يوم الاثنين العاشر من يونيو عام 1968 هو يوم يذكر فى تاريخ النرويج حيث اكتشفت شركة فيلبس الامريكية حقل كود وهو اول حقل نفط فى المياه النرويجية فى بحر الشمال وهو ما شجع الحكومة النرويجية فى هذا الوقت على زيادة الاستعانة بموظفين فى مجال الاقتصاد والنفط والقانون والجيولوجيا نظرا لانه لم يكن يتوافر فى ذلك الوقت داخل الحكومة النرويجية اى خبرة جيولوجية او نفطية فقد كان الاقتصاد النرويجى يعتمد بصفة أساسية على صناعتى صيد الاسماك والتجارة البحرية.
بدأت النرويج فى طرح الفرص امام شركات النفط العالمية للتنقيب ونظرا لان النرويج لا تتمتع بالخبرات فى مجال النفط فقد كانت فى كثير من العقود ترفض مبدأ المشاركة فى الربح مع الشركات البترولية فى مقابل استبدال هذا بتدريب موظفيها لدى تلك الشركات وبعد ان تأكدت النرويج من وجود حقول عديدة للنفط صدق مجلس النواب النرويجى فى 1972 على تكوين جهاز حكومى جديد لادارة النفط.
فى السبعينيات واوائل الثمانينيات ارتفعت اسعار الخدمات التقنية البترولية مع تزايد الاكتشافات البترولية فى النرويج، مما ادى الى زيادة تكاليف الانتاج عن التكاليف المقدرة مسبقا مما ادى الى خلق ازمة حادة للحكومة النرويجية. ولبحث اسباب هذا الامر قامت وزارة الصناعة النرويجية بإعداد دراسة مقارنة للوقوف على اسباب زيادة تلك التكاليف حيث تم مقارنتها بالقطاع البريطانى، حيث تبين ان القطاعين متشابهان الى حد كبير فى نفس الظروف الا ان التكاليف كانت اكثر بكثير فى القطاع النرويجى عن القطاع البريطانى وسميت هذه الظاهرة بعامل التكلفة النرويجية والذى كان سببه إسراع النرويج فى تطوير الاكتشافات والتعجل فى استرداد الاموال المستثمرة، مما ادى الى زيادة التكاليف وظهور ما يعرف بالعامل النرويجى فى زيادة التكلفة.
تضاعفت اسعار النفط بين عامى 1981 و1982 ومع ارتفاع اسعار النفط اكتشفت النرويج انها اصبحت تعتمد على الايرادات النفطية كمصدر اساسى للدخل وهذا الوضع قد يعرض اقتصاد البلاد الى اهتزازات عنيفة نتيجة التذبذبات فى اسعار النفط مما دفع الحكومة الى التفكير فى انشاء صندوق يوضع فيه فوائض ارباح النفط بهدف حماية الاقتصاد النرويجى من التذبذبات فى سعر النفط وخدمة مصالح الاجيال القادمة وبالفعل تم انشاء الصندوق فى عام 1990 وتم تحويل كافة عائدات النفط الى هذا الصندوق والذى سمى لاحقا بصندوق التقاعد والذى اصبح مفصولا عن موازنة الدولة تماما وسمح لهذا الصندوق ان يستثمر امواله فى اسواق المال المختلفة خارج النرويج فقط على ان يتم تحويل 4% من عائدات الصندوق كل عام الى ميزانية الدولة. بلغ حجم الاموال الموجودة بالصندوق حتى تاريخه اكثر من 370 مليار دولار امريكي.
فى حقيقة الامر، مصر تمتلك العديد من مصادر الثروات ولكنها تمضى قدما فى ادارة تلك الثروات بنفس ادوات واساليب الماضى، حيث تعتمد بصفة اساسية على الاستعانة بالدوائر المقربة من السلطة السياسية التى تستخدم نفس الافكار الكلاسيكية فى حل مشاكلنا حيث اسقطت الكفاءة كمبدأ للاختيار عمدا او جهلا فكلاهما محصلتهما سواء.
الحقيقة الثانية اننا مصممون على تجاهل تخلفنا المعرفى ونصر على اننا نستطيع بمستوانا الحالى الانطلاق وملء الفجوات ولكن للاسف نحن فى كثير من الاحيان نطلق النيران على اقدامنا. الاقتصاد المصرى أصبح مريضا بعامل التكلفة المصرية.
الحقيقة الثالثة ان الاقتصاد المصرى اصبح منذ فترة يعتمد بصورة كبيرة على عوائد تتمتع بصفة التذبذب مثل السياحة وقناة السويس دون وضع نظرة احتمالية لتذبذب تلك الايرادات فى المستقبل وهو ما فشل كل خبراء الاقتصاد السابقين فى توقعه ووضع بدائل للتحوط منه. اخيرا وليس آخرا نحن نسرع فى تنفيذ كل احلامنا.. نختصر كل التوقيتات الزمنية فى كل مشارعينا ونحملها بتكاليف أكبر مما تحتمل. عامل التكلفة المصرية اثر سلبيا على الاقتصاد المصرى وجعله قابلا للانفجار فى اى لحظة.
حان الوقت أن نعتمد على خبرات وكفاءات مستقلة تستطيع خلق عوائد للاجيال القادمة بدلا من تكبيلهم بمزيد من الديون.
مسؤول اقتصادى فى الأمم المتحدة