أدهم «متطوع لمساعده اللاجئين في بوتسدام»: «نقلات درامية» من الجيش للأسر والهرب للغربة.. والنجاة من الدهس تحت «عنصرية الألمان»
«مارديني» بطل فيديو «القهر السوري»: رحل عن الجزائر لفشله في تجديد الجواز فطارده «التعصب العربي» في الغرب
تفاصيل رحلة عذاب «عبد الحميد» من لبنان لتركيا لألمانيا: لن أعود لبلدي حتى لا أعيش مذلولاً
لاجئون يحددون خارطة العنصرية في أوروبا: معاملة سيئة في فرنسا وأسبانيا.. وجيدة في بلجيكا وهولندا.. والترحيب يتراجع في السويد
أعد الملف: عماد السيد و هاله بهاء
في سكن مشترك بضاحية «بوتسدام»، 35 كيلومترا من برلين، يعيش ثلاثة شبان سوريين، لم يجمعهم وطنهم يوما، لكن جمعهم «اللجوء» ليتقاسموا مرارة الغربة، وحلم النجاح في الاندماج في المجتمع الألماني، خصوصا وأنهم يجيدون حرفا متنوعة.
أدهم الحماده، 24 سنة، هو أول الوافدين السوريين إلى الضاحية،–حسب روايته-، ويعمل حاليا كمتطوع بالعمل الاجتماعي ومساعدة اللاجئين ويدرس ليصبح مساعد اجتماعى، وتعود أصوله لحي الميدان بدمشق والذى كان معروف بمطاعمه وحلوياته على مستوى العالم.
ولأدهم، قصة تراجيدية معقدة بها الكثير من التفاصيل والتحولات الدرامية، فهو كان يعمل جنديا في الجيش العربي السوري التابع لبشار الأسد، الى ان وقع فى اسر القوات المعارضة في إحدى المواجهات بدير الزور قبل أن تطلق سراحه، لتتغير حياته.
«التحولات الدرامية» في حياة «أدهم» بدأت حتى قبل الحرب، فوالده كان عضوا بمجلس الشعب حتى 2008 وعضواً بحزب البعث الحاكم إلا أنه تم التخلي عنه فاضطر الى فتح مكتب للسيارات.
تلك التحولات وضعت «أدهم» في مأزق كبير، يقول الشاب: «من يتم أسره وإعادته من قبل معارضي بشار، لا يظهر مرة أخرى»، ملمحاً إلى خوف النظام السوري من أن يكون هؤلاء قد تم تجنيدهم للتجسس على القوات النظامية، ويتابع: «منذ بداية الأحداث، لم اقبل أن أشهر سلاحي بوجه أهلي السوريين، لذلك قررت الهرب واضطررت لاستخدام جواز السفر الخاص بأخي حتى لا تتم ملاحقتي بعد أن تم التقاط صورا لي مع أحد الأصدقاء، وألقي القبض عليه وبحوزته الهاتف الذي استخدمه لتصويرنا وكان هذا ممنوع منعا باتاً.
«أدهم» حرص بشدة على تجنب التطرق أو توضيح عدة أمور، ربما لأسباب أمنية وخوفا على معارفه وأهله في سوريا، كذلك لم يبح عن سبب تخلى حزب البعث عن والده وإقصائه من عضوية مجلس الشعب، لكن يبدو أن ذلك كان له تأثير سلبى على حياة أسرته التي انفصل فيها الأم عن الأب، والذى اضطر للسفر إلى السويد.
أدهم حمادى
يقول «أدهم»: قبل أن التحق بالجيش السوري، كان عندي بيتا وكنت اعتزم خطبة فتاة وتأسيس مطاعم بعد أن أنهي مدة خدمتي، لكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، وبعد فرارنا إلى ألمانيا، انتقلت أمي لتعيش مع خالي الذي يقيم في ألمانيا منذ سنوات، كما حضر أخي منذ 4 أشهر وأخذ أوراقه، ووالدي في السويد، وعلمت أنه تم رفض لجوءه، ولى 3 سنوات لا أتواصل معه.
