بعد فتح الحدود.. هل يحسد المهاجرين القدامى اللاجئين الجدد؟
«فادية» مهاجرة فلسطينية تساعد اللاجئين: الأوضاع الآن أفضل ويمكن للقادمين العمل قبل الحصول على اللجوء
«هل حقا يحسد المهاجرون واللاجئون القدامى رفاقهم الوافدين الجدد؟».. سؤال ظل يلح بخاطري طوال بحثي ومتابعتي لأوضاع اللاجئين السوريين والعرب في ألمانيا، خاصة وأن رفيقة البحث هي من الوافدين القدامى ممن عملوا مع اللاجئين، هي لم تدخل ألمانيا كلاجئة، لكنها عايشت الكثير خلال ما يقارب العشرين عاما بألمانيا، وكثيرا ما أخبرتني بأن الوافدين الجدد أكثر حظا ممن سبقوهم، ما أثار شعور لدي بأن هناك حسدا محمودا لهؤلاء اللذين دفعتهم معاناتهم الإنسانية للجوء والغربة .
«فادية فودة»، فلسطينية عاشت بلبنان، وتزوجت معارض من معسكر اليسار وقت الحرب الأهلية، فكانت حياتهما مليئة بالمخاطر، ما دفعها للهجرة إلى ألمانيا، وكانت آخر من حظا بختم تأشيرة الدخول إلى ألمانيا الشرقية، قبل إغلاق سفارتها في قبرص بساعة واحدة حيث حدثت الوحدة بين شقي ألمانيا في تسعينيات القرن الماضي.
كانت «فادية» تعمل في مخيمات اللاجئين وتساعدهم على التكيف والحياة في لبنان، ولم يخطر ببالها أنها ستتعرض لذات الموقف، وتنتظر العون من غيرها بعد أن تحولت إلى نازحة في ألمانيا.
تقول «فادية»: كنا أسرة متوسطة العدد تتكون من 4 أطفال، وأنا وزوجي، الذي سبقنا، ثم تبعناه بالباخرة إلى قبرص ومنها لألمانيا، ثم بدأنا رحلة السعي للحصول على إقامة، وتعلم اللغة الألمانية كان في منتهى الصعوبة، ورغم ذلك حصلنا في السنة الأولى على حق اللجوء السياسي ودراسة اللغة بشكل نظامي، وخضنا تجربة البحث عن عمل وتعليم الأولاد.
وتابعت: في البداية اشتغلت في متحف، انتظر الزوار وأجيب على تساؤلاتهم، كما عملت مع شركات بساعات محدودة، وكان العائد كافياً في البدايات من أجل العيش،
وبعد 10 سنوات من قدومي هنا بدأت وضع قدمي في الطريق الذي أريده، وأجريت دراسة عن النساء الفلسطينيات في ألمانيا، وقدمتها لإحدى الجامعات، وكانت نقلة للعمل فيما أجيده وهو مساعدة اللاجئين والمهاجرين.
وعن حلم الهجرة القديم، قالت: كانت لدينا أوهام عن طبيعة الحياة في أوروبا، وفي البداية صدمتنا الحقائق، لكننا استطعنا الوقوف على قدمنا عبر دعائم أبرزها تخطيط حياتنا، والحقيقة إنها تجربة صعبة هناك من يستطيع النجاح فيها وهناك من يفشل، والجيل الجديد أكثر حظا، فلديه القدرة على محاكاة الزمن، والفهم أسرع، لكن لابد من المثابرة وتخطى حواجز اللغة وفهم المجتمع وكيفيه تفكيره وثقافته.
وعن الظروف التي تغيرت بين وضع المهاجرين قديما والآن، قالت «فادية»: «وقت ما جينا، لم يكن متاحا للمهاجرين الحصول دروس على اللغة قبل الإقامة، والآن الحكومة أقرت حق اللاجئ في تعلم اللغة، فاللغة تدعم كرامة اللاجئ كإنسان وهذا تطور ايجابي».
