اقتصادنا يا تعبنا… الحلقة 34.. دمج الاستثمار والتعاون الدولى.. أداة لتخليق الفرص.. (3)
لا شك أن خلق بيئة اقتصادية واستثمارية تنافسية ومستدامة لم يعد رفاهية، بل هو محور رئيسى من محاور التنمية… ولعل دمج الاستثمار والتعاون الدولى من الفرص التى يمكن أن تخلق سيناريوهات جيدة لخلق بيئة استثمارية مشجعة، وكذلك زيادة حجم الفرص الاستثمارية الجادة والمدروسة… فكيف يمكن أن يتحقق ذلك؟
من يقود من؟؟ بهذا الدمج ينبغى أن يقود محور الاستثمار قرينه محور التعاون الدولى لما يوفره الأخير من قنوات للموارد المالية خارج نطاق الموازنة للنهوض ببيئة الاستثمار وتشجيع الوزارات المعنية الخدمية والقطاعية على تحسين أدائها وطرح الفرص الاستثمارية القطاعية الجادة والجاهزة للطرح بناءً على معايير يحددها محور الاستثمار الذى يمتلك مقود القيادة فى ضوء معرفته برغبات واحتياجات المستثمر محلياً أو أجنبياً..
فمحور التعاون الدولى يستطيع أن يوفر المنح والقروض الميسرة من مختلف المؤسسات الدولية والإقليمية المانحة.. فبدلاً من استخدام هذه الموارد الدولارية فى تمويل عجز الموازنة.. وضياعها فى مجالات لا تحقق عائداً تنموياً.. فإنه يمكن توجيهها لتحسين مناخ الاستثمار ودراسة وتنقيح الفرص الاستثمارية والاستثمار فيها.. وبذلك يقل العبء على الموازنة العامة للدولة.. فعلى سبيل مشروعات البنية والأساسية والمرافق والخدمات ذات البعد الاجتماعى والاقتصادى.. كإنشاء محطات الكهرباء والمطارات والطرق إذا ما وضعت الدراسات الجيدة لهذه المشروعات فإنه من عوائدها يمكن سداد مبالغ القروض الموجهة إليها.. بل وعلى العكس ستجد المؤسسات الدولية التى لديها أذرع استثمارية جاذبية للاستثمار فى هذه المشروعات فتوجه أموالها لتمويل هذه المشروعات أو الدخول كشريك فيها.. طالما كان نموذج الشراكة والإطار القانونى وجميع العقود والضمانات واضحة.. فمؤسسة التمويل الدولية مثلاً لديها ذراع استثمارية تدخل فى شراكات استثمارية مع كل من الحكومة والقطاع الخاص.. بنك الاستثمار الأوروبى كذلك.. بنك التنمية الفريقى.. وغيرها من المؤسسات الدولية.. والبنك الدولى مثلاً يمول المشروعات التنموية مثل مشروعات البنية الأساسية كالمطارات والمرافق والطرق.. كذلك الحكومات لديها برامج تمويل من خلال هيئات المعونة التابعة لها تمول مشروعات تنموية…
كما يمكن توجيه جزء من هذه القنوات التمويلية فى دراسات المشروعات القطاعية للوزارات وتجهيزها للطرح على المستثمرين والمؤسسات الدولية.. وهو ما سيشجع البنوك والمستثمرين على وضعها تحت الأولويات الاستثمارية فى خططها الاستثمارية.. ماذا لو تم توجيه مثل هذه المنح لإنشاء، بالمشاركة مع القطاع الخاص، مدراس ومستشفيات ذات جودة عالية لخدمة الطبقة المتوسطة والعليا بأسعار معقولة يمكن من خلال استعادة ما تم ضخه وتدبير موارد منها للإنفاق على الطبقات الفقيرة وتقديم دعم نقدى لها.. ومنحها علاجات بالمجان فى أقسام تنشأ خصيصاً فى هذه المستشفيات.. وتطوير المدارس الحكومية…
أما على صعيد مناخ الاستثمار وتحسين البيئة الإجرائية والقانونية والحد من البيروقراطية والفساد ورفع كفاءة المؤسسات الحكومية وإصلاح نظمها وإعادة تأهيل موظفيها.. فعناك العديد من مؤسسات التمويلية والجهات الحكومية الدولية المانحة تخصص مصادر تمويلية عديدة بل وتساعد فى جلب الخبرات الدولية لتساعد فى هذا الشأن.. دون أن تحمل الجهات الحكومية أو موازنة الدولة أعباء إضافية..
