الإصلاح الشامل يتطلب دعم مشاركتهم التنموية
70 % من السكان العرب شباب
يواجه العالم العربى تحديات الصراعات فى المنطقة وفى القلب منها الشباب الذين هم الكتلة الأكبر من سكانه وفى أجزاء أخرى من المنطقة يواجهون أيضا تحديات الركود الاقتصادى أو الاضطرابات الداخلية.
ويقول تقرير للمنتدى الاقتصادى العالمى إنه فى حين تتأثر جميع قطاعات المجتمع من التطورات فى العالم العربى، فالأكثر تأثرا من بينها الشباب ـ ثلثا سكان المنطقة.
ويؤثر فى تحديد مستقبلهم الحروب الدائرة، وكذلك الركود الاقتصادى والتشريد، مما يجعل من الصعب بالنسبة للكثيرين أن يكون متفائلا بشأن مستقبلهم.
وقال تقرير صدر شهر نوفمبر الماضى عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى إنه من الضرورى العمل على تمكين هؤلاء الناس لإيجاد مكان لهم فى مجتمع اليوم والسيطرة على مستقبلهم. وجاء التقرير تحت عنوان «الشباب وآفاق التنمية البشرية فى واقع متغير». ويحث التقرير العالم فى 274 صفحة على تمكين الشباب من منظور التنمية البشرية.
ويعرف التقرير هدف التنمية بأنه توسيع الخيارات والحريات المتاحة للناس للعيش بالطريقة التى يريدون وزياة القيمة. وهذه الحريات لا تقتصر على حرية التعبير أو التجمع، بل ترتبط بتعزيز آفاق للأطفال والشباب من خلال منحهم الفرص والخدمات الأساسية، فكيف يمكن للشاب أو الفتاة المساهمة بإيجابية فى المجتمع دون التعليم الأساسى والخدمات الصحية والأمنية؟ وهذه الأهداف الأساسية مهددة الآن وتضاعف من فشل الحكم فى الكثير من الحالات.
لا يقدم تقرير التنمية البشرية العربية السادس الذى سيصدر لهذا العام أية مفاجآت، إلا أنه يقدم تحذيرات يجب أن تلقى آذانا صاغية. فقدرة الشباب للتواصل عبر الانترنت والتقدم التكنولوجى وزيادة وعى الشباب بقدراتهم وحقوقهم يصطدم مع واقع تهميشهم وإغلاق مسارات التعبير عن آرائهم للمشاركة بنشاط فى الحياة العامة أو كسب لقمة العيش. ونتيجة لذلك، بدلا من أن يوفر الشباب إمكانات هائلة للبناء فى المستقبل يتحولون إلى قوة ساحقة تدميرية. ومع حرمانهم من نصيبهم فى حاضرهم أو مستقبلهم فإن الشباب يمكن جذبه لمجالات تدمر الهياكل القائمة بحثا عن واقع بديل.
ويمكن استعراض عناوين تقارير التنمية البشرية فى العالم العربى السابقة مثل «خلق الفرص» (2002)، «مجتمع المعرفة» (2003)، «نحو الحرية» (2004)، «نهوض المرأة» (2005)، «أمن الإنسان» (2009)، و«الشباب» (2016)، وهذه مؤشرات العناوين الرئيسية للقضايا التى أثيرت ونوقشت منذ ما يقرب من عقدين من الزمن عندما يتعلق الأمر بالمنطقة. وسلطت التقارير الضوء على المشكلات، التى تواجه العالم العربى وهذه خطوة أولى حاسمة لكن التحدى الحقيقى هو التوصل إلى حلول والإرادة السياسية لتنفيذها.
ويتصدر هذه المشكلات التحدى الأمنى فى منطقة يقطنها 5% من سكان العالم، فقد عانت الدول العربية 45% من جميع الهجمات المسلحة التى وقعت فى عام 2014، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى. وعلاوة على ذلك، فإن 47% من النازحين داخليا فى العالم يقعون فى البلاد العربية ويمثل العرب 57.5% من مجموع اللاجئين. ومع ذلك يعتبر هذا القلق الأمنى سببا لضرورة التعجيل بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وليس عذرا لتأجيلها.
