اقتصادنا يا تعبنا… الحلقة 46..
إن توافر مناخ اقتصادى وسياسى يعد أولوية أولى يدعمه إصلاح مؤسسى حقيقى لجهاز الدولة البيروقراطى ومناخ استثمارى جاذب.. بدءاً من دخول السوق ثم منظومة منح تراخيص وتخصيص أراضى شفافة وسلسة وغير مشتتة.. ثم جميع عمليات التى تمس توسع أو تقلص المشروع الاستثمارى حتى خروجه من السوق… إلى دولة تحترم تعهداتها وعقودها مع المستثمر… دولة قانون يطبق على الجميع بالتساوى… وإن كانت الحوافز المالية وغير المالية مشجعة فهى ليست كل شىء ولا تاتى على تريب سلم الأولويات وهذا لا يعنى عدم جدواه ولاسيما فى فى بدايات التشجيع على الاستثمار.. العبرة بالتطبيق.. فما أهمية وجود حوافز مالية فى بيئة تعتريها بيروقراطية فاسدة وطاردة.
فالمستثمر يرغب فى بيئة استثمارية جاذبة ومميكنة ومستقرة السياسات (مالية وضرائب وجمارك»- نقدية «سعر الصرف ومعدل الفائدة» – صناعية – استثمارية) والقوانين ومستدامة ليستطيع حساب تكاليفه والتنبؤ بها، ولا يفاجأ بقرارات تصدير واستيراد بين يوم وليلة أو ارتفاع اسعار فائدة تقترب او تزيد على معدل العائد الداخلى IRR وسياسات تقلب خططه رأساً على عقب ولا يستطيع حينها اتخاذ قرار بالتوسع او الاستثمار الجديد أو حتى الخروج فى بعض الأحيان، بيئة توازن بين حقوق وواجبات كل من صاحب العمل والعمال.. بين الحكومة والمستثمرين.. بيئة تعمل فيها الحكومة بتناغم وتنسيق.. بيئة لا يعرق فيها جهاز إدارى جهازاً آخر ولا يتنازعون فى اختصاصات.. بدل يدعم كل منها الآخر.
وبتوافر هذه البيئة تأتى أهمية الفرص الاستثمارية وكيفية تجهيزها قطاعياً وجغرافياً، وهنا يأتى التساؤل ما هى الشروط والمتطلبات المفروض توافرها فى الفرص الاستثمارية حتى يتسنى الترويج لها جيداً فى ضوء شروط المناخ الاستثمارى التى ذكرناها سابقًا.
فى ضوء خبرتنا فى دراسة الفرص الاستثمارية الحكومية فإن الفرص الاستثمارية الجاذبة يجب ان تتوافر فيها ما يلى:
– أرض واضحة ليس عليها تنازع محددة المساحة والإحداثيات محدد النشاط المفروض إنشاؤه عليها.. مع مراعاة تحديد كيفية التخصيص وسعرها سواء (للإيجار – للانتفاع) – أو التملك.
– سهولة الحصول على التراخيص الخاصة بها سواء للبناء أو ممارسة النشاط المقنن عليها.. والسهولة هنا متعلقة بالإجراءات – الميكنة – وضوح الرسوم والمدة الزمنية المعقولة لأداء الخدمة والحصول على التراخيص.
– أن تكون الأراضى مرفقة أو تصل إلى حد الأرض أو أقرب نقطة جميع المرافق المطلوبة للتشغيل (كهرباء – مياه – غاز – تليفون.. الخ).
– بنية أساسية سليمة من طرق وموانئ وخدمات (لوجيستية ومالية…) ومناطق سكنية قريبة.. الخ.
– طبيعة المشاركة الحكومية والإطار القانونى المنظم لها بوضوح (أنواع المشاركة: المشاركة فى العائد revenue sharing – الشراكة بنظام الـppp ويكون محدد المعالم والإطار القانونى- شراكة بحصة ويفضل ألا تزيد على 24% هروباً من عباءة الجهاز المركزى للمحاسبات وقانون المناقصات والمزايدات.. الخ).
– عرض المزايا الاستثمارية للاستثمار والحوافز المالية وغير المالية والضمانات فى مصر فى ضوء القانون الجديد.
– إنشاء خريطة استثمارية تضم هذه الفرص وتحديثها باستمرار.. وكذلك بالأراضى المتاحة للاستثمار دون نزاع عليها او مشاكل تحول دون سهولة تخصيصها.
– ميكنة جميع خدمات الاستثمار لتسهل على المستثمر الدخول والتعامل والخروج من السوق.
– إعادة النظر فى معدلات الفائدة على الائتمان.. وعدم تقييد الحصول على العملة الصعبة من البنك.
وهناك المستثمر الواعى الذى يعرف ما يريد وهذا لا يحتاج سوى الأراضى المتاحة أو تلبية احتياجاته من أراضٍ ومناخ جاذب سلس للاسثثمار وسياسات مستقرة.. وهناك المستثمر الذى ترغب الدولة فى استقطابه وتذهب إليه مباشرة لإقناعه بالتواجد الاستثمارى على الأرض المصرية وهذا يفضل معاملته بمنطق الـ Incentive Package لاستقطابه ويحتاج زيارات متبادلة مستثمرة لحين قيامه فعلياً بالاستثمار، مثل هيئة ميناء سنغفاورة – شركة عالمية مثل امبراير لتصنيع قطع غيار الطائرات- شركة تصنيع سيارات عالمية كبيرة – وهكذا.
وهناك الترويج لمنطقة صناعية بعينها باسم دولة ما مثل المنطقة الصناعية الروسية أو الصينية على أن يكون المطور بها من جنسية الدولة يتولى تطويرها والترويج لها لدى الشركات الصناعية فى دولته.
الفرص والإمكانيات كبيرة لدى مصر، ولكن يبقى العنصر البشرى القادر على إدارة هذا الملف أحد العوامل المهمة إلى جانب المناخ الاستثمارى الجاذب.. ودور الدولة الداعم لإنها لا تنمية بدون أحد الأضلاع المهمة وهو الاستثمار (محلى – عربى – أو أجنبى).
وما نبغى إلا إصلاحاً