أهم معطيات جذب الاستثمار هو الإطار التشريعى والمؤسسى المنظم للاستثمار فى تلك الدولة، مثل وجود قانون واضح للاستثمار يوضح طبيعة العلاقة ما بين المستثمر والدولة، وكذلك جهات مؤسسية محددة تعمل على تيسير العمل دون بيروقراطية.
كما يهتم المستثمر، أيضاً، بتوجهات الدولة التنموية، فينظر إلى المناطق الجغرافية والقطاعات الصناعية التى ترغب الدولة فى تنميتها، ومدى وجود تيسيرات، أو حوافز للاستثمار فى تلك المناطق أو تلك القطاعات الصناعية.
فإذا ما تحقق المستثمر من تلك النقاط، فإما أن يتشجع ويأتى إلى تلك الدولة، وإما أن يتخذ الطريق المعاكس ليفر هارباً باستثماراته إلى دولة أخرى تقدر خطواته التنموية.
وفى ضوء تعاظم المنافسة الدولية لجذب الاستثمارات، أدركت الدول أنه لا بديل عن التيسير على المستثمر بهدف جذب مزيد من الاستثمارات.
وجذب الاستثمارات لن يتحقق إلا من خلال الإصلاح المؤسسى واستهداف وضع سياسة صناعية واضحة المعالم للمستثمر القادم سواء أكان مستثمراً محلياً أم أجنبياً.
ويتبادر إلى الأذهان سؤال جوهرى وهو هل يمكن لجميع الدول باختلاف قدراتها المؤسسية أن تتبع سياسة صناعية موحدة؟ أى هل يمكن أن استعير سياسة صناعية طبقت فى دولة أخرى؟
الإجابة ستكون بالنفى؛ نظراً إلى أن السياسة الصناعية المتبعة لابد أن تتسق مع القدرة المؤسسية للدولة.
ففى ذلك الإطار يمكن تحديد ثلاثة أنواع من السياسات الصناعية، هى السياسات الصناعية الأفقية، والسياسات الصناعية القطاعية المختارة، وأخيراً السياسات الصناعية الشاملة، فكلٍ من هذه السياسات الصناعية له آلياته وترتيباته المؤسسية، فالدول ذات القدرات المؤسسية المحدودة تستطيع فقط الخوض فى السياسات الأفقية ووفقاً لتزايد قدراتها المؤسسية بمرور الوقت، يمكنها الانتقال إلى السياسات القطاعية ثم الشاملة.
فالسياسات الصناعية الأفقية ترتبط بمحدودية البنية المؤسسية التحتية، ومن ثم تتسم بمحدودية آليات التنفيذ، وتعتمد بدرجة أكبر فى تنفيذ استراتيجياتها على كلٍ من التنمية البشرية، وتطوير المعايير الإنتاجية المرتبطة بمراقبة جودة الإنتاج والمواصفات ومنح شهادات الجودة، التى تسهم فى رفع درجة جودة الإنتاج المطلوبة، بالإضافة إلى تقديم حوافز تنمية وتطوير البنية التحتية والبنية المؤسسية المرتبطة ببيئة الأعمال.
وبالنسبة إلى السياسات القطاعية المختارة، فإنها تتطلب قدرة مؤسسية أكثر تطوراً، نظراً إلى أنها تركز على قطاعات صناعية محددة، وبالتالى يخضع تنفيذها إلى مجموعة أكبر من الآليات، وقد تهدف تلك السياسات القطاعية إلى رفع القدرة التنافسية لعددٍ من الأنشطة الصناعية.
أما السياسات الصناعية الشاملة فهى تستهدف تنمية القدرات العلمية والتكنولوجية، وتتطلب أطراً مؤسسية تتسم بالكفاءة، وقدرات إدارية وتنسيقية، ومن خلال هذا النوع من السياسات تتحقق التنمية العلمية والتكنولوجية وتتحسن القدرات الإنتاجية فى القطاعات الصناعية المختارة، حيث يتم تطبيق منهج التجمعات التكنولوجية، وتسعى تلك السياسات إلى الاستفادة من الأبحاث المتقدمة ذات النظرة المستقبلية التى تهتم بأبعاد التنمية المستدامة.
وباستعراض تلك الأنواع من السياسات الصناعية وعلاقتها بالقدرات المؤسسية للدولة، يتضح أن مصر قد قطعت شوطاً لا بأس به بالنسبة إلى السياسات الصناعية الأفقية، ولم تركز بما فيه الكفاية على تحقيق السياسة الصناعية الأفقية، فى حين انتقلت مباشرة إلى النوع الأكثر تعقيداً من السياسات الصناعية وهو السياسة الصناعية الشاملة، وهى السياسة الأكثر ملاءمة للدول الصناعية الكبرى.
فما نحتاجه هو أن نرجع قليلاً إلى النوع الثانى من السياسات الصناعية لنركز على التنمية القطاعية لعدد من القطاعات الصناعية لنمنحها مزيداً من الاهتمام، وذلك كى تتضح الصورة أمام المستثمر المحلى والأجنبى، ليحدد بوصلة اتجاهاته الاستثمارية، ونستفيد من قانون الاستثمار فى تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
د. شيماء سراج عمارة
[email protected]