%18 معدل البطالة بين الشباب فى الشرق الأوسط
تنتشر عبارة «مستقبل العمل» على شفاه الجميع، فالدراسات، والمواقع، والحلقات الدراسية، وحتى الحقل الجديد لعلم المستقبليات كلها مكرسة للتفكير فى ما قد يكون عليه عالم العمل خلال العقود المقبلة.
ويدور العديد من هذه المناقشات حول كيفية التقدم التكنولوجى فى تحويل أو تدمير الوظائف، وخلق تقاسم أو تشويه الاقتصادات، وقلب علاقات العمل، وخاصة فى الاقتصادات المتقدمة.
وتقول ربى جرادات، المدير الإقليمى لمنظمة العمل الدولية للمنطقة العربية، إن من المؤكد أن الدول العربية فى الخليج والشرق الأوسط ليست فى مأمن من هذه التحولات، وتواجه ظروفاً خاصة تجعلها تضع التفكير فى المستقبل فى اتجاه له اعتبارات أكثر أهمية وحيوية.
وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار الإقليمى، والصراعات التى طال أمدها فى بعض البلدان العربية، والافتقار للحوار الاجتماعى المتوطن، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع أوجه عدم المساواة، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية غير ملائمة، يبدو أن مستقبل العمل يصرخ بصوت عالٍ على أبوابنا أكثر من مناطق أخرى.
وبالنسبة للكثيرين منا بحسب «جرادات»، فإن أصداء المستقبل مشؤومة؛ حيث تبتعد الدول العربية عن العدالة الاجتماعية بدلاً من أن تتحرك فى اتجاهها.
وأشارت فى تحليلها المنشور على موقع منظمة العمل الدولية إلى الأعداد غير المسبوقة التى تتخطى عشرات الملايين من أولئك الذين تركوا منازلهم مع أسرهم لأسباب لا علاقة لها بالعمل، ولكن سيكون لها عواقب كبرى على هذا السوق الهائل. فلم يعد لسوق العمل قدرة على توظيف النازحين من الدول الهشة التى يعصف بها العنف أو الصراع.
فى الوقت نفسه، يعانى سوق العمل فى بلدان أخرى من عواقب هذه الصراعات من خلال تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، الذين سيحتاجون أيضاً إلى العمل من أجل البقاء على قيد الحياة، ولكنهم يضعون ضغوطاً هائلة على أسواق العمل المثقلة بالفعل.
وعلاوة على ذلك، شهدت المنطقة ارتفاعاً مقلقاً فى التطرف والكراهية والإرهاب فى السنوات الأخيرة. وأسهم الفشل فى الحد من الفقر وعدم المساواة، والافتقار إلى النمو الاقتصادى الشامل والوظائف اللائقة، إسهاماً كبيراً فى ظاهرة تفشى العنف والجريمة.
ويطرح التحليل تساؤلاً حول سبل بناء مستقبل للعمل؛ حيث إن أسواق العمل القوية وسياسات التوظيف الذكية لن تعزز النمو فحسب، بل ستدعم أيضاً السلام واستقرار المجتمعات، وتمنع العنف والهشاشة، وبناء القدرة على الصمود.
ولا يمكن مناقشة مستقبل العمل دون التفكر أيضاً فى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً من الجنسين والذين يشكلون أكثر من 18% من سكان الشرق الأوسط ودول الخليج باستثناء مصر ودول المغرب العربى، ومن المتوقع أن ينمو عددهم بنسبة 43% ليصل إلى 41 مليوناً فى عام 2050. وسيكون هذا أكبر عدد من الشباب ينتقل إلى مرحلة البلوغ فى تاريخ المنطقة.
وسيؤثر هؤلاء الوافدون الجدد على أسواق العمل فى المنطقة التى تعانى بالفعل من أعلى معدلات البطالة بين الشباب فى العالم.
وفى منطقة تبلغ نسبتها من البطالة 10.2% فمن المتوقع أن يزيد عدد السكان فى سن العمل بمقدار 76 مليوناً أو 77% ليصل إلى 175 مليون نسمة على مدى السنوات الـ35 المقبلة.
