مصر هى بلد العجائب التى حيرت العالم عبر جميع العصور. تجتمع فيها الأضداد؛ الفقر والغنى، الضحك والدموع، عراقة الحضارة وأَرْذَال العشوائيات. وها نحن نحتفل بافتتاح «سكى مصر»، فليكن شعارنا فى هذه الأيام العصيبة «زحلقنى شكراً»!
لست وحدى الذى يتعجب من افتتاح مول مصر بمدينة السادس من أكتوبر، والإقبال الكبير من المواطنين، ليس فقط على المواد الغذائية والسلع المنزلية ومحال الطعام والمشروبات، بل على أول مدينة للثلوج فى مصر «سكى مصر».
وبحسب بيان شركة ماجد الفطيم المالكة للمول، بلغت التكاليف نحو 722 مليون دولار أمريكى، أو ما يعادل 12 مليار جنيه. لا أنكر أن هذا الاستثمار هو إضافة جيدة إلى الاقتصاد، ودعم للاستثمار الأجنبى فى مصر، إلا أنى أنظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة. هل وفرت الدولة فرصاً جاذبة على خريطة الاستثمار الأجنبى تكون متسقة مع استراتيجية الدولة لتحقيق النمو وخفض مستوى البطالة؟
هل تروج الجهات المسئولة عن الاستثمار للمشاريع التى تجذب المستثمر الأجنبى لتحقيق عائد جيد على الاستثمار، وفى الوقت ذاته تنسجم مع تطلعات الدولة فى بناء نهضة مصر الحديثة؟
إن جذب الاستثمار الأجنبى يجب أن يكون موجهاً بقدر الإمكان نحو القطاعات الأكثر تشغيلاً، ومن ثم يسهم فى زيادة فرص العمل المتاحة. فالاستثمار الأجنبى لن يسهم بشكل جاد فى القضاء على البطالة إلا إذا تم توجيه هذا الاستثمار إلى قطاعات كثيفة العمالة، مثل قطاع الصناعة والتعدين. وعلى النقيض، تشجيع الاستثمار فى القطاعات الاستهلاكية الأقل تشغيلاً مثل المجمعات التجارية الكبرى ومطاعم المأكولات والمشروبات، لن يسهم فى خلق فرص عمل وخفض معدل البطالة.
والسبب الآخر الذى أثار تعجبى هو الهوس الذى صاحب افتتاح مدينة الثلوج «سكى مصر». وكأننى أتحدث عن شعب آخر لم ينهكه توابع زلزال تعويم سعر الصرف والارتفاع الشديد فى الأسعار، حيث لامس معدل التضخم سقف 30% للمرة الأولى وهو أعلى معدل ارتفاع فى الرقم العام للأسعار منذ 1986، أى منذ أكثر من 30 عاماً وفقاً للتاريخ الإحصائى للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وكأننى أشاهد حلقة من مسلسل مكسيكى يصور حياة مجتمع راق وبيوت تحيط بها حدائق غناء يسكنها عائلات تلهو فى جو يملؤه البهجة. ثم أستيقظ فجأة من حلم اليقظة الجميل فإذا بى أكتشف أنى مازلت فى مصر التى يبلغ تعداد السكان بها نحو 92 مليون نسمة ومعدل البطالة 12.4%.
بلغ عدد زوار «سكى مصر» قرابة 3000 زائر فى اليوم الأول للافتتاح.
وتحتوى المدينة على عديد من الأنشطة، مثل تعليم التزلج وركوب التلفريك، بالإضافة إلى طائر البطريق! ويتراوح سعر تذاكر الدخول للكبار والأطفال بين 300 و480 جنيهاً. وبحسبة بسيطة، عائلة تتكون من أربعة أفراد سوف تدفع 1600 جنيه فقط مقابل تذاكر الدخول بخلاف المصاريف الأخرى التى تستلزمها النزهات العائلية. لا يعنينى كثيراً أن أقارن بين أسعار التذاكر فى مصر بمثيلتها فى السعودية أو دبى؛ لأن مستوى الدخل فى مصر يقل كثيراً عن تلك الدول.
ما يثير دهشتى هو النمط الاستهلاكى والترف الذى يحرص الكثيرون على التمتع به فى ضوء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى نعيشها. ناهيك عن استفزاز مشاعر المطحونين.
الاستثمار الأجنبى المباشر ليس غاية فى حد ذاته. لذلك يجب العمل على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر وتوجيهه إلى قطاعات اقتصادية تسهم فى أن تكون قيمة مضافة للاقتصاد المصري. كما يجب على الجهات المسئولة عن الاستثمار توجيه الاستثمار الأجنبى المباشر إلى قطاعات مرتفعة التشغيل خصوصاً فى المحافظات التى تعانى ارتفاع نسب البطالة مع توفير حوافز مناسبة للمستثمر.
كلمة أخيرة أسوقها برفق إلى متزحلقى «سكى مصر»؛ اخشوشنوا فان ترف العيش لا يدوم.
هاني أبوالفتوح خبير مصرفي