بقلم/ كريستوفر بالدينج
أكثر ما تبرع فيه الصين، هو إبداعها فى حماية صناعاتها المحلية، ورغم أنها حررت اقتصادها فى السنوات الماضية، فإنها أيضا نصبت مجموعة معقدة من الحواجز لحماية الشركات التى تعتبرها أبطالا قومية، لكن هذا النهج يأتى بنتائج مغايرة بشكل متزايد.
وتتمثل الطريقة المعتادة لتقييم الحمائية، فى النظر إلى مقاييس منها التعريفات الجمركية. ووفقا لهذا المقياس، تظل الصين أحد أقل الاقتصادات انفتاحا، وتظهر بيانات منظمة التجارة العالمية أن الصين تفرض أكثر التعريفات محاباة لدولتها عند 9.6% على الواردات، مقارنة بـ5.3% فى الاتحاد الأوروبى و3.5% فى الولايات المتحدة.
ومع ذلك، تخبر التعاريف الجمركية جانبا واحدا من القصة.
فقد أصبحت الصين ماهرة فى استخدام الحواجز غير الجمركية فى دعم الشركات المحببة. وحددت غرفة تجارة الاتحاد الأوروبى فى بكين مؤخرا عددا من تلك التدابير التى تستخدمها الصين لحماية المصنعين المحليين بما فى ذلك تقديم الدعم الحكومى، وإجبار الشركات الأجنبية على نقل تكنولوجياتهم لنظرائهم الصينيين.
وعندما أعلنت الصين مؤخرا، إنها تعطى شركة تابعة لصندوق إدارة الأصول الأمريكى «بلاك روك» حصة استثمار إضافية، وصفت الصفقة بأنها خطوة رئيسية تجاه تحرير قطاع مغلق تقريبا فى وجه الشركات الأجنبية. وفى الواقع، قامت الصين بتشديد الحدود التى لا تزال قائمة، حتى فى الوقت الراهن، إذ تضع الصين سقفا لعدد فروع الشركات المالية التى يمكن فتحها، كما تفرض قيودا على الملكية لحماية بنوكها الحكومية.
وأصدرت الصين قرارا مؤخرا تمنع فيه كتب الأطفال الأجنبية وهو ما يعد حاجزا غير جمركى للتجارة فى الملكية الفكرية، كما أجبرت الشركات الأجنبية على عدم بيع منتجات صنعت فى الصين للمستهلكين الصينيين، خشية أن يأخذوا حصة سوقية من المنافسين المحليين.
واظهر تقرير حديث من مكتب التمثيل التجارى الأمريكي، أن حمل الصين على معالجة هذه الحواجز يشكل تحديا، وتطالب قواعد منظمة التجارة العالمية، الدول برفع تقارير بالدعم الحكومى المقدم للقطاع الصناعي، ولكن التقرير أشار إلى أن الولايات المتحدة عليها مواجهة أكثر من 400 تدبير دعم صينى مثبتين، فى حين أن الصين رفعت تقارير دعم تتضمن عددا قليلا من برامج الدعم مما يزيد الأمور سوءا، ورفضت الصين المشاركة فى نقاشات تقنية ثنائية الجانب لمعالجة هذه المشكلة.
بمعنى آخر، لا تفشل الصين فقط فى الإفصاح عن التدابير التى تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية، وإنما أيضا ترفض حتى مناقشتها.
وأسوأ ما فى الأمر، أن هذه الحواجز لا تعمل فى الواقع، لأن الحمائية تضر بالمستهلكين الصينيين، وتؤخر ريادة الأعمال التى تريد الصين تشجيعها، ويقوم الصينيون بتكديس المراحيض اليابانية والبضائع الفاخرة الأوروبية، لأنهم أرخص من تلك التى يشترونها من السوق المحمى من المنافسة الأجنبية.
ويبلغ سعر لبن البودرة فى هونج كونج، نصف سعره فى الأسواق التجارية الكبيرة فى مدينة شينزن، إذ تقوم المحال التجارية الصغيرة بأعمال تجارية كبيرة فى السوق السوداء لشراء البضائع عبر الحدود، وهذا الفرق فى السعر يعود بشكل أساسى إلى القيود التجارية التى ترفع تكلفة البضائع المستوردة، وتسمح للشركات المحلية بتسعير منتجاتها بأسعار عالية لعدم وجود منافسين لها فى السوق.
ويعد تفكيك هذا النظام المعقد متعدد الطبقات من الحواجز الحمائية عملية ضخمة، ورغم أن تخفيض التعاريف الجمركية سيشكل بداية جيدة، إلا أن ما تحتاجه الحكومة بشكل أساسى هو التوقف عن استخدام الوسائل الإدارية لحماية الشركات المحلية، وتقلل دعمها الكبير لهم، وتسمح للشركات الأجنبية لتعمل فى بيئة عمل بها فرصا متكافئة.
وقد يبدو ذلك غير واقعي.. ولكن فعله سيحفز المنافسة والابتكار ونشاط ريادة الأعمال، ويعطى المستهلكين مزيدا من الخيارات، ويوفر لهم منتجات أرخص، كما سيساعد الشركات الصينية على الاستفادة من أحدث التكنولوجيات والاستثمارات الجديدة من الخارج.
وتأخير هذه الإصلاحات لن يضر بالمستهلكين الصينيين فحسب، وإنما سيغضب الشركاء التجاريين، ويبقى على الوضع غير التنافسى للشركات.
وباختصار، يتعين على الصين أن تسأل نفسها سؤالا بسيطا ألا وهو: «من يستفيد حقا من كل هذه الحواجز؟».
إعداد/ رحمة عبدالعزيز
المصدر/ وكالة أنباء «بلومبرج»