«بابا السلام فى مصر السلام» انتشرت تلك العبارة لتؤكد زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان لمصر، وكان لسان حال الكثيرين لعل زيارته هذه لدعم وتعزيه المسيحيين، خاصة أن الكنيسة المصرية شهدت احداث دامية منذ نهاية ديسمبر الماضي، وحتى تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية الشهيرة بتفجيرات «أحد السعف»، والتى أحرقت قلوب اسر الشهداء والمصابين، وابرزت فى الوقت ذاته قوة الترابط بين مسلمى ومسيحيى مصر، أتذكر دائما مواساة أصدقائى سواء بالعمل أو خارجه ومدى غضبهم من تلك الأحداث، أتذكر مساندتهم الدائمة.
وهو ما أكده بابا السلام خلال زيارته لمصر، قاصدآ توجيه صفعة قوية على وجه الإرهاب والتطرف، حين رفض ركوب سيارة مصفحة، وفضل استقلال سيارة عادية ومكشوفة ليؤكد ان أرض مصر ما زالت آمنة ولم تهزها تفجيرات الإرهاب الغادرة.
أما الصفعة الثانية فكانت عندما تلقيت دعوة لحضور القداس الإلهى الذى سيترأسه البابا فرنسيس لتغمرنى السعادة حيث إننى لم أتوقع يوما أن أحضر قداسا للبابا من قبل، وفى الوقت ذاته كانت الصدمة أن البابا هايصلى القداس فى الاستاد، العبارة التى صدمتنى، وصدمت الكثيرين وأثارت سخريتهم، فكان أقصى الطموح هو الصلاة بأمان داخل الكنائس خاصة فى الأعياد، أو بناء قبة كنيسة دون تذمر فلان، أو رفض علان، حيث دار فى ذهنى العديد من التساؤلات كيف سيتم تأمينه؟!
هل ستتوقف الطرق وتتعطل مشاغل البلد؟! ثم خفق قلبى رعبا لاحتمالية إغلاق محطة السادات! ولكن الأمن المصرى بدد كل هذه المخاوف، فعلى الرغم من احتضان استاد 30 يونيو لـ25 الف قبطى تقريبا، فإن الأمر كان منظما إلى درجة عالية، فداخل الاستاد أقيمت الاستعدادات على أفضل ما يكون، وكان التنظيم والأمن منتشرا منذ اللحظات الأولى من توافد المصلين، ففى البداية كانت عملية دخول المصلين من البوابات المخصصة للزائرين، وبوابه اخرى خاصة بالإعلاميين والصحفيين، للدخول وملء المدرجات بنظام، مع اشتراط إبراز الدعوة الشخصية وبطاقة الرقم القومى لكل مدعو.
وفى نهاية القداس قام البابا بمباركة الشعب وصرفه بسلام، حيث تمت عملية الخروج بنظام وأمان تام ولم يتأذَ شخص، خرجت حينها وأنا لا أدرى هل نحن فى مصر حقا؟ هل ما أراه من تنظيم وحسن إدارة فى مصرأم أنه حلم؟!
ودارت أحاديث ضاحكة بينى وبين أصدقائى المسلمين وقلت لهم سنصلى قداس الجمعة باستاد القاهرة الدولى، ليردوا فى دعابة «ما تاخدوش على كده» ثم شربنا المياه الغازية، وتبادلنا الضحكات واستكملنا الثرثرة.
لم تكن زيارة البابا من أجل دعم ومساندة الدولة فقط، ولكنها جاءت للتأكيد على الترابط الدينى، وضرورة وجود الحوار بين كل الأطراف، جاءت من أجل التأكيد على وحدة الكنيسة بكل طوائفها من خلال الصلاة المسكونية التى اقيمت مساء يوم الجمعة الماضية، بعدما انشقت الكنيسة الكاثولوكية والأرثوذوكسية منذ 1500 عام تقريبا، فهذه الوحدة تعتبر حدثا تاريخيا أسعدنا كمسيحين بالشرق والغرب.
فذكر «ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ»، و«مبارك شعبى مصر»، بالقرآن والإنجيل لم يكن مصادفة يوما بل كان تأكيدا أن رغم ما يقابلها من صعاب ومصائب إلا أنها ستظل الأرض المباركة إلى الأبد ستظل أرض الأنبياء والوصايا العشر، وسيظل شعبها هو الأقرب إلى قلب الله.