اليورو تراجع بنسبة 1.1% فى الربع الثانى من العام الحالى، مقارنة بما كان عليه فى الربع الأول من عام 2008، وهذا الضعف الشديد فى الطلب لا ينبغى أن يحدث فهو بمثابة فشل كبير.
وانخفض الطلب المحلى لمنطقة اليورو فى الربع الثانى من العام الجارى بنسبة 6.9% أعلى مما كان عليه فى الربع الأول من عام 2008.
وكان لضعف الطلب فى المنطقة تأثير هبوطى قوى على التضخم؛ حيث لم تتجاوز المعدلات 2% فى العام على أساس سنوى منذ يناير 2009، وبلغ متوسط التضخم 1.2% فقط منذ ذلك التاريخ.
وقال ماتن وولف، المحلل الاقتصادى، كبير المعلقين الاقتصاديين فى صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن التحديات الكبيرة فى المنطقة تكمن فى تباين الأداء الاقتصادى بين أعضاء العملة الموحدة مع ركود عميق فى عدد من البلدان الأعضاء خاصة إيطاليا.
وأوضحت مجموعة «كونفيرانس بورد» للأبحاث، أن الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للفرد من حيث القوة الشرائية بين عامى 2007 و2011 زاد بنسبة 11% فى ألمانيا، بينما تراجع بنسبة 8% فى إسبانيا، و11% فى إيطاليا.
ومن المتوقع أن يستمر هذا التراجع حتى نهاية العقد الحالى، وسوف يرتفع الدخل الحقيقى للفرد فور عودة النمو إلى مستويات ما قبل الأزمة.
وفى إيطاليا، يبدو من غير المرجح حدوث تعافٍ قبل منتصف عشرينيات الألفية الحالية، ولكن تكمن الحقيقة المؤلمة فى أن منطقة اليورو لم تعان فقط ضعف الأداء العام، ولكن أيضاً من الاختلافات الاقتصادية بين الدول الأعضاء.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يعانى فيه القطاع المصرفى الإيطالى؛ بسبب تراكم قروض متعثرة بلغت قيمتها 360 مليار يورو بسبب الركود العميق.
وأشارت الصحيفة إلى أنه حال استمرار هذا الوضع، فإنه من المرجح أن تظهر المزيد من الديون المعدومة.
أضافت أنه ينبغى الاتفاق على كيفية حل الأزمة المصرفية بطرق تلبى قيود السياسة الإيطالية والقواعد الأوروبية.
وكان تطوير الأجور بمثابة بوادر التحولات فى القدرة التنافسية فى منطقة اليورو، فقبل الأزمة ارتفع متوسط الأجور بشكل ملحوظ فى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال نسبة إلى المستويات الألمانية، وهذا من شأنه أن يساعد على استعادة التوازن فى الاقتصاد بالمنطقة.
وتراجع الطلب المحلى الحقيقى لإيطاليا فى الربع الثالث من العام الجارى بنسبة 10%، مقارنة بما كان عليه فى الربع الأول من عام 2008.
وارتفع الطلب الحقيقى لألمانيا بنسبة 8%خلال الفترة نفسها، وهو ما يعد فشلاً آخر فى التكيف الداخلى لدول منطقة اليورو، ويجعلها تعتمد أيضاً على الفائض الخارجى الكبير.
وأكد «وولف»، أن ضعف الطلب الكلى فى منطقة اليورو مع الاختلافات الضخمة فى الأداء الاقتصادى فى فترة ما بعد الأزمة سوف ينجم عنه متاعب اقتصادية كبيرة فى المستقبل.
أضاف أنه من الممكن استقرار الوضع، ولكن التفاعل بين الأحداث الاقتصادية والمالية والضغوط السياسية سيؤدى إلى عواقب وخيمة لا يمكن التنبؤ بها.