عضو المجلس المصرى للسيارات والرئيس السابق للشركة الهندسية:
مبدأ التحفيز داخل «الاستراتيجية» لا يصب فى صالح المستهلك
تكلفة تأهيل القوة البشرية والبحوث والتطوير أفضل من دعم المصانع
تسيطر حالة من الترقب، على الشركات العاملة فى قطاع السيارات، انتظارا لإقرار «استراتيجية صناعة السيارات»، التى يناقشها مجلس النواب حاليًا.
قال رأفت مسروجة الرئيس الشرفى لمجلس معلومات السيارات «أميك»، إن زيادة المكون المحلى فى صناعة السيارات تتطلب دراسة أكثر عمقا، تراعى تأثير قرار تحديد نسبة المكون المحلى على اقتصاديات إنتاج وتسويق المكونات، وعلى حجم إنتاج وتسويق السيارات فى مصر، والتزام الدولة بتقديم دعم نقدى وأثره على الموازنة العامة للدولة.
وأضاف مسروجة فى حوار لـ«البورصة»، أن تحديد نسبة المكون المحلى فى صناعة السيارات، يجب أن يراعى الأبعاد السياسية التأهيلية والتعليمية فى قطاع صناعة السيارات، وتأثير القرار على العلاقات التعاقدية مع المصانع الأم، وارتباط ذلك بتوفير استثمار أجنبى مباشر من المصانع العالمية فى مجال الصناعات المغذية.
وأوضح أن القرار سيؤثر أيضًا على تطبيق المواصفات القياسية للسيارة المصنعة محليًا، وعلى العلاقة بين صانع السيارة المحلى والمصنع الأم، ودراسة تكلفة الفرصة البديلة وتأثيرها على دراسة الجدوى.
أوضح مسروجة، أن زيادة نسبة المكون المحلى فى صناعة السيارات، قد تكون له آثاره الإيجابية، إذ إن زيادة نسبة المكون المحلى تتيح الأفضلية على تقديم دعم حكومى من حماية جمركية أو ضريبية مباشرة لصناعة السيارات.
أيضًا تحفيز الشركات الأم فى صناعة السيارات، على تشجيع مورديها للمكونات، إلى التعاقد مع النظراء المحليين لتصنيع المكونات الأكثر تعقيدا وتقدمًا.
بالإضافة إلى استقدام شركات عالمية للمكونات تعمل على رفع كفاءة ومهارة الفنيين العاملين فى هذا المجال وتعميق المعرفية التقنية.
كما أن زيادة نسبة المكون المحلى تساعد على طمأنة مصانع السيارات المحلية لاتخاذ قرارات تكنولوجية وتسويقية متقدمة.
ولم يخف مسروجة، قلقه من الآثار السلبية لقرار زيادة نسبة المكون المحلي، إذ يخشى أن تخلق فجوة بين المكونات المراد زيادتها والمعرفة التكنولوجية السائدة، فى المجتمعات الصناعية الأكثر تطورًا.
وأوضح مسروجة، أن النتائج العملية لدراسات النسبة المثالية للمكون المحلي، تميل إلى التأكيد على أن نسبة الـ 45%هى النسبة الرشيدة فى صناعة السيارات للمجتمعات الأقل تطورًا فى المجال الصناعي. كما تعتمد على الفرق بين تكلفة الفرصة البديلة المستهدفة لصالح المجتمع وتلك المستهدفة لصالح الصناعة.
وأكد أن عدم وضوح الرؤية فى مدى تأثير زيادة نسبة المكون المحلى على التكاليف الإضافية للمكونات، وكذلك للسيارة المصنعة محليا، يقلل من قدرة الحكومة على تقدير مستوى الدعم المطلوب.
ويرى الرئيس الشرفى لمجلس معلومات السيارات، أن تكلفة الفرصة البديلة المستغلة فى تأهيل القوة البشرية أو البحوث والتطوير، قد تكون أفضل من دعم المصانع لاستخدام نسب مكون محلى أعلى من 45%.
