أيها الفاسدون القابعون خلف الستار، لقد جاء دوركم فى المحاسبة بعد إزاحة الستار عن مسلسل فسادكم الذى مارستموه خلال سنوات طوال. لن تخدعونا مرة أخرى بأقنعة زائفة تحت ستار المنصب الرفيع أو مظهر التقوى والورع أو غيرها من الأقنعة التى برعتم فى ارتدائها وأخفيتم خلفها دناءة أنفسكم بعد أن استحللتم نهب الأموال ومص دماء الشعب الذى أنهكته الظروف الاقتصادية الصعبة التى خلفتها الحروب ومراحل إعادة البناء وثورتان مازلنا نختلف بشأنهما.
بعيداً عن تفاصيل قضايا الفساد الحالية التى هى محل حديث الساعة، أردت أن أبحث فى موضوع الفساد وأنواعه وأسبابه فى مجتمع تتضاءل فيه القيم وتتبدل فيه المعايير الأخلاقية تحت ضغط الظروف المعيشية الصعبة. ويزيد الطين بلة الاختفاء التدريجى لتأثير الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية عبر العقود الأربعة الماضيةن حيث طغت المادة فوق كل شىء. هكذا أصبح تحقيق الطموحات المادية والثروة بأى وسيلة، حتى وإن كانت غير مشروعة أمراً مباحاً لدى ذوى التطلعات الشيطانية. بل والأكثر مدعاةً للدهشة أن الفاسدين ليسوا بالضرورة فقراء أو فى دائرة العوز. فمنهم الأثرياء وذوو المناصب الرفيعة.
حرمت الأديان السماوية الموبقات والظلم والفساد. قال الله عز وجل فى كتابه الكريم: (ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون) – الآية رقم 41 من سورة الروم.
وفقاً لتعريف منظمة الشفافية الدولية، الفساد هو «السلوك الذى يمارسه المسئولون فى القطاع العام أو القطاع الحكومي، سواء كانوا سياسيين أو موظفين مدنيين بهدف إثراء أنفسهم أو أقربائهم بصورة غير قانونية ومن خلال إساءة استخدام السلطة الممنوحة لهم».
أما قانون العقوبات المصرى فهو لم يُعرف جريمة الفساد، وإنما اقتصر على مفهوم جريمة الرشوة (مادة 103 مكرر) حيث عرفت المرتشى بأنه «كل موظف عمومى يطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه». وأعتقد أن نطاق الفساد أكبر من أن يقتصر على جريمة واحدة مثل الرشوة.
بصفة عامة، ينقسم الفساد إلى نوعين. فساد الكبار وفساد الصغار والفقراء.
فساد الكبار يرتبط بالمسئولين على قمة الهرم الاجتماعى والوظيفي. أما الفساد الصغير، وهو ما يُعرف بفساد الموظفين، يأخذ أشكالا أشهرها الإكراميات والمدفوعات غير الرسمية، وهو مستشرى لعدة أسباب منها اتساع الفجوة فى الدخول، وارتفاع الأسعار المستمر مع ضعف دور الحكومات المتعاقبة فى كبح غول الغلاء وجشع التجار.
وفِى الختام، أوجه خطابى مرة أخرى للفاسدين. احذروا عقاب الله وغضبة الشعب الذى لن يطبق سرقة قوته بعد الْيَوْمَ. لقد فاحت رائحة فسادكم العفن ولن تفلتوا من العقاب الذى ينتظركم مهما طال الزمن. ردوا ما حصلتم عليه بدون وجه حق، وما كسبتم من حرام قبل أن تطالكم يد العدالة كى لا تصبحوا على ما فعلتم نادمين.