مصر كانت أولى محطات رحلة هروب «أدهم» حيث ان جدته لأمه مصرية، يقول: حاولت البقاء هناك، لكن السلطات رفضت دخول والدتي ما اضطرها للتوجه إلى تركيا، وحينها قررت مرافقتها رحلة الهرب إلى أوروبا وبالتحديد ألمانيا حيث يوجد خالي، فسافرت لأنقرة، وبعد 3 أشهر اتفقت مع سمسار من منطقه «اكسراى» باسطنبول المعروفة بأنها مليئة بالتجار وسماسرة التهريب وبعضهم نصابون، لتهريبنا إلى اليونان مقابل 5200 يورو، جمعتها من مدخرات أمي ومساعدات خالتي التي تعيش بكندا.
وعن طريق الرحلة إلى ألمانيا، يقول: «مكثنا في أثينا باليونان في منطقه أخنوم المعروفة بالمهربين، ولم أكن أريد إرهاق أمي، فحاولت 5 مرات أخدها علي المطار للهرب جوا ولم نستطع، فقررت الخروج بطريق الشحن، رغم ارتفاع السعر، وسافرت قبل أمي بـ20 يوما، ووضعوني تحت الأغراض في “كونتينر” سيارة، قبل أن تتحرك السيارة للباخرة، وظللنا 32 ساعة حتى وصلنا إيطاليا، ولم يكن معي أوراقا سورية لأن النظام سحبها، وكان همى الكبير هو أرجاع جواز السفر لأخي حتى لا يتم تعذيبه من قبل النظام لو اكتشف أمرى».
20 يوما، قضاها «أدهم»، مع الجماعات الإسلامية بإيطاليا، حتى أتى خاله من ألمانيا واصطحبه ووالدته إلى برلين: «في ألمانيا كنا نفسياً محطمين، ومكثنا 10 أيام عند خالي، وسلمت نفسي من اجل اللجوء، وطلبت أنهم يجعلوني قريبا منه لكنهم أرسلونى لمركز فرز يبعد 13 ساعة عنه».
في مركز الفرز، كانت هناك معاناة أخرى تنتظر «أدهم»، يقول: «استقبلونا وأجلسونا في غرفة، وللأسف المنطقة معروفة أن العنصرية بها غير طبيعية، لكن الموقف الوحيد الذي تعرضت له حتى الآن، هو محاولة فاشلة لدهسنا بسيارة مسرعة، وهناك لاجئون تعرضوا لمواقف أصعب، فأحدنا تعرض للقتل، كما أن هناك من حاولوا إحراق مركز لجوء، وقبل أيام هاجم أحد الألمان بنت محجبة».
المعاناة لم تهزم «أدهم»، فالرجل اعتبر حياة اللجوء تحديا جديدا وفرصة أفضل من الحرب: «تعلمت اللغة من الرفاق بالمدرسة بعد 4 أشهر، وبالاحتكاك أصبحت متمكنا من الألمانية، والآن أعمل متطوعا واضطررت للعودة للمدرسة من أجل الشهادة، وفي شهر نوفمبر سأبدأ فى التعليم المهنى كممرض بالمستشفى.
لم ينس الشاب السوري، معاناة أهل بلده، ولم يكتف بدوره مع اللاجئين في ألمانيا فقط: «أتواصل مع رفاق سوريين بكل دول العالم، الوجع الموحد وضياع البلد بيوحد واحنا فى الحقيقة مش عارفين نعمل شىء».
وعن أوضاع السوريين في الدول الأخرى يقول: «اللى فى فرنسا يشتكون جدا من العنصرية، وفى بلجيكا بيحكوا ان المعاملة جيدة وكذلك هولندا والسويد، لكن في السويد يحكون عن تراجع في المعاملة، وفي ألمانيا الشكوى تكون من اللغة فالألمان أحيانا لا يردون عليك إذا حدثتهم بالإنجليزية حتى لو كان يتكلمها».