وأضاف أن نسبة المكون المحلي، يجب أن تعتمد فى المقام الأول على نوعية السيارة وحجم الإنتاج، موضحا أن أفضل طريقة لتحديد نسبة المكون المحلى تتطلب دراسة لكل مصنع على حدة بحسب طاقته الإنتاجية وجودة المنتج.
وأوضح أن زيادة نسبة المكون المحلي، لها سقف لا يمكن تخطيه.. لذلك فإن التمادى فى فرض نسب مكون محلى كبيرة تضر كثيرا باقتصاديات إنتاج وتسويق السيارات. وهذه بالتحديد هى حالة المجتمعات التى تعانى من سوق سيارات ضعيف، إذ تكون غير قادرة على الوصول بالإنتاج إلى الإنتاج الاقتصادي.
وطالب مسروجة، النواب، باستطلاع آراء ورغبة الشركات الأم فى الاستثمار والتى سيكون لها عامل جوهرى فى إصدار قرارات زيادة نسبة المكون المحلى فى صناعة السيارات.
وأكد أهمية دراسة نوعية المكونات المطلوب تصنيعها محليا، وتقرير نقطة التوازن لحجم الإنتاج المستهدف، مع توفر القيمة المضافة المحلية لهذا المكون.
ويناقش مجلس النواب حاليًا مشروع قانون إقرار استراتيجية صناعة السيارات الذى تقدمت به الحكومة، ويعتمد على توحيد القيمة الجمركية على جميع السيارات الكاملة المستوردة لتصبح 10% من قيمة السيارة، والالتزام بتحقيق نسبة مكون محلى 45% لسيارات الركوب و60% لسيارات النقل الخفيف والمتوسط للتمتع بالمزايا المقررة للمنتج المحلى.
كما يعتمد مشروع قانون الاستراتيجية، على فرض رسوم تنمية «ضريبة تنمية الصناعة» على السيارات بنحو 30% على السيارات حتى 1600cc، و100% على السيارات من 1600cc حتى 2000cc، و135%على السيارات أكبر من 2000cc.
وتحفز الاستراتيجية المقترحة صناعة السيارات ومكوناتها وتصديرها من خلال إعفاء المنتج المحلى أو المستورد بما لا يزيد قيمته على الرسوم المقررة لتنمية الصناعة.
وتشترط الاستراتيجية تحقيق واحد على الأقل من 3 محاور.
الأول هو «استراتيجية تعميق التصنيع المحلى» والتى تعتمد على زيادة نسبة المكون المحلى فى تصنيع سيارات الركوب والنقل الجماعى للأفراد حتى 16 راكبا، خلال 8 سنوات، من 45% إلى 60% حسب خطة معتمدة، وزيادة نسبة المكون المحلى فى سيارات النقل الخفيف خلال 8 سنوات من 45% إلى 70%.
كما يتم اعفاء المنتج من ضريبة التنمية الصناعية إذا تحققت «استراتيجية زيادة الإنتاج»، إذ إن إنتاج سيارات الركوب أقل من 1600cc يجب أن يحقق إنتاج 60 ألف سيارة سنويًا كالتزام استراتيجى حسب خطة معتمدة. وإنتاج سيارات الركوب أكبر من 1600cc يجب أن يحقق 8 آلاف سيارة سنويًا كالتزام استراتيجي. وسيارات نصف النقل عند 50 ألف سيارة سنويًا.
والمحور الثالث، أينص على اعفاء المنتج من ضريبة التنمية الصناعية إذا تحققت «استراتيجية تحفيز التصدير». وحال تمكن مصنع السيارات من تصدير مكونات بقيمة تبدأ من 25% لتصل إلى 40% من قيمة الإنتاج للمنتج المحلى أو من قيمة الاستيراد للشركات التى ليس لها مصانع محلية، أو تصدير سيارات كاملة بقيمة تبدأ من 75% لتصل إلى 125% من قيمة الإنتاج للمنتج المحلى أو قيمة المستورد من السيارات.
