يمثل الدين العام وعجز الموازنة أكبر مخاطر المناخ الاقتصادى المصري. حيث يضغط الدين الحكومى الذى يتعدى الـ4 تريليونات جنيه على الإنفاق العام مؤدياً بشكل مباشر إلى انخفاض الإنفاق على النواحى الاجتماعية والبنية التحتية، ما يشعر المواطن بتدنى مستوى المعيشة.
وإلى جانب الأثر المباشر للدين على عجز الموازنة والإنفاق العام، يعد الدين أحد الأسباب المؤدية للتضخم والذى يعمق بدوره من الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على المستهلك.
ويبقى السؤال، كيف لمصر أن تروض هذا الدين العام المتعاظم إلى حدود آمنة وتسيطر على عجز الموازنة؟
أولاً: زيادة الدخل
تمثل المتحصلات الضريبية حوالى 70% من الدخل القومى، ولذلك يتعلق أى نجاح فى زيادة الدخل بمدى نجاح منظومة الإصلاح الضريبي.
وللأسف تفتقد منظومة الضرائب المصرية الكفاءة بشكل واضح حيث تبلغ المتحصلات الضريبية 15% من الناتج المحلى على أحسن تقدير (قرابة 450 ملياراً)، ويتضاءل هذا الرقم أمام النسب العالمية التى تبلغ 25- 30% من الناتج القومي. أى أن المستهدف من المتحصلات الضريبية يجب أن يتراوح بين 750 و900 مليار جنيه سنوياً.
لكن الوصول إلى مثل هذه الكفاءة يتطلب استراتيجيات واضحة تتمثل فى توسيع القاعدة الضريبية، ثم التنوع فى أنواع الضرائب، وأخيراً رفع النسبة المحصلة.
وبينما نجحت الحكومة المصرية بعض الشيء فى التنوع الضريبى بإضافة ضريبة القيمة المضافة على سبيل المثال، لم تبد أى خطوات ملموسة نحو توسيع القاعدة الضريبية عن طريق دمج الاقتصاد غير الرسمى داخل الاقتصاد الرسمي.
وبينما يقدر البعض هذا الاقتصاد غير الرسمى بأنه يتعدى 50% من الاقتصاد الرسمي، يحتاج دمجه إلى الكثير من التشريعات المتزنة خلال خطة زمنية متوسطة الأمد.
ثانياً: ترشيد الإنفاق
كثيراً ما تتحدث الحكومات عن ضغط الإنفاق الحكومى، لكن لا تركن إلى مستهدفات واضحة ونسب واضحة من تقليص الإنفاق.
وبينما يبرز استخدام المشاريع العملاقة كمحفز للاقتصاد، لا يجب أن تنجرف الحكومة فى تمويل مثل هذه المشاريع من الخزانة العامة، بل عليها أن توجد اهتماماً استثمارياً واضحاً فى هذه المشاريع، وإلا عليها أن تنسحب منها فوراً.
ويأتى الإنفاق الاجتماعى على نواحى دعم الطاقة ودعم الغذاء كأحد أهم المعطيات التى يجب أن تتناولها الحكومة بحرص شديد، مستهدفة ترشيدها عن طريق تحويل الجزء الأكبر من الإنفاق الاجتماعى إلى دعم مادى مشروط بالنواحى التعليمية والصحية.
ثالثاً: الانضباط المالى والنقدى
نجد أن الحكومة المصرية فى الكثير من الأحيان تعانى سوء الانضباط المالى والنقدي. فعلى الجانب المالي، يجب وضع معايير واضحة لأسقف الدين والعمل على تقدير الاستدامة المالية بشكل دورى فى ضوء المتغيرات المهمة مثل تغير سعر الصرف وسعر الفائدة.
أما عن الانضباط النقدي، فعلى البنك المركزى المصرى الالتزام بالمادة 27 من قانون البنك المركزى والتى تنص على ألا تتعدى السيولة التى يوفرها «المركزي» للحكومة 10% من متوسط دخل 3 سنوات، وهو ما لم تنجح الحكومات المتعاقبة فى السيطرة عليه.
علينا أن نتأكد أن العمل على خفض الدين يجب أن يكون المستهدف الأول لجميع الدوائر السياسية. فإنه لا أمل فى إحداث طفرة اقتصادية دون السيطرة التامة على الدين العام من خلال خطة تلتزم ببنود واضحة للتفعيل.