العودة إلى أساس معاهدة «روما» بالتركيز على التعاون الاقتصادى
السوق المشتركة تهدف إلى إيجاد حلول لتضارب المصالح التجارية
لم تصمم السوق الأوروبية المشتركة لكى تتخطى سيادة الدول، وقد كانت بروكسل مكاناً لتنازل مؤسسات الجماعة الأوروبية عن الحد الأدنى من القوة للتنسيق، ولم يكن من المفترض أبداً أن تصبح العاصمة الدائمة للاتحاد الأوروبى الجديد، ناهيك عن توسيعه.
وبينما يحتفل الأوروبيون بالذكرى السنوية الـ60 لتأسيس اتحادهم، ينبغى النظر إلى هذه الوثيقة التأسيسية كما كانت عليه، حيث قامت الفكرة على تصميم كونفيدرالى لتشجيع الحلول القائمة لمشكلات السوق اليومية، ولا سيما فى مجال التجارة. وكان موضوع عنصر السيادة فى اتخاذ القرارات ضئيلاً، وكان له عوائد كبيرة. واستندت المعاهدة إلى ركيزتين أساسيتين هما السلام والازدهار، وهى حالة تفترض التعامل بحسن النية الضرورية بعد عقود من الحرب مزقت القارة، وليس حالة نخبوية تقوم على توجيه الأوامر من أعلى مستوى إلى أسفل، حتى لو كانت أوامر صادرة عن كيان موحد يجمع الدول الأعضاء، فلا يمكن قبول أن يكون كياناً فوق وطنى.
وتعيش أوروبا حالة من المركزية فى القرارات تسربت رويداً رويداً بداية من الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، بما يتناقض مع الهيكل الأساسى والسليم لمعاهدة روما.
ومع ممارسة بروكسل لدورها المركزى تفاقم الوضع بطريقة مناهضة لإرادة الشعوب الأوروبية، وفجأة تم تأسيس عملة واحدة، وفجأة ضاعف الاتحاد الأوروبى عضويته، وفجأة، ظهرت إدارة ذات نمط اشتراكى إلى حد كبير.
فى عام 2016، بلغت اللائحة الأوروبية أكثر من 30 ألف صفحة بما يكفى لتغطية مسافة 151 كيلومتراً بالورق وبقى هناك القليل الذى تبقى دون المساس به من قبل بروكسل حالياً.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، فشل الاتحاد الأوروبى فى فهم وإدارة الظواهر السياسية والاقتصادية الكبرى وسار قدماً فى اتجاه التحول من هيئة للشراكة الاقتصادية إلى هيئة سياسية خالصة.
وأول ما فشل فيه الاتحاد الأوروبى هو فرصة إدارة العولمة، حيث انشغل بمشكلاته الداخلية مع تنافس داخلى بين أنواع مختلفة من الاقتصادات، فبدأ الأمر بأزمة مالية، ثم أزمة اقتصادية، وأخيراً، أزمة سياسية. وقد أثبت أن كل دولة لها إيمان متناقص بالمشروع الوحدوى، ما ترك الشعوب الأوروبية قلقة بشكل متزايد، وظهر ذلك فى نتائج الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ثانياً، فشل المشروع الأوروبى فى استعادة قيمة رمزية مفقودة فلم يعالج تفكك المجتمعات، وضعف الروابط المدنية والدينية والأسرية بين الأوروبيين مختلفى الأجناس أصلاً والخصال فهذه شخصية فردية فى كل بلد من المفترض أن تخضع لقيادة مركزية فى بروكسل.
ثالثاً، وضعت الهجرة بين الدول الوحدة الأوروبية فى اختبار حيث تجرى عملية التعايش من خلال المؤسسات الوسيطة، حيث يعيش الناس بالفعل حياتهم، ما يحتاج إلى تعريف محدد للهوية الأوروبية يجمع شعوب الدول الأعضاء.
وتجد أوروبا نفسها فى مفترق طرق، إما السماح للمشروع بالتآكل وإما القبول بمركزية أكثر، وبطبيعة الحال، فإن فرضية العودة إلى دول فردية هى نفسها تعد طرحاً قديماً وخطيراً، فلم يعد يمكن عزل البلدان وهى عرضة للتأثر بالسلطات المالية العالمية.
لكن الحل يكمن فى أن تعود أوروبا إلى معاهدة روما الأصلية، إلى نموذج الاتحاد الذى كان جديراً بالثناء قبل 60 عاماً بالاتفاق على المسائل الأساسية فقط، مثل الدفاع والأمن والتعاون فى منطقة جمركية وفقط.