بقلم: ليونيد بيرشدسكى
غرد الرئيس دونالد ترامب أمس الثلاثاء بأنه يعمل على اتفاق تجارى محتمل «كبير جداً ومثير» مع بريطانيا من شأنه أن يخزى الاتحاد الأوروبى «شديد الحمائية»، وهو محق فى أن مثل هذا الاتفاق سوف يكون مفيداً للغاية سياسياً للحكومتين، ولكن ليس كذلك بالنسبة للمستهلكين البريطانيين.
ويقدر وزير التجارة الدولية البريطاني، ليام فوكس، الذى حثت محادثاته مع المسئولين التجاريين الأمريكيين ترامب لكتابة تغريدته، أن أى اتفاق مع أمريكا سيعزز التجارة بين البلدين بمقدار 40 مليار جنيه استرلينى بحلول عام 2030.
وهذا الرقم يبدو طموحاً ولكن يمكن تحقيقه، ففى عام 2013، عندما كانت الولايات المتحدة تتفاوض على الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلنطى مع الاتحاد الأوروبى، كشفت دراسة بريطانية أن الاتفاق سيرفع التجارة بين البلدين بمقدار 38 مليار جنيه إسترلينى سنوياً بحلول 2027.
ويعد اتفاق الشراكة هو النموذج المنطقى لأى تعاون، ولم تتفاوض بريطانيا على أى اتفاق تجارى منذ أن انضمت للاتحاد الأوروبى، وبالتالى فإن الاستفادة من خبرة أفضل المتفاوضين فى الكتلة يبدو منطقياً، أى أن تحقيق أهداف حجم التبادل التجارى لـ«فوكس» سيتطلب استخدام بنود اتفاق الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلنطى.
وهذا يتضمن إلغاء جميع التعريفات، و50% من الحواجز غير الجمركية، بما فى ذلك إزالة 75% من القيود على الكيماويات والمركبات والخدمات التجارية والتكنولوجية، وأهم الحواجز غير الجمركية هى تلك المتعلقة بالطعام، لأنها ترفع التكلفة على المستوردين الأمريكيين لدخول السوق البريطانى بحوالى 46%.
وقضية الطعام ستكون على الأرجح الأكثر إثارة للجدل، وأُحبطت اتفاقية الشراكة التجارية عبر الأطلنطى جزئياً بسبب ان الأوروبيين- والألمان بالأخص – خشوا من تراجع معايير الجودة ونمو نفوذ الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية.
وشهدت بريطانيا، ارتفاعاً فى جودة المنتجات الغذائية المحلية بعد انضمامها للاتحاد الأوروبى، وأصبحت الأطعمة الجيدة من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا أكثر توافراً، وأى شخص لديه الفرصة للمقارنة بين الأطعمة فى المتاجر الأوروبية العادية ونظيرتها الأمريكية سيلاحظ فجوة الجودة والمذاق الواضحة.
وفى نفس الوقت، فإن ميزان القوى فى التفاوض لا يبشر بالخير بالنسبة لجانب بريطانيا، فهى سوق أصغر، حيث يشكل 3% فقط من التجارة الأمريكية، وفى نفس الوقت، تحتاج حكومة رئيس الوزراء، تيريزا ماى، نجاحاً سريعاًَ مع شريك تجارى كبير.
وبدأ فوكس بالفعل فى بناء التوقعات، ووعد فى مقال مؤخراً بجريدة «ذا صنداى تايمز» بأن الاتفاق الأمريكى سيكون «مجرد البداية» لانفتاح بريطانيا على التجارة العالمية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبى.
ومن ناحية أخرى، ترامب ليس متعجلاً، ولن تعنى الاتفاقية له شيئاً إلا إذا كان رابحاً، كما أن المفاوضين الأمريكيين قد لا ينصاعون لرغبات ترامب فى شراكة بريطانيا بطريقة تثير غضب الاتحاد الأوروبى، بالنظر إلى أن إغضاب أكبر كتلة تجارية فى العالم لن يكون فى مصلحة أمريكا الاستراتيجية، كما أنهم لن يستطيعوا تجاهل رغبة ترامب فى القيام بصفقات لا ينتج عنها سوى تحسين الميزان التجارى الأمريكى.
ويحب ترامب تصور التجارة فى صورة أشياء ملموسة، مثل السيارات أو حتى الدجاج، وبالتالى، قد تضطر بريطانيا للتنازل فى أشياء مثل السيارات والطعام لتحصل على اتفاق أفضل فى قطاع الخدمات، ولا تستبعد حكومة بريطانيا تغيير تنظيمات الجودة لإبرام الاتفاق.
ورغم ضعف بريطانيا فى محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبى، فهى أقوى مما ستكون عليه فى المفاوضات مع أمريكا.
وتعد بريطانيا شريكا تجاريا أكبر للاتحاد الأوروبى من أمريكا، فهى تستوعب ما بين 8 إلى 17% من صادرات دول الاتحاد، ولكن المفاوضين الأوروبيين لم يذهبوا إلى كلية ترامب فى الاقتصاد، فهم لا يستهدفون زيادة ميزانهم التجارى مع بريطانيا بأى ثمن.
وبالتالى يتعين على بريطانيا التركيز على العلاقات التجارية الأكثر أهمية مع الاتحاد الأوروبى، وفى حالة تقديمها التنازلات المناسبة، فستتمتع باتفاق تجارى جيد، والأمل فى انتصار تجارى مع حكومة ترامب الودودة ظاهرياً هو مجرد وهم.
إعداد: رجمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز».