كانت حوكمة الشركات أكثر وضوحاً عندما كان دورها الرئيسى ينحصر بوجه عام فى اشراف مجلس الإدارة على أعمال الإدارة التنفيذية للشركة. لكن اليوم قد لا يكون هذا النهج صحيحا تماماً مع تطور مفهوم الحوكمة والتوقعات لدى المساهمين والجهات الرقابية وأصحاب المصالح الآخرين بشأن دور ومسئولية مجلس الإدارة ويرتفع سقف التوقعات أكثر فى الشركات المساهمة العامة.
فما هو الدور الأساسى لمجلس الإدارة؟ هل هو مجرد الإشراف على أعمال الإدارة التنفيذية وتقييم أدائها وفقاً لمؤشرات الأداء الرئيسية، ومدى التقدم المحرز فى تحقيق أهداف الخطة الاستراتيجية؟ أو هل يجب على المجلس القيام بدور نشط كشريك استراتيجي، والعمل جنباً إلى جنب مع الإدارة التنفيذية للتعامل مع المشاكل الكبرى التى تواجه الشركة؟ وما هو دور المجلس فيما يتعلق بالمخاطر؟ لا توجد إجابات «تناسب الجميع»، ولكن من المهم أن يوافق مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على كيفية عملهما معاً لبناء ما يسمى بكيان المخاطر الذكية Risk Intelligent Organization.
فى معظم الحالات، يمارس مجلس الإدارة دوره الرقابي. مع ذلك، وبحسب مجريات الأمور أو وضع الشركة، يمكن لدور مجلس الإدارة أن يتأرجح من الرقيب على الإدارة التنفيذية الى المشارك النشط فى بعض الأحيان. عادة، نحن نرى مجالس إدارة تشارك فى أمور مهمة مثل التوجيه الاستراتيجى وخطة خلافة الرئيس التنفيذى أكثر من انخراطها فى سير العمليات وتفاصيل الأعمال التى تدخل فى نطاق مسئولية الإدارة التنفيذية. مع ذلك، قد يكون من الصعب إيجاد التوازن الصحيح. فعلى الرغم من عدم وجود إجابة نموذجية، من المهم أن يتفق أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على مدى مشاركة المجلس فى المجالات الرئيسية دون الإفراط فى التدخل فى سلطة الرئيس التنفيذى وفريق الإدارة التنفيذية. كما يمكن لأعضاء مجلس الإدارة أن يبدأوا بسؤال أنفسهم: «كيف نؤدى مسئولياتنا الائتمانية مع الاستمرار فى دعم استراتيجيات الإدارة لدفع الشركة إلى الأمام نحو تحقيق أهدافها بما يحقق مصالح المساهمين؟».
والسؤال الآخر هو “لماذا يجب على مجلس الإدارة أن يغير نهجه الآن؟». فى أوقات الأزمات أو تقلبات السوق، قد يحتاج المجلس إلى أن يكون أكثر انخراطاً فى مساعدة الرئيس التنفيذى وفريق الإدارة التنفيذية على إيجاد الحلول المناسبة. إن الإدارة التنفيذية التى تعمل على تنفيذ الاستراتيجيات، وخاصة فى الأوقات الاقتصادية الصعبة، تحتاج إلى أن يكون مجلس إدارتها متماشياً مع نموذج مرن قادر على التحول بناء على احتياجات العمل. لذلك فإن مجلس الإدارة الذى يفتقد الى المرونة يمكن أن يتسبب فى أن تصبح الشركة مضطربة الأداء مما يؤدى الى سوء أوضاعها التشغيلية والمالية.
أما من ناحية المخاطر، ينبغى ألا يُنظر إلى الرقابة على المخاطر على أنها عملية مستقلة بحد ذاتها. بدلا من ذلك، يجب اعتبارها أنها محور رئيسى يستند إليه مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية فى كل ما يتعلق بتنظيم الشركة وإدارة أعمالها بشكل صحيح، واتخاذ قرارات سليمة. هكذا توجه العديد من مجالس الإدارة أنشطتها المتعلقة بالإشراف على المخاطر الى مجالين: الإشراف على برامج المخاطر المؤسسية (إدارة المخاطر) والإشراف على المخاطر الجوهرية وقرارات المخاطر، وهو ما يعرف بحوكمة المخاطر Risk Governance التى تعنى بتحديد نزعة المخاطر ودرجة تحمل المخاطر، فضلا عن رصد المخاطر الاستراتيجية.
يحتاج أعضاء المجلس إلى فهم جيد لإدارة المخاطر، حتى عندما يفتقرون إلى الخبرة فى هذا المجال. فقد يعتمد المجلس على مستشارين خارجيين لمساعدتهم فى مراجعة أنظمة إدارة المخاطر فى الشركة وتحليل مخاطر الأعمال. كما ينبغى أن يقوم المجلس بإجراء مراجعة سنوية لنظم إدارة المخاطر. وكجزء من المراجعة السنوية، يجب على المجلس مراجعة سياسات وإجراءات مراقبة المخاطر على مستوى مجلس الإدارة واللجان المنبثقة عن المجلس، وتقييم المخاطر بشكل مستمر. أيضاً من المفيد تعريف المجلس بالتوقعات داخل مجال نشاط الشركة أو التحديثات فى القوانين واللوائح والتعليمات الرقابية المتعلقة بأعمال الشركة، وذلك من خلال تقديم عرض موجز مع التركيز حول أفضل الممارسات فى إدارة المخاطر.
لقد اكتسبت حوكمة الشركات وإدارة المخاطر فى السنوات الأخيرة أهمية فى جدول أعمال مجلس الإدارة. وينبغى أن يكون المجلس نشطا فى دعم الإدارة التنفيذية فى الأوقات الصعبة مع الحرص على عدم التدخل فى مجالات مسئوليتها. بالاضافة إلى ذلك، يجب أن يدرك المجلس أن تشكل إدارة المخاطر جزءا من التحديات المتزايدة فى عملية اتخاذ القرارات. فهناك الكثير من العواقب السيئة فى حال تبنى الممارسات الضعيفة لإدارة المخاطر. وينبغى أن يكون مفهوم إدارة المخاطر أكثر من مجرد آلية لتحقيق الالتزام الرقابي. كما يجب أن تكون إدارة المخاطر جزءا لا يتجزأ من ثقافة الشركة واستراتيجيتها وعملياتها اليومية. ومن بين جميع تحديات إدارة المخاطر التى يواجهها مجلس الإدارة، يتمثل التحدى الأكبر فى المواءمة بين الرغبة فى تحقيق النمو للشركة مقابل الحماية من المخاطر غير الضرورية، حتى لا تؤثر سلبا على الأعمال.