وتبزغ تحديات كبرى فى سبيل خلق وظائف لائقة لهذه الأجيال تتطلب إعادة هيكلة وتنويع الاقتصادات من خلال ترقية مهارات العمال حتى يكونوا مؤهلين لوظائف المستقبل، ووضع السياسات التى ستعزز بيئة أعمال حيوية قادرة على اجتذاب استثمارات كبيرة وخلق المزيد من فرص العمل فى القطاع الخاص والتدابير التى تجعل سياسات توطين العمالة أكثر فعالية.
وإلى جانب الشباب يجب النظر أيضاً فى شيخوخة السكان، الذين تتراوح أعمارهم بين 65 سنة فأكثر، والمنتظر تضاعف عددهم فى الدول العربية أكثر من خمس مرات من 5 ملايين حالياً إلى 27 مليوناً فى عام 2050. وتطرح هذه الأرقام تحديات مستقبلية على صعيد الماليات واستدامة مخططات الضمان الاجتماعى غير الكافية فى الوقت الحاضر، والتى تعانى من ضغوط النمو الاقتصادى البطيء، وارتفاع معدلات البطالة، والفقر، والاقتصاد غير الرسمي.
ومن المرجح أن تواجه هذه الخطط مزيداً من التحديات مثل ظهور أشكال جديدة للعمل وعولمة سلاسل التوريد.
ويتطلب ذلك كله من الحكومات العربية إعادة هيكلة نظم الضمان الاجتماعى فى المنطقة بحيث تغطى جميع العمال وأفراد أسرهم وتطوير أرضيات الحماية الاجتماعية كحق من حقوق الإنسان.
وفى خضم هذه التحديات تعتبر المرأة العربية فى منطقة تتسم بعدم المساواة فى الحقوق بين الجنسين موضع قلق فى مستقبل سوق العمل، حيث تمثل أعلى معدلات بطالة للإناث فى العالم. ويصل معدل مشاركة المرأة فى القوى العاملة 21% مقابل 77% للرجال، وهذا يعنى اهدار إمكانات اقتصادية كبيرة يجب أن يكون تعزيز دورها أولوية إقليمية.
ويحتاج العالم العربى إلى تدابير لتمكين السيدات اللواتى يعملن حالياً أو على وشك الدخول إلى القوى العاملة على اكتساب الوظائف اللائقة فى المستقبل فى إطار سياسات يجب تطبيقها لتعزيز فرص تنظيم المشاريع لهن تضمن إزالة الحواجز التى تمنعهن من المساهمة بكامل إمكاناتهن فى اقتصاد المنطقة والمجتمع.
ويقول تحليل مسئولة منظمة العمل الدولى، إن العالم العربى يواجه تحديات مشتركة تتطلب تغييراً جذرياً فى المسار الخاص بنموذج السياسات الحالية، فمن حيث العمالة وحدها، ستترجم السياسات الحالية إلى نمو سنوى بنسبة 2.3% فى العمالة فى السنوات الخمس المقبلة.
ولا يكفى هذا النمو لتغطية 6 ملايين وظيفة يحتاج السوق إلى خلقها فى الدول العربية بحلول عام 2020، علماً أن هناك 13 مليون وظيفة إضافية مطلوبة فى العقد المقبل.
وكما هو الحال الآن، يشعر الملايين من الناس بأنهم سقطوا من الحسابات منهم الأطفال الذين ليس لديهم مستقبل آمن، والشباب الذين ليس لهم مصلحة فى المجتمع، والآباء الذين ليس لديهم وظائف لائقة.
ويؤكد ذلك على الحاجة إلى عقد اجتماعى جديد تشارك فيه جميع الأطراف الفاعلة فى عالم العمل فى حوار اجتماعى حقيقى لتلبية تطلعات جميع السكان بهدف خلق مستقبل شامل وعادل للعمل لا يسقط فيه أحد من الحسابات.
لا يمكن لشخص واحد أو مجموعة إيجاد جميع الحلول ولهذا السبب دعت منظمة العمل الدولية جميع البلدان العربية إلى إجراء حوارات وطنية بشأن مستقبل العمل من أجل إعداد اقتصاداتها للتغييرات المتوقعة ووضع استجابات فعالة للسياسة العامة، ما يمكن أن يشكل المستقبل المشرق للمنطقة.