“ملاك الرحمة الكردي” عاشت سنة ونصف في «الشتات» بدون زوجها: أحن إلى بيت أمي
مع احتدام المعارك في سوريا، لم تجد سناء، ممرضة سورية من الأكراد، مفرا من ويلات الحرب، سوى الخروج من بلادها إلى المجهول، بحثا عن الأمان الذي بات عزيزا في وطنها، ولضيق حال الأسرة، اضطرت لخوض المخاطرة دون زوجها، واستغرقت رحلة وصولها إلى ألمانيا ما يقرب من 8 أشهر، تحملت خلالها مسئولية ابنتها الوحيدة «سارة»، حتى لحقها زوجها في ألمانيا بعد سنة ونصف من الشتات. ورغم شعورها بالأمان والراحة في ألمانيا، إلا أن حلم العودة لايزال يطارد «سناء»، التي عبرت عنه قائلة: «أحن إلى بيت أمي».
«رحلة سناء وسارة» الشاقة، بدأت بقرار مشترك منها هي وزوجها، بضرورة مغادرة سوريا، رغم أن منطقتهم «المالكية» بمحافظة الحسكة، مازالت تحت سيطرة الأكراد القومية العرقية التي تنتمي لها سناء.
تقول «سناء»: «لا يوجد أصعب من الخوف على الأبناء، حتى وإن لم يكن هناك مؤشرات واضحة على وجود خطر، إلا أن مجرد التفكير أن الخطر قريب كفاية، وأن موازين القوى ممكن أن تتغير لغير صالحك كفيل بان تهرب إلى الأمان».
تحكي سناء قصة هروبها، التي لا تختلف كثيرا عن قصص سابقيها ولاحقيها من اللاجئين السوريين، لكن تعبيرات وجهها أثناء الحكي كانت تكشف مشاعر خوفها على ابنتها طوال الرحلة، التى لم يرافقهم خلالها الزوج، فكثيرا ما كانت تتوقف وتنخرط في البكاء، ثم تصمت، قبل أن تتذكر كيف كانت تنظر، طوال رحلة التسلل بين تركيا ودول شرق أوروبا، إلى السماء فلا ترى سوى ظلام الغابات التي قطعتها مشيا على الأقدام لأكثر من 5 ساعات متواصلة بصحبه ابنتها، وغرباء لا تعرف حتى اسمائهم، بعد أن تركهم الدليل في الغابات الواقعة على الحدود بين بلغاريا وتركيا، وقال لهم انطلقوا وابحثوا عن الشرطة البلغارية.
في البداية، كان كل حلم «سناء» هو الوصول لبلغاريا، وبالفعل استقرت عند أخيها 7 أشهر، لكن ظروفه المادية لم تكن جيدة، كما أن وضع اللاجئين هناك كان سيئا، فقررت الذهاب إلى ألمانيا حيث الأمور أكثر تنظيما، تقول الممرضة الكردية: «أصبح هدفي ألمانيا لأن سمعتها كانت أفضل سواء في الاستقبال أو التعامل أو الاهتمام، واللغة كانت عائقاً كبيراً في التواصل مع المجتمع الجديد، وزوجي حضر بعد مكوثي بسنة ونصف وخلال تلك الفترة كنت أتواصل معه كل أسبوعين عبر الانترنت .
رحلة زوج «سناء» كانت الأصعب، كما تقول: «بعد وصولي إلى ألمانيا واستقراري بها أنا وابنتي، بدأ زوجي رحلة أكثر صعوبة، فلم نكن نمتلك أموالاً فهو عامل بناء وكنا نحتاج إلى ألفي دولار للتهريب من تركيا إلى بلغاريا».
https://www.youtube.com/watch?v=t1TNdAbsOW8&feature=youtu.be
فيديو
وضع «سناء» الآن مع الغربة تغير، تقول ابنة منطقة المالكية السورية: الآن تأقلمت أكثر، وتعلمت من اللغة ما يكفيني للتعامل البسيط، والأمور صارت أحسن، رغم أنه عندما حدثت معي مشكله بعملي في دار رعاية كبار السن، لم أستطع الدفاع عن نفسي، لعدم تمكنني من اللغة، ومديرتي ضحكت من طريقة حديثي وحينها شعرت بالقهر»، وتابعت: «والآن زوجي يبحث عن عمل، ويدرس اللغة، كما أن الألمان يقدمون مساعدات بصدر رحب» .
وعلى عكس والديها، يبدو أن الابنة تقبلت الحياة في ألمانيا بصعوبة أكثر، تقول «سناء»: «بنتي كانت مقهورة كتير، وكانت تشتاق لأبيها وألعابها، وحتى الآن تريد العودة لديارها في سوريا لم تكن تخاف شيئاً لكننا هنا نخاف من كل شيء، وابنتي احتاجت وقتا كي تتأقلم، رغم أننا كنا حريصون ألا تعرف ما يحدث في سوريا، وألا تشاهد فظائع الحرب الدائرة هناك، لكنها الآن تعرف كل شيء، والبنت الآن بالروضة، وباتت لا تشتكى من أي شيء، رغم أنها في البداية تعذبت لكنها بالتدريج تعلمت وأصبحت تجيد اللغة الألمانية».
ألمانيا لم تعد تمثل وحش الغربة للأسرة الكردية، تقول «سناء»: «إحنا هنا من أجل مستقبل أولادنا، ولم اعد أشعر بالغربة فهنا يوجد كثير من السوريين، وفي يوم سورى سنوي، واحتفالات ونتجمع كثيرا مع بعضنا، وأنا حابه اشتغل ومش عاوزة أكون عالة علي الدولة الألمانية، وأحلم بفتح مطعم».
وانتقدت «سناء» تقاعس بعض اللاجئين عن العمل: «بعض السوريين ما بيحبوا الشغل وده شيء سيء»، وتتابع متحدثة عن أبناء بلدها: «السوريون هنا باستثناء العلويين اللذين يدافعون عن بشار، أمورهم جيدة، ولم اشعر أننا مختلفون كلنا هنا عرب وسوريون».
الاندماج أمر صعب، تقول سناء قبل أن تضيف: «في بيت اللاجئين الموظفين كانوا جيدين، و لم أجد أحد يسيء الاستقبال، لكن كلاجئين كنا ننزعج من الصوماليين، فهم يصعب التأقلم والتعايش معهم، لأنهم لم يكونوا يقومون بتنظيف أماكنهم، وصوتهم عالي دوما، وإحداهن كانت تريد ضرب ابنتي لسوء تفاهم، وقرصتها قرصة تسببت في زرقان يدها، وكان بمقدوري أن أشتكيها للشرطة لكنى سامحتها وتغاضيت».
وعن احتمالية عودتها لحضن الوطن، تقول: «لو تحسنت الأحوال سأعود، ففي كل الأحوال الحياة أفضل في بلدي، فهناك كنت أحيا وأتنفس حرية، ولم أكن عالة على أحد، كما أنني أحن إلى حوش بيت أمي الذي كان أكبر من الحديقة التي أمامك».
وتطلق المغتربة السورية العنان للذكريات: «الجو كان أكثر من رائع ونقي، وكنا مستمتعين، وأرضنا ومنزلنا بخير حتى الآن، ولو علمت ما حدث معي لم أكن سأترك سوريا، أبدا حتى سارة ابنتي رغم أنها مبسوطة لكنها تشتاق لجدتها».
وعن سبب عدم محاولتها اللجوء لأي دولة عربية قالت: «الدول العربية ترى ما يحدث في سوريا، ولا أحد يساعد، بل طردوا اللاجئين الذين نزحوا إليها».