وعن الشباب السوريين في ألمانيا، يقول: «الدولة تقدم المساعدة، لكن شباب سوريا يحب العمل والإنفاق على أنفسهم من عملهم المستقل، ونسبه قليلة مش عاوزة تشتغل، وأقول لأصدقائي بسوريا أن يأتوا إذا استطاعوا لأننا نحتاج للامان الذى كنا نعيشه حتى تتحسن الأوضاع في سوريا».
عبد الله مارديني
«عبد الله مارديني»، سوري يعيش في السكن مع «أدهم» الى ان يوضح موقفه القانونى، وينتمي لأسرة تعمل في مجال الأقمشة، وهو من أشهر اللاجئين السوريين حيث انه بطل لفيديوقد نشر على اليوتيوب بعنوان «القهر السوري»، وقد شاهده الملايين، وتعاطفوا معه بعد تعرضه لهجوم لفظي جارح من احدي سيدات الجزائر أثناء إدارته لتجارة أسرته حيث ذكرته بانه لاجئ وذليل.
«مارديني»، لم يكن في نيته الهرب إلى ألمانيا، وأراد البقاء مع أسرته التي استقرت في الجزائر، لكن انتهاء جواز سفره ومده الإقامة وعدم تأديته الخدمة العسكرية، كلها أحالت دون تجديد الجواز، مما اجبره على مغادرة الجزائر واللجوء إلى ألمانيا .
يحكي «ماردينى» تفاصيل رحلة هجرته لأوروبا: «ذهبت للمغرب، ومنها لأسبانيا لكن المعاملة بأسبانيا كانت سيئة، وبعد ما أخذت ورقة رسمية من أسبانيا ذهبت لـ«ليباخ» في ألمانيا 4 أيام ثم انتقلت لمنطقة بغرب ألمانيا، وهناك نمت يومين على الأرض، و بعدين أخدنا باص لكامب آخر ومنه إلى بوتسدام بعدما شجعنى أدهم وتأكيده على اعجابه بالوضع هنا وبالفعل الشعب هنا راقي».
لدى عبد الله أربعة أخوة إضافة لوالدته، وكلهم مقيمون بالجزائر، ولكنهم لم يحصلوا على إقامات، يقول: «إخواتي خدموا بالجيش وجواز سفرهم ينفع يتجدد، لكن أنا لم أكن قد التحقت بالجيش قبل خروجي من سوريا».
وعن الحياة في ألمانيا، يقول: «أنا هنا ناسي كل مشاكلى، لأنى حاسس نفسي إنسان، لكن في اسبانيا على كل واحد مننا يدبر حاله، وألمانيا كانت اختياري لأنها بلد صناعي، وممكن مع الوقت نعمل شيء فيها، لذلك شجعت أهلي أنهم يجوا ألمانيا وبيجهزوا حالهم».
وعن الفيديو الذى قام بنشره على وسائل التواصل الاجتماعي، قال: «الفيديو كان نتاج ضغط نفسى رهيب وقلة حيلة وضياع، وللأسف كانت المعاملة من بعض العرب غير جيدة، وحتى الآن مازلت أشعر بالقهر على سوريا خاصة إن لنا أصدقاء وأقارب لا يزالون هناك، وكنا قبل الثورة في وضع أفضل وكان يضرب بالشعب السورى المثل في الشغل والصناعة والتجارة، والسياحة كانت قوية».
وعن حكاية الفيديو، قال: «إحدى السيدات اشترت قطعة ملابس من المحل، وبعد 3 أشهر قررت ترجعها، ورفضت، قالت لي أنتوا السوريين ارجعوا بلادكم، وعند الحلاق بعض رفاقه عملوا على إذلالى والضحك على بطريق المزح، فنشرت الفيديو على الفيس بوك وبعض القنوات نقلته، و جاب 12 مليون مشاهدة، وبعد الفيديو تغيرت المعاملة شوية والجيران عانقوني والحلاق اعتذر منى».
وفي نفس شقة أدهم و«مارديني»، يسكن عبدالحميد زمزوم، وهو شاب يتميز بطيبة القلب، وكان يعمل ميكانيكى سيارات ببلده، قبل أن يتركها في نهاية 2013، ليسافر إلى لبنان ويعمل في مطعم سنة و6 شهور، ومنها انتقل إلى تركيا حيث مكث 3 أشهر ثم هاجر لأوروبا، واختار ألمانيا لأنها «البلد الوحيد التي لا تستغلنا وتستقبلنا جيدا، ففي لبنان وتركيا طريقة المعيشة كانت سيئة، خاصة في لبنان الشغل مشكلة والشعب يستفزنا ويحقر منا».
عبد الحميد زمزوم
«عبد الحميد» خرج من تركيا لليونان، وهناك احتجزتهم الشرطة اليونانيه 21 يوماً في جزيرة، وبعدها منحته أوراق طرد خلال 6 أشهر، يقول: «خرجنا بالباص إلى مقدونيا، ومن محطة القطار مشينا 3 ساعات ووصلنا لحدود صربيا، ومشينا بالغابات حتى وصلنا لمحطة باص، ومنها لبلجراد في حديقة للناس تتجمع فيها وتروح للمجر ومشينا بالغابات على حدود المجر والبوليس مسكنا بعد مشى 15 ساعة».
وعن طريقة تحديد وجهتهم، يقول عبدالحميد: «طول الطرق كان معانا جي بي اس، وفي بودابست أخذونا مهربين للنمسا مقابل 500 يورو، ومن النمسا ركبنا القطار لميونخ، ووقفتنا الشرطة، وأخذونا للكامب في باساو وهناك حجزنا القطار لميونخ، وكنا لابسين ثياب صيفية، والجو كان شتاء قارساً، وفى اليوم التالي ذهبت لميونخ، وهناك افترقت عن رفاقى اللذين كانوا معي طوال الرحلة، لأننا ضعنا بين القطارات، وأمسكت بي الشرطة».
ويتابع: «لم أكن أعرف القواعد، وحاولوا يكلمونى، وكنت في حالة تشويش، ولم استطع التواصل حتى باللغة العربية، وسلموني لكامب ليلتين لم أنم فيهما، وقدمت طلب اللجوء وأعطونى أوراق وسلمت جواز سفري، ثم قرروا نقلي لكامب ثاني، معرفش اسمه، وظللت 5 أيام ما معي أى فلوس، وقعدت 15 يوما بالكامب، وجالى قرار نقل “لايزين هوتينشتادت” و ذهبت لهناك و قدمت طلب ووضعونى بخيمة كبيرة، وقالولى بالإنجليزية، إما تجلس في الخيمة وإما تمشي، وبعد يوم جاء شباب سوريين وقدمنا الطلب وقالولنا لازم نيجي المحكمة بعد 3 أشهر وأرسلونا لكامب تبع الصليب الأحمر، وبعدها إلى بوتسدام».
عبد الحميد، ترك في سوريا، والده الذي يعمل بالتدريس وأمه ربة المنزل وخمسة إخوان، وأربع أخوات، في مدينتهم التي ترعرعوا بها «حماه»، ومعهم زوجته التي تحاول اللحاق به، حيث تركها محاولا الهرب واللجوء بعد عام على زواجهما، ويقول عن حياته الجديدة: «سأعمل على ترتيب حياتي هنا ولن أعود لسوريا، ورغم أنى لا استطيع نسيان بلدي، ولكن لن أعيش مذلولا مره أخرى».
فيديو .. لاجئو ألمانيا: حكايات الشتات والحلم.. أدهم من الخدمة في الجيش السوري للهرب
فيديو .. لاجئو ألمانيا: حكايات الشتات والحلم.. عبد الله مارديني