اقتصادنا يا تعبنا….. الحلقة 48..
لاشك أن عبء التنمية المجتمعية المستدامة يحتاج رؤية واضحة وميزانية وأدوات متنوعة.. وتكاتف كل الجهود التنموية.. ولعل المسئولية الاجتماعية للشركات تعد احد أهم الادوات المساعدة فى تسريع وتيرة التنمية المجتمعية المحلية بنظرة مستدامة.. وهو ما يتطلب زيادة التوعية باهمية الدور الاجتماعى والتنموى للشركات داخل نطاق المجتمع المحلى التى تعمل فيه.. وإن كانت هناك مؤسسات وشركات مصرية عديدة بدأت تلعب هذا الدور منذ فترة سواء كانت بنكية أو استشارية أو عقارية، أو صناعية، أو خدمية، أو شركات قابضة.. إلخ، فإن ذلك لا يمنع من الترويج لتبنى مثل هذا الدور لمعظم الشركات على مستوى جميع المحافظات التى تعمل بها.
وكثير من التجارب الدولية تشير إلى تزايد اهتمام عدد كبير من البلدان بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال وإلى ارتفاع عدد الشركات التى تطبق برامج المسئولية الاجتماعية على مستوى العالم.. سواء فى دول الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة لأمريكية، وبعض بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية تشيلى والمكسيك وبير والبرازيل) وآسيا (والهند، وتايلاند، والفلبين، وسنغافورة، وهونج كونج)، فضلاً عن مبادرات بعض الشركات عابرة القارات ومبادرات الاستثمار المسئول اجتماعياً والتجارة العادلة.
كما أن العديد من المؤسسات الدولية كالبنك الدولى والاتحاد الأوروبى ومجلس الأعمال الدولى تدور تعريفاتها على المسئولية الاجتماعية بأنها «الالتزام المستمر للشركات بالتصرف على نحو أخلاقى وبالمساهمة فى التنمية الاقتصادية وتحسين نوعية الحياة للعاملين وأسرهم والمجتمع المحلى والمجتمع ككل».
تخيل إذا تكاتفت الشركات العاملة فى كل منطقة ما على على تحقيق التنمية المجتمعية للبيئة المحيطة بها؛ سوف ينعكس ذلك بالتأكيد على ارتفاع مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية فى كل إرجاء الدولة وسيساعد الدولة بكل تأكيد فى جهودها لتحقيق التنمية المجتمعية، فبرامج المسئولية الاجتماعية هى نوع من الاستثمار الاجتماعى الذى يهدف إلى بناء رأس المال الاجتماعى والذى يؤدى بدوره إلى تحسين كفاءة الأداء الاقتصادى للشركات، كما يساعد فى تحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والبيئى لمجتمع الأعمال والبيئة المحيطة ككل.
وبشكل عام، فقد بدأ الحديث عن الدور الاجتماعى لرأس المال فى الستينيات من القرن الماضى، وتزايد الاهتمام به فى أعقاب انهيار حائط برلين وتداعى الشيوعية فى العالم وانتهاء مرحلة الحرب الباردة والتحول إلى اقتصاديات السوق الحرة وبداية اتجاه البلدان المختلفة نحو العولمة، وما صاحب هذه التطورات من تشجيع للقطاع الخاص على المشاركة فى النشاط الاقتصادى ثم الاعتماد على هذا القطاع فى تحقيق الاستقرار الاجتماعى وزيادة مستوى الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، ومن العوامل التى ساهمت فى زيادة الاهتمام بهذا الموضوع أيضا، أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 التى شجعت عدداً كبيراً من الشركات الكبيرة على الدعم المادى والمعنوى للمضارين من هذه الأحداث، وكذلك الفضائح المالية لعدد من الشركات العالمية مثل إنرون وآرثر أندرسون وغيرهما من الشركات العالمية التى لفتت الانتباه إلى الممارسات الخاطئة لهذه الشركات وتفشى الفساد بها.
وازدادت الأهمية النسبية للمسئولية الاجتماعية للشركات مع تزايد الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالفقر، وانخفاض مستوى معيشة بعض الفئات، والبطالة، وهى أمور ظلت لفترة طويلة من الزمن من مسئوليات الحكومات، ولكن مع تنامى الاهتمام بالتنمية الاجتماعية والتأكيد على أهمية إقامة شراكات بين الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى، وكذلك تأكد الشركات من أن تدهور مستوى التنمية الاجتماعية قد يؤدى إلى هروب رأس المال ويؤثر سلباً على الاستثمار المحلى والأجنب،
كما أن من مزايا تبنى الشركات لبرامج المسئولية الاجتماعية أنها تؤدى الى تحسين سمعة الشركات ومدى مراعاتها للاعتبارات البيئية واهتمامها بالاستثمار البشري، كذلك تسهيل حصولها على الائتمان المصرفى، خاصة فى ضوء استحداث بعض المؤشرات التى تؤثر على القرار الائتمانى للبنوك، مثل مؤشر داو جونز للاستدامة والذى أُطلق عام 1999، كما يساعدها على بناء علاقات قوية مع الحكومات، مما يساعد فى حل المشكلات أو النزاعات القانونية التى قد تتعرض لها أثناء ممارستها لنشاطها الاقتصادى، وغيرها من المزايا مثل زيادة إنتاجية العاملين وارتفاع مستوى أجورهم وزيادة ولائهم للشركات التى ترفع من مستوى التنمية المجتمعية المحيطى وتفاعل السكان المستفيدين معها.
فشركة TNT العالمية سخرت قدرتها اللوجيستية فى تقديم العون لبرنامج الغذاء العالمى فى توصيل مواد الإغاثة الإنسانية لضحايا تسونامى فى إندونيسيا عام 2004، وضحايا الزلازل فى باكستان والهند فى 2005، كما قامت بتنظيم مسيرات لجمع التبرعات النقدية لبرنامج الغذاء العالمى ورفع درجة الوعى بإبعاد مشكلة نقص الغذاء عالمياً.
وعلى المستوى المحلى، هناك العديد من الشركات والمؤسسات المصرفية المصرية لديها برامج للمسئولية الاجتماعية مثل مؤسسة البنك التجارى الدولى ولها جهد واضح فى هذا المجال، ومؤسسة أبوالعينين للنشاطين الخيرى والاجتماعى، مؤسسة سويرس لتنمية المجتمع ومؤسسة محمد فريد خميس لتنمية المجتمع، كلاهما تقدم خدمات فى مجال التعليم (تقديم منح مجانية للمتفوقين والنابغين من أبناء مصر) وغيرها، ولكنها جهود غير كافية لحجم التنمية الحقيقة المستدامة التى تحتاجها دولة بحجم مصر ونحتاج المزيد منها، وانتشار مثيلتها عبر المحافظات فى مجال الصحة والتعليم والمرافق.. فالمحافظات تعانى من نقص فى الخدمات.. إلى جانب جهود مؤسسات المجتمع المدنى مثل رسالة ومصر الخير وغيرها.. وإعادة توجيه جهودها إلى الأماكن الأكثر احتياجاً.
كما لابد من حسن استغلال الدور الاجتماعى للشركات من خلال إعادة صياغة علاقة الدولة بالقطاع الخاص كشرك رئيسى فى تحقيق التنمية الاقتصادية والمجتمعية، ولتقليل العبء من على كاهل الدولة، على أن تقوم الأخيرة بتهيئة المناخ الملائم لنمو القطاع الخاص.
وما نبغى الا إصلاحا