وعن تحفيز مصانع السيارات المحلية لزيادة حجم الإنتاج، أشار مسروجة إلى أن الإنتاج المطلوب تحقيقه لا يستند إلى دراسات تسويقية رشيدة. ويمكن القول إن الاستراتيجية لم تأخذ فى اعتبارها سوى المصانع القائمة فعلا وليس من طموحاتها استقدام مصانع جديدة.
وأرجع ذلك، إلى أن سوق السيارات فى مصر لن يستوعب أكثر من 200 ألف سيارة خلال العام الحالي، مع افتراض أن نصيب سيارات الإنتاج المحلى منها هو 100 الف سيارة فى أحسن الأحوال.
وبحسب مسروجة، وفقًا لمعدل النمو المتوقع حتى 2024 من الممكن أن يستوعب سوق السيارات حوالى 340 الف سيارة منها 170 ألف منتج محلي، و115 ألف سيارة ركوب ونقل جماعى و55 ألف سيارة «بيك اب».
وأوضح أن عدد المصانع المتوفرة حاليا لإنتاج سيارات الركوب تبلغ 6 مصانع، وسيارات الـ«بيك أب» 4 مصانع فقط، ومتوسط نصيب إنتاج مصنع سيارات الركوب يصل إلى 19170 سيارة، فى حين أن متوسط نصيب إنتاج مصنع سيارات الـ«بيك أب» يبلغ 13750 سيارة.
قال مسروجة، إن مصنع سيارات الركوب الأكثر قدرة تسويقية لن يتعدى نصيبه فى المبيعات 40 ألف سيارةعام 2024. وبذلك فإن تحقيق إنتاج 60 ألف سيارة سنويًا غير عملي.
كما أن مصنع سيارات النقل الخفيف الأكثر حظًا لن يتعدى نصيبه فى المبيعات 35 ألف سيارة عام 2024.. لذلك فإن إنتاج 50 سيارة سنويًا أيضًا غير عملي.
وأشار إلى أن ذلك يبين عدم قدرة أى مصنع على تحقيق الإنتاج المستهدف فى الاستراتيجية. كما أنه لم يشمل دخول أى مصانع جديدة إلا إذا كانت مخصصة للتصدير فقط.
وقال إن مبدأ التحفيز الذى تتبناه الاستراتيجية لا يصب فى صالح المستهلك، ويتم توجيهه إلى مصانع السيارات بعد تحقيق المستهدف. وعليه فإن فرضية استفادة المستهلك وهو الطرف الأصيل فى معادلة الطلب، ضرب من المستحيل، بحسب وصفه.
قال مسروجة إن التصدير من المصانع المحلية القائمة أو توكيلات السيارات ليس منتظرا، لأن الشركات الأم باستثناء علامة تجارية واحدة فقط، لم تمنح موافقات بهذا الخصوص.
كما أن مصانع السيارات أو المصانع المغذية، لن تكون لها اى إمكانية للمنافسة السعرية أو تكنولوجية إذا استمرت السياسة الحالية لتصنيع السيارات بوكالة من المصنع الأم، وليس بشراكة فعلية يكون للشركة الأم فيها الأغلبية.
وشدد مسروجة على أن زيادة نسبة المكون المحلى عن 45% يزيد من تكلفة الإنتاج وبالتالى ارتفاع الأسعار، كما سيكون له تأثيره السلبى على القدرة التصديرية للأسواق الخارجية، لأن زيادة المكون المحلى تتطلب أفضلية سعرية متميزة للمنافسة الجادة.
واستنكر مسروجة الوصول بأسعار السيارات المنتجة محليًا إلى سعر تصديرها من الشركات الأم حتى حال استخدام نسبة مكون محلى 45%.