متغير آخر لفتت إليه، قائلة: «لسنوات طويلة كان العمل ممنوعا لمقدمي اللجوء، والآن بعد 3 شهور من طلب اللجوء يكون من حق اللاجئ العمل إذا لم يكن هناك ألماني متوفر لأداء هذا العمل، وهذا تطور نوعي فهناك لاجئين ظلوا 20 سنة بلا عمل».
الوافدون الجدد محظوظون، تقول «فادية»، قبل أن توضح: بعد 4 سنوات إذا لم يحصلوا على إقامة، وحق اللجوء يمكنهم الحصول على عمل، في حين أن هناك ناس بقالهم 17 سنة معهم سماح بالبقاء حتى البت في طلب اللجوء، وتابعت: الآن الوضع اختلف قياسا بالسابق، فيمكنك أن تحصل على حق اللجوء والإقامة في أربع سنوات، وتستطيع العمل بعد 13 شهرا من قدومك بموافقة مكتب العمل، وهذا انجاز.
وعن مخاوف الأوروبيين من الثقافة الإسلامية «الإسلاموفوبيا»، تقول: «في خوف لدى جزء كبير من الرأي العام والقوى السياسية، وهم لا يخفون ذلك، والصحافة تنشر يوميا أخبارا في هذا الاتجاه، وللأسف نحن نتحمل جزء كبير من المسئوليةلأننا نفشل في تقديم صورة حقيقية عن أنفسنا، وتطوير حالنا، ونعيش في جزر مغلقة»، إلا أنها استدركت قائلة: «رغم ذلك نحن نحيا في مناخ ديمقراطي حقيقي، هنا في حرية تعبير، والقيد يأتي فقط عندما تأخذ خطوات عملية تكون محل شك، ومن خبرتي المجتمع الألماني الفكر لا يخيف، والسلطة لا تتحرك إلا إذا كان في جماعة معينه تتحرك بصورة مشكوك فيها».
وعن فتح ألمانيا أبوابها أمام هذا العدد الهائل من اللاجئين، تقول «فادية»: ألمانيا ليست جمعية خيرية، لكن الحكومة لديها نظرة للمستقبل، فالمجتمع الألماني يشيخ، والمستشارة أنجيلا ميركل عندها ذكاء فطري يدفعها للعمل من أجل العقود المقبلة، واللاجئون أغلبهم شباب ولديهم قدرة على العمل، وسد العجز في بنيه المجتمع، خصوصا وأن البلد تحتاج 300 ألف يد عاملة.
وأكدت أن شكاوى اللاجئين من استغراق تعلم اللغة مدة طويلة، وشعورهم بسوء المعاملة، تعبر عن مشاكل حقيقية، وقالت: يجب مراعاة عامل الوقت أنت في بلد غريب، وأمام لغة وثقافة جديدة، ولك أن تتخيل مشاعرك وأنت غير قادر على التعبير عن نفسك أنا كنت أحكى بالإنجليزية ورغم ذلك كنت اشعر بالغربة، والقادم الجديد لا يعرف شيئا ويأخذ وقتا لفهم الأمور، وهناك مهارات لابد من تعلمها تحتاج لاكتسابها مع الوقت.
«الاندماج ليس سهلا»، تؤكد «فادية»، مضيفة: «لازم تكون لديك روح الصياد، إذا كنت فريسة المجتمع والغربة سيأكلانك، أما إذا كنت صاحب إرادة وفاعل، رغم المشاكل بعقليه المقاتل ستصل إلى هدفك».
وأنهت المهاجرة القديمة حديثها قائلة: «أتمنى أن كل بني آدم يصل ألمانيا من اليوم الأول، لازم يكون معروف مصيره بسرعة، ويأخذ فترة إعادة تأهيل، وتعليم لغة تساعده على العمل والاندماج، حتى يقف على قدمه خلال سنه ونصف، لاختصار سنوات من المعاناة وهدر الأموال باتجاهات خاطئة».
أعد الملف: عماد السيد و هالة بهاء كندلبرجر