صراع وجودى بين السيادة الوطنية ونفوذ المفوضية الأوروبية
تحميل السياسيين الوحدة أسباب فشلهم وراء سخط الشعوب
أسست معاهدة روما الاتحاد الأوروبى قبل 60 عاماً، وبعد مرور هذه السنوات يعيش الاتحاد حالة من الأزمات الشديدة التى تضعه على شفيرر الانهيار.
ولا يمكن اعتبار تصويت الإنجليز لصالح خروج بريطانيا من السوق الموحدة المشكلة الأكبر، بل الأسباب التى وقفت خلفه هى الأساس، والتى تتعلق بالشرعية الدولية لكيانات المؤسسات الإقليمية الوحدوية، فوفقاً لاستطلاع مؤسسة لورد أشكروفت، لم تكن الهجرة هى الدافع الأساسى لأولئك الذين صوتوا لمغادرة الاتحاد الأوروبى، بل رغبتهم فى نبوع القرارات الخاصة ببلادهم من داخل المملكة المتحدة.
ويحذر تقرير صحيفة واشنطن بوست الأمريكية من أن هذه الآراء الشعبوية انتشرت فى بلدان أخرى أيضاً، ونقلت عن استطلاع لمركز أبحاث بيو، أن الناس فى فرنسا وألمانيا واليونان والمجر وإيطاليا وهولندا وبولندا وإسبانيا والسويد يفضلون استعادة حكوماتهم للسلطة بدلاً من تسليم المزيد من السلطة إلى الاتحاد الأوروبي.
ويعارض الأوروبيون أعطاء الكثير من السلطة للمؤسسات فوق الوطنية والهيئات الدولية التى تعمل بشكل مستقل، وأدت أزمة منطقة العملة الموحدة اليورو إلى تدعيم أصحاب وجهة النظر هذه.
ويرى جياندومينيكو ماجون، الباحث البارز أن الكتلة الأوروبية تعانى «العجز الديمقراطى أو عدم المساءلة الديمقراطية، وتواجه حالياً تخلفاً ديمقراطياً».
لكن من المضلل اعتبار الاتحاد الأوروبى ذا سلطة فوقية أو أنه لا يعمل للمصالح الوطنية لأعضائه، فالنفوذ القوى للمفوضية الأوروبية يجعلها مستقلة عن الأمانة العامة للأمم المتحدة أو منظمة حلف شمال الأطلنطى، وفى الأشهر الـ12 الماضية وقعت المفوضية على صفقة تجارية مع كندا، كما فرضت غرامة مكافحة احتكار بقيمة 3.4 مليار دولار على عملاق الإنترنت (جوجل)، وطرحت مقترحات لمواءمة ضريبة الشركات فى السوق الموحدة.
ويدير البنك المركزى الأوروبى اليورو وهى العملة العالمية المستخدمة من قبل ما يقرب من 400 مليون نسمة فى 19 بلداً، وقد اشترى البنك حتى الآن 1.8 تريليون دولار (1.7 تريليون يورو) من السندات كجزء من التحفيز النقدى للدول المتعثرة اقتصادياً.
وتعرض المجلس الأوروبى لانتقادات، لتدخله فى الديمقراطية اليونانية، وعدم التوصل إلى حل جماعى لأزمة الهجرة، وعدم إقناع المملكة المتحدة بعرض أفضل للبقاء فى الاتحاد الأوروبى، بيد أنه فى الحقيقة ليس هذا دوره، بل المهمة الأساسية له قيادة التعاون الحكومى الدولى لصالح الدول الأعضاء.
ويجتمع المجلس الأوروبى بما يصل إلى 11 مرة فى السنة لاتخاذ قرارات موضوعية فى مجال السياسات عبر مجموعة من مجالات السياسة العامة.
ويعتبر الاتحاد الأوروبى هو أكثر المحاولات طموحاً لإنشاء مؤسسات دولية تستمد السلطة من مصادر أخرى غير الحكومات.
ورغم ذلك ما زالت مشكلة الشرعية بعد 60 عاماً تؤرق التكتل الأوروبي، فمع الدلائل التى تشير إلى أن التكامل الأوروبى حقق فوائد اقتصادية، فإنَّ سلسلة من الأزمات السياسية على اليورو والهجرة وخروج بريطانيا وأزمة أوكرانيا والتدخل الروسى وسيادة القانون فى المجر وبولندا هزت الصورة الجميلة، فمنذ عام 2007 هبطت نسبة المواطنين الذين يحملون صورة إيجابية للاتحاد الأوروبى من 53% إلى 35%.
ولفتت الصحيفة إلى أن فشل الساسة ووصم الكيان الأوروبى بكل نقيصة مع كل أزمة؛ سعياً للهروب للخارج أضعف من شرعية المؤسسات الوحدوية لدى المواطنين، فانتقل عدم رضاهم عن حالة الديمقراطية فى بلدانهم إلى سخط على الاتحاد الأوروبى على مدى العقدين الماضيين.
وكما قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر: «عندما ينجح شيء ما، يقول الجميع إنه بفضل الحكومة الوطنية لكن عند الفشل يذكر الجميع المفوضية الأوروبية».