لى كوان يو Lee Kwan Yew الأب الروحى لنهضة سنغافورة كان واضحاً جداً: الموطن يحتاج إلى تحقيق التقدم الاقتصادى أولا وإلى تطبيق القانون وليس لحرية الرأى. كلمته الشهيرة عام 1997 «هل الديمقراطية نجحت فى رواندا أو بنجلادش؟ الناس لاتحتاج إلى مقالات لحرية الرأى ولكنها تحتاج إلى المسكن والغذاء والدواء والوظيفة». بالنسبة للى كوان يو تطبيق القانون هو أهم سبل تطبيق الديمقراطية أما حرية الرأى فذلك شىء آخر وغير مفضل أن يتم إعطاؤه للناس فى الفترة الأولى من النمو قبل أن يكون مع الناس قدر كاف من التعليم وعلى مستوى معيشة مرتفع. هذا فى دولة عدد سكانها 5 ملايين نسمة أى أقل من سكان القليوبية.
نفس الشىء كان بالنسبة لدنج شياو بنج Deng Xiao ping الأب الروحى لنمو الصين فى الفترة الماضية. فكلماته الشهيرة «لاتخدعكم فكرة الديمقراطية. تطبيق القانون هو أهم شىء وذلك ما نسعى لتنفيذه. ولكن لا تخدعكم طلبات الدول الغربية بزيادة حرية الرأى عندنا لأن ذلك قد يؤدى إلى هدم الدولة ككل وأمامكم ما حدث فى بولندا وروسيا ودول أخرى» وكانت رؤيته أن جورباتشوف رئيس روسيا السابق لم يكن ذكيا فقد بدأ بالإصلاح السياسى قبل الاقتصادى فكانت النتيجة تفكك الاتحاد السوفيتى بسرعة جدا وذلك لأن الناس عندما تأخذ حقوق التعبير عن الرأى بدون وجود غذاء أو مسكن أو وظيفة، فإن ذلك يؤدى إلى غضب ينقلب إلى ثورات تطيح بالأنظمة وتؤدى إلى تقلبات واضطرابات وليس إلى ثبات سياسى يتم بناء عليه تقدم اقتصادى.
عندما سأل رئيس وزراء باكستان لى كوان يو عند زيارته لباكستان «كيف يمكن أن أنجح فى تطوير اقتصاد باكستان مثلما نجحتم فى تطوير اقتصاد سنغافورة؟» رد عليه لى «طبق القانون فى كل شىء وبكل حزم أولا وبعد ذلك نتحدث عن الخطوات التالية». ولم تتقدم باكستان حتى الآن بينما استمرت سنغافورة فى تقدمها عبر السنوات.
سنغافورة استلهمت تصميم المدينة من مدينة الاسكندرية. وكانت سنغافورة فقيرة جدا عام 1960 ولكن نجح لى كوان يو فى عمل تقدم قوى جدا هناك فأصبحت صادرات هذه الدولة وفقا لآخر إحصائية لمنظمة التجارة العالمية 351 مليار دولار سنوياً (14 ضعف كل صادرات مصر) وناتجها القومى وصل إلى 300 مليار دولار (تقريبا مثل مصر ولكن بعدد سكان أقل بكثير).
تطبيق القانون أهم من حرية الرأى. فمن أهم: معاقبة سائق المقطورة الذى يسير عكس الاتجاه أم إعطاء حرية الرأى للناس لتكتب ما تراه؟ أن نترك الناس تأخذ تراخيص لبناء أبراج فى كل أنحاء القاهرة مخالفة لحجم الشوارع لا يوجد بها مرافق كافية أو ألا نعمل على تنفيذ الأحكام القضائية هو أسوأ لنا جميعا. وغير ذلك من الأمثلة.
تطبيق القانون يحتاج أنظمة حديثة ويحتاج موظفين بالدولة تأخذ رواتب تغطى احتياجاتهم لكى لاتلجأ للرشوى. ولدفع رواتب عالية تحتاج الدولة إلى تحقيق تقدم اقتصادى.
والتقدم الاقتصادى يحتاج إلى مضاعفة إيرادات الدولة والتى تأتى من استثمارات ناجحة تدفع ضرائب. والاستثمارات الكافية لتنمية الاقتصاد لن تتحقق لتغطية السوق المحلى لأنه صغير ولكن للتصدير. ومعظم الصادرات فى العالم صادرات صناعية. ولذلك فالصناعة أساس التقدم إذا أردنا ولكنه صعب جدا تحقيقها وتحتاج إلى تضافر كل الجهود والعمل الجاد لـ10 سنوات على الأقل. فهل نحن مستعدون؟ وتطبيق القانون ركن رئيسى لتحقيق ذلك.