أثارت التعليقات الصريحة لجيمى ديمون، المدير التنفيذى الناجح للغاية، لبنك «جى بى مورجان تشايس»، خلال مؤتمر صحفى عقد 14 يوليو الحالي، مجموعة واسعة من ردود الأفعال التى كان بعضها مؤيدا، والآخر اتهامات له بعدم الوطنية، ومما قاله ديمون: «أشعر بالإحراج باعتبارى مواطنا أمريكيا يسافر حول العالم ويسمع هذا الهراء الغبى (الصادر عن الرئيس دونالد ترامب) الذى نحن مضطرون للتعامل معه، وفى مرحلة معينة سنضطر جميعا إلى التصرف حياله.
ومع ذلك، عند وضع تصريحاته فى إطار صحيح، نجد أنها تتعلق بأربع حقائق مرتبطة ببعضها البعض فى الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية.
الحقيقة الأولى، أن مصدر قلق ديمون الرئيسى، والذى يشاركه فيه الكثيرون فى الولايات المتحدة، ينبع من عدم اليقين غير الضرورى والمتزايد بشأن سياق السياسة الامريكية، وتأجيل تطبيق السياسات الحساسة اقتصاديا، والجمود السياسى فى واشنطن الذى لطالما كبح النمو، وجعله أقل شمولية، وحرم الكثير من الأمريكيين من التمتع بمستوى أعلى من الرخاء المرغوب والذى يمكن تحقيقه.
والثانية أن ديمون كان محقا بشأن أن الاقتصاد الأمريكى استطاع تحقيق نسب نمو بقيم تتراوح بين 1.5% و2% رغم «الشلل» السياسى فى واشنطن. وتسلط معدلات النمو تلك الضوء على مرونة القطاع الخاص.
ومع ذلك، كلما استمرت معدلات النمو المنخفض، ستصبح الضغوط الهبوطية أكبر على إمكانات الدولة ورخائها فى المستقبل.
الثالثة أنه بالنظر إلى دور وأهمية الولايات المتحدة فى اقتصاد عالمى مترابط، أصبحت باقى دول العالم، خصوصا أصدقاء وحلفاء أمريكا، ينظرون إلى الوضع الحالى بشىء من الاستغراب والذهول والحيرة والقلق.
وعلى مدار عشرات السنوات كانت القيم التقليدية الامريكية والمؤسسات وروح ريادة الأعمال فى الولايات المتحدة، مصدر إلهام لكثير من مجهودات تحسين مستويات المعيشة لكثير من الناس حول العالم، ولا تزال أمريكا محركا مهما للنمو فى الاقتصاد العالمى، كما أنها لا تزال أهم داعم للاستقرار المالى.
والحقيقة الأخيرة أن مصداقية وريادة أمريكا لا تزال تشكل العامل الأكثر حسما فى التنسيق السياسى العالمى الفعال. ودون هذه المصداقية والريادة سيخضع الاقتصاد العالمى لعدم يقين أكبر ولتحديات تتسبب فى ضغوط وتفكك أكبر، بما فى ذلك إعادة تعريف النظم الاقتصادية الإقليمية، وهذه النظم الأصغر لن تضيف شيئا على المستوى الدولى.
وعندما تعبر الشركات الأجنبية وقادة الحكومات عن قلقهم من أضرار الجمود السياسى الأمريكى يكون هذا أمرا مختلفا تماما عن التصريحات التى تأتى من واحد من أكثر المديرين التنفيذيين تأثيرا واحتراما فى الدولة، ودق ديمون ناقوس الخطر بشأن كل من الفرص الضائعة فى الموطن، وتآكل النفوذ دوليا.
ويعد توقيت تصريحات ديمون أيضا له أهمية، إذ ادى تاجيل صياغة وتمرير التشريعات والتنظيمات الداعمة للنمو (مثل الإصلاح الضريبى واستثمارات القطاع العام فى البنية التحتية)، بجانب تبدد فاعلية سياسيات الاحتياطى الفيدرالى فى شراء الوقت للاقتصاد، إلى تعريض الولايات المتحدة لمخاطر أكبر تتمثل فى الانحدار الاقتصادى السريع.
وعلاوة على ذلك، سيؤدى الانخفاض فى مستوى التنسيق السياسى العالمى، كما كان واضحا فى نتيجة اجتماع مجموعة العشرين فى مدينة هامبورج بألمانيا، إلى جعل العواقب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحتملة أكثر صعوبة حال حدوثها.
وبدلا من رفض تعليقات ديمون باعتبارها غير وطنية ونتاج لثوران غير موفق، سيكون من الأفضل للدولة إذا تم اعتبارها نداء صحوة لواشنطن التى لا تزال منقسمة ومشتتة، وتواصل الفشل فى القيام بمسئولياتها المهمة المتعلقة بالحوكمة الاقتصادية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»