فمشروعات تبسيط الإجراءات procedures streamlining and simplification والميكنة automation وإعادة تأهيل الكوادر التى ستعمل عليها من خلال برامج رفع القدرات capacity building تجد لها صدى كبيراً لدى المؤسسات الدولية المانحة.. وكثيراً ما تم اللجوء لذلك فى برامج تمويل الإصلاح التى تتبناها الدول، ولاسيما أن مثل هذه البرامج تكون فى شكل منح ومعونات لا تتطلب سدادها..
فإذا كانت الدول التى تتبنى برامج إصلاحية ترصد ميزانيات محدودة للإصلاح، فإن برامج المنح والمعونات يمكن أن تشكل باباً جيداً لتسريع وتيرة الإصلاح المدروس.. ولكن على الدول الطالبة لمثل هذه المعونات أن تكون قد اجتهدت واعدت خطة تنفيذية للإصلاح عامة تنطلق منها خطط فرعية للإصلاح على مستوى الوزارات الخدمية، وأن تخصص فريقاً داخل كل منها مهمته الرئيسية الإعداد والإشراف والتنسيق داخلياً على إتمام مثل هذه البرامج الإصلاحية..
فإذا كنا نسعى إلى تحقيق نافذة استثمارية أو ما يطلق عليه نظام الشباك الموحد.. فإنه يمكن تكليف كل وزارة خدمية بتبسيط إجراءاتها عدد المستندات- الوقت اللازم- المكينة المطلوبة – التكلفة الاستثمارية المتوقعة، وهنا نسبة ما يمكن أن توفره من تمويل من ميزانيتها الخاصة وما تحتاجه، ثم يأتى دور المؤسسات المانحة لتساعد فى النواحى الفنية والمالية فى توجيه وتيرة الإصلاح للكفاءة الملطوبة فى ضوء التجارب الدولية لدول متقدمة.. وكل وزارة تعمل بالتوازى خلال مدة 6 أشهر مثلاً.. بحيث ينتهى الجميع من ذلك. وتخضع للتشغيل التجريبى لشهر مثلاً للتقييم والإصلاح.. ثم المرحلة الأخيرة ربط جميع هذه الجهات ببعضها بشكل مميكن بما يتيح فى النهاية وجود نافذة استثمارية فى كل جهة خدمية معنية ومميكنة ومرتبط بمنفذ بنكى لتحصيل الرسوم إلكترونياً أو مباشرة من خلال هذا المنفذ.. مرتبطة بالنافذة الاستثمارية لدى هيئة الاستثمار بحيث يستطيع المستثمر أو وكيله اللجوء إلى هيئة الاستثمار مباشرة لتتولى نيابة عن المستثمر إنهاء إجراءاته مع الجهات المرتبطة بها إلكترونياً من خلال مندوبيها الممثلين لديها أو لجوئه مباشرة للتعامل مع النافذة الاستثمارية المميكنة لدى الجهة صاحبة الولاية… على أن تتم مراجعة هذه النافذة وإجراءاتها سنوياً من باب الإصلاح المستمر…
إذن يجب على الوزيرة وأعضاء الحكومة أن يستغلوا هذه الفرصة من هذا الدمج المهم والمرحلى فى مثل هذه المشروعات الإصلاحية أو خلق فرص جاهزة للاستثمار أو خريطة استثمارية.. وتحسين بيئة الاستثمار.. وإعادة صياغة وتوجيه خريطة المنح والقروض والمعونات بهذا الشكل وببرنامج زمنى مرحلى واضح ومحدد فى ظل الدعم السياسى الموجود مع متابعة ورقابة سياسية على أعلى مستوى..
هذا الدمج فرصة لن تتكرر فى إعادة صياغة الخريطة الإصلاحية وخلق بيئة استثمارية تنافسية وخريطة استثمارية حالية ومستقبلية… فرص النجاح لخلق synergies أكيد هتكون مرتفعة..
وما نبغى الا إصلاحاً