يعد مجال حقوق المستهلك من الأمور التى شغلت حيزاً كبيراً فى دول العالم المتقدمة، ولكنه لا يلقى ذات القدر من الاهتمام فى الدول النامية، حيث يغلب تجاهل حقوق المستهلك. تلك الحقوق هى فى الأصل منصوص عليها فى الدساتير، ويجب أن تتم مراعاتها من جميع الأطراف بمن فيهم المنتجون والتجار والموزعون والمعلنون. كما يتحمل المسئولية، أيضاً، الأجهزة المعنية بحماية حقوق المستهلك ومنظمات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام من أجل ضمان أن المستهلك يحصل على سلع وخدمات بالمواصفات المطلوبة، وألا يتعرض إلى خداع أو تضليل، خصوصاً أن المستهلك قد لا يكون لديه المعرفة الملائمة لحقوقه التى يكفلها له القانون.
سوف أتناول بالعرض عبر مقالات متسلسلة أهم جوانب حقوق المستهلك، وسيشمل العرض تسليط الضوء على الممارسات الرائدة عالمياً وإقليمياً مع تحليل الوضع الراهن فى مصر والجهود المبذولة لتوفير أفضل سبل لحماية حقوق المستهلك. كما سأعرض مشروع قانون حماية المستهلك الذى وافق عليه مجلس الوزراء، وأحاله إلى مجلس الدولة، موضحاً الجوانب الإيجابية والانتقادات الموجه لمشروع القانون.
عرف الفكر الإسلامى العديد من الأحكام العامة والخاصة المستمدة من القرآن الكريم والسُنة حول حماية المستهلك من الغش والتلاعب. كما ورد فى السُنة بعض المبادئ المرتبطة برفع الضرر عن المستهلك مثل قول الرسول، عليه الصلاة والسلام، «لا ضرر ولا ضرار». ويستنتج من ذلك أن المسئولية تقع على كل من البائع والمنتج الذى يتعامل أو يصنع منتجات فيها عيوب، ويجب عليهم إزالة الضرر الواقع على مشترى السلعة. كما حرَّم الإسلام الغش بجميع أشكاله، حيث ورد فى الحديث عن الرسول، عليه الصلاة والسلام، «من غشنا فليس منا». ليس هذا فحسب، فقد حرَّم الإسلام على التجار الغش والتلاعب فى المكاييل. يقول الله تعالى فى كتابه الكريم (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).. الآية 1-3 سورة المطففين.
ترتكز حماية المستهلك على ضرورة وجود تشريع متكامل لحماية المستهلك يضمن حماية فعالة لحقوقه وإجرءات مبسطة للحصول عليها، مع منح الصلاحية المناسبة لمنظمات حماية المستهلك، ووضع عقوبات رادعة.
كما ينبغى توفر منظومة من الأجهزة الرقابية تضمن سلامة المعروض من السلع والخدمات ومطابقتها للمواصفات القياسية.
ولن تؤتى جهود حماية المستهلك ثمارها دون نشر ثقافة حقوق المستهلك وتوعيته بحقوقه من خلال منظمات المجتمع المدني.
تأسست المنظمة الدولية للمستهلك «Consumer International Organization» فى عام 1960 كنمظمة دولية تضم جميع الجمعيات والمنظمات العاملة فى مجال حماية المستهلك فى العالم، وتضم فى عضويتها حوالى 260 منظمة واتحاداً وجمعية فى أكثر من 120 دولة بالعالم.
فى 15 مارس 1962، ألقى الرئيس الأمريكى جون كينيدى خطاباً تاريخياً أمام الكونجرس الأمريكي، حدد فيه رؤيته لحقوق المستهلك.
وقال «كينيدى» فى خطابه أمام الكونجرس، إن المستهلكين يشكلون أكبر مجموعة اقتصادية تؤثر على كل القرارات الاقتصادية العامة والخاصة وتتأثر بها.
وأشار «كينيدى» إلى أربعة حقوق رئيسية للمستهلك وهى حق الأمان، حق الحصول على المعلومات، حق الاختيار، حق سماع الرأي.
ويعتبر تصريح الرئيس الأمريكى فى هذا التاريخ هو اليوم العالمى للمستهلك، حيث تحتفل دول العالم المهتمة بحقوق المستهلك به كل عام.
وفى أبريل 1985 تبنت الأمم المتحدة الحقوق الأربعة التى وردت فى خطاب الرئيس كينيدي، وأضافت إليها أربعة حقوق أخرى لتصبح «حقوق المستهلك الثمانية» وهي:
حق السلامة والأمان: حماية المستهلك من المنتجات والخدمات التى قد تعرض صحته وحياته لأى مخاطر عند وبعد استخدامها أو استهلاكها واستدعاء السلع التى تهدد سلامته. وقد تقوم الدولة بتحقيق هذا الأمان كما هو حاصل فى امتناع العديد من محطات التليفزيون عن تقديم الإعلانات الخاصة بالسجائر لما تمثله من خطورة على صحة الإنسان.
الحق فى المعرفة: الوصول لمعلومات عن السلعة والخدمة ومن ينتجها وطبيعة مكوناتها والآثار المترتبة عليها.
حق الاستماع إلى آرائه: أن تمثل مصالح المستهلك فى إعداد سياسات الحكومة وتنفيذها، وفى تطوير المنتجات والخدمات.
حق إشباع حاجاته الأساسية: توفير الاحتياجات الأساسية من السلع والخدمات بسهولة ويسر دون شروط أو تقييد.
حق التثقيف: الحق فى اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة لممارسة الاختيارات الواعية بين السلع والخدمات، وأن يكون مدركاً لحقوق المستهلك الأساسية ومسئولية وكيفية استخدامها.
حق الاختيار: حصول المستهلك على خيارات وبدائل متعددة للسلع والخدمات وأن يكون قادراً على الاختيار من بين مجموعة من المنتجات والخدمات المقدمة بأسعار تنافسية مع ضمان الجودة المرضية.
حق التعويض: التعويض العادل فى حال تعرض المستهلك لأى ضرر ناتج عن استهلاكه لسلعة أو خدمة واستبدال السلع المعيبة والحصول على تسوية عادلة بالقيمة العادلة، بما فى ذلك التعويض عن التضليل أو السلع الرديئة أو الخدمات غير المرضية.
الحق فى بيئة صحية: العيش والعمل فى بيئة خالية من المنتجات الضارة والمخاطر الصحية للأجيال الحالية والمستقبلية.
يُتبع فى العدد القادم.
[email protected]