وقال إن الحل الأمثل للتصدير أن تقوم الشركات الأم بالتصنيع بنفسها فى مصانع داخل مناطق تجارة حرة على الأرض المصرية.
وعن جدوى آلية التحفيز وإنشاء صندوق دعم الصناعة، قال مسروجة: «لن يتم تحميل هذه الضرائب الخاصة بتنمية وتطوير صناعة السيارات على التكلفة ولن يتحملها المستهلك».
وأضاف: «يفترض أن تقوم المصانع أو المنشآت المشتركة فى البرنامج بدفع ضريبة تنمية الصناعة مقدما بالقيم المحددة بالقانون، وهى أعلى مما ستقوم باسترداده بتمام استيفائها متطلبات الخطة.. ويؤول الباقى إلى خزينة الدولة، وأن تقوم المصانع والمنشآت المشتركة فى البرنامج بدفع ما قيمته 05،% من قيمة المبيعات الإجمالية لصالح صندوق تنمية وتطوير صناعة المركبات والصناعات المغذية لها».
قال مسروجة إن عملية التحفيز هى ضرب من الأعباء التى يتحملها رجال صناعة المركبات ومستوردوها وتم تفريغها من محتواها، وإن إنشاء صندوق تنمية وتطوير صناعة السيارات والصناعات المغذية هو إضافة سلبية لعملية محاولة التطوير كونها عبئا بيروقراطيا وماليا معوقا. وتكليف المصانع المحلية أو المستوردين بدفع ما قيمته نصف فى المائة من قيمة المبيعات إلى صندوق تنمية الصناعة لن يكون مقبولا، حيث إن العائد على الصناعة لن يوفر إمكانية التطوير السريع المطلوب.
وطالب مسروجة، بإلغاء القواعد الخاصة بحماية المنتج المحلى كخطوة متقدمة فى الفكر الاستراتيجى للدولة، بما سيكون له تداعيات إيجابية فى المستقبل القريب، مع تخفيض الرسوم الجمركية لتصبح 10%، وهى خطوة إيجابية فى صالح الدولة وفى الوقت نفسه فى صالح المستهلك. أما تفريغها من محتواها بفرض ضريبة تنمية الصناعة بنفس القيم الجمركية السائدة، فيعد تلاعبا ويفقد الدولة مصداقيتها خصوصا أمام اتحاد الأوروبى ودول اتفاقية «أغادير».
وتمنى أن تبدأ الاستراتيجية بتحديد حجم سوق السيارات المستهدف اعتبارا من العام الحالى وانتهاءً بعام 2024.
كما طالب بأن تتطرق الاستراتيجية إلى الخطوات المطلوب اتخاذها لتمكين سوق السيارات من استيعاب حجم السيارات المراد تسويقه، وتوجيه التحفيز للمستهلك النهائى عند نقطة الشراء حتى يتأكد المستهلك والرأى العام من انتفاء شبهة التربح عن شركات بعينها.
ويرى مسروجة، أنه يتعين أن تعلن هيئة التنمية الصناعية بكل الوضوح والشفافية طريقة احتساب نسبة المكون المحلى، وإلا قد تكون هذه الجزئية مدخلا لفساد يؤثر على أى استراتيجية حالية أو مستقبلية. وأن يرفق بالاستراتيجية دراسة جدوى مقارنة عن نتائج تطبيق التحفيز المقرر عند تحقيق نسب المكون المحلى المقررة ومقارنته بتكلفة الفرص البديلة المتاحة.
كما يرى أنه من الضرورى أن تبين الاستراتيجية بوضوح القيمة المضافة المحلية الحقيقية فى المكونات التى يتم الاتفاق على تصنيعها. وكلما زادت نسبة المكون المحلى يتوجب تخفيض السعر سواء للسوق المحلى أو للتصدير وإلا فقد الفرص الحقيقية للمنافسة.