ويقول تقرير التنمية البشرية العربية 2016 إن هناك ثلاثة أنواع من الإصلاحات المهمة لخدمة الشباب وجعلهم قوة تنموية حقيقية، وهى: السياسات الكلية الشاملة التى تمثل العقد الاجتماعى بين الدولة والمواطنين. والتحسينات فى توفير الخدمات فى قطاعات محددة، مثل الصحة والتعليم وبجودة عالية. والسياسات الوطنية للشباب التى تتجاوز النهج الجزئى وقصير الأجل التى غالبا ما كانت سطحية جدا وغير فعالة. وتوفر هذه الإصلاحات المقترحة وسيلة واعدة لتمكين الشباب فى جميع أنحاء المنطقة. ويمكن أن تشمل مسارات الإصلاح بعض الاعتبارات المحددة، كما يلى:
إطار الاقتصاد الكلى الشامل
ويوصى التقرير بتأسيس هيكل اقتصاد كلى شامل يضمن تكافؤ الفرص للجميع للمشاركة والاستفادة من الاقتصاد خصوصا أن معظم دول منطقة الشرق الأوسط هى بلدان متوسطة الدخل. لذلك عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات الاقتصادية فإن التحدى ليس فى ملء خزائن الدولة، ولكن فى كيفية دمج تلك الموارد المتاحة فى الميزانية الوطنية التى تمثل أولويات وبرامج وطنية للحفاظ على المواطنين ومصالحهم فى المقدمة. وتنفيذ الإصلاح فى هذا المجال يعنى أيضا جعل مؤسسات الدولة شفافة وخاضعة للمساءلة أمام المواطنين. ويمكن القيام بذلك على سبيل المثال من خلال إصلاحات الإدارة المالية العامة ودورات تدريبية فى قطاع الخدمة المدنية؛ وخلق القاعدة التنظيمية الصحيحة، التى تؤدى إلى نمو القطاع الخاص لضمان الفرص الاقتصادية للجميع.
دور الدولة فى توصيل الخدمات
لقد قيل وكتب الكثير عن العلل المتوقعة لتقديم الدولة فرص العمل ومؤازرة الشباب فى العالم العربى وفى الواقع ينبغى التفكير فى دور الدولة على نطاق أوسع من أن تكون مجرد مصدر للخدمات وفرص العمل للمواطنين. ويمكن تطيور دورها فى تجهيز الدولة لتقديم الخدمات فى قطاعات معينة، وتهيئة الظروف لنشاط القطاع الخاص. ويعتبر القطاع الخاص هو صاحب الدور المهم والجزء الأكبر الذى يحتاج أن تقدم الدولة اللوائح اللازمة لتعزيز دوره.
كما يجب على الدول تعديل العقد الاجتماعى الذى يجسد العلاقة بين الحكومة والمواطنين لتدعيم مشاركة الشعب خصوصا الشباب فى مجالات الحياة المختلفة. ولن يتحقق كل ذلك بدون تحديث ضوابط سيادة القانون والإدارة المالية العامة المحسنة.
ومع ذلك، لا ينتهى دور الدولة هنا، فهى عامل رئيسى فى تطوير هوية وطنية، وإعطاء مساحة للهويات متعددة، بما فى ذلك الدين والعرق.
الهوية والصوت
يناضل الشباب خاصة فى سن المراهقة من أجل هويته عند نقطة معينة وتكون الأسئلة أكثر صعوبة إذا وضعت الهوية الوطنية أو الدينية لشخص ما تحت المجهر أو تحت ضغط كما يحدث فى كثير من أنحاء العالم العربى اليوم. إضافة إلى ذلك، ما يقرب من 30% من الشباب عاطلون عن العمل ولم يحصلوا على مراحل التعليم كاملة مما يعنى تفاقم القيود المالية والاستبعاد الاجتماعى. وترتبط الهوية بالعمل والتعليم وبناء المهارات لكى يجد الشاب مكانا له فى المجتمع. وبطبيعة الحال، لا تتعلق الهوية فقط بالعمل أو الأصول الاقتصادية، ولكن هذه هى اثنين من عدة جوانب رئيسية تسمح للشباب أن يشعر بالانتماء، وأنهم مشتركون فى صنع حاضرهم ومستقبلهم. ويعتبر السماح للشباب بممارسة الحرية وتطوير مكانتهم فى المجتمع المفتاح لتحقيق الاستقرار والازدهار للبلاد العربية.