اقتصادنا يا تعبنا….. الحلقة 49..
لا شك أن حادثة تصادم القطارين التى راح ضحيتها العديد من الموتى والمصابين جراء هذا الحادث يدعونا جميعاً إلى التفكير فى إعادة صياغة أولويات الإنفاق ليجعل من الإنفاق على التعليم والصحة والمرافق على سلم الأولويات، لأنها الخدمات التى تهم المواطن العادى (فقير ومتوسط) بالأساس وهى نسبة تزيد على 90% من الشعب المصرى.
واذا كان التعليم والصحة على مقدمة الأولويات فلا شك أن إصلاح وتطوير جميع المرافق مهم للغاية ليشعر المواطن بحماية الدولة الدولة فى الاحتياجات الاساسية لحياة كريمة.. فما حدث من حوادث للقطارات على صعيد السنوات الماضية لا يليق بكرامة المواطن وحياته التى يدفعها ثمنا لتهالك وفساد ومنظومة النقل..
إن حادث تصادم القطارين الأخير ليثير فى النفس ما اثاره حادث العبارة منذ سنوات عديدة ذهبت بسببها العديد من الأرواح البريئة من مختلف الأعمار فى حين تسبب بإصابات عديدة للكثيرين.. نتيجة للإهمال والتسيب والفساد الذى اصاب منظومة النقل.. كغيرها من باقى المنظومات التى تحتاج إلى إصلاح جذرى.. لاشك أنها تركة ثقيلة، ولكن لابديل عن الدخول فى عش الدبابير وإصلاح هذه التركة أياً كانت الظروف.
ان تجنب حادثة القطارين كان من السهولة بمكان لو قام سائق القطار ومن معه بإبلاغ المركز الرئيسى للأعطال لانتشال القطار قبل وقوع الحادث الفجيع.. لو أن هناك شبكة اتصالات (سلكية ولاسلكية ونظم معلومات جغرافية GIS قوية) بين كل القطارات والمركز الرئيسيى مربوطة بأجهزة إنذار مبكر ونظم إدارية قوية لإدارة المخاطر لاستطعنا بكل سهولة تجنب مثل هذه الحوادث..
حان الوقت بعد كل هذه الحوادث تبنى خطة تطوير لجميع شبكات النقل بدءاً من السكة الحديد اسوة بشبكة الطرق التى يتم تطويرها.. وأسوة بالمشروعات العملاقة التى استهكلت سيولة كبيرة دون الحديث حينها عن عدم قدرتنا على تدبير اللازم لها.. لا عيب فى وجود مشروعات عملاقة، ولكن لا بد ان يصاحبها تنمية لقطاعات تهم المواطن فى حياته اليومية (مأكله – شرابه – سكنه – مواصلاته – تعليمه – وصحته) كلها تلمس مباشرة جميع أنشطة حياته اليومية.
آن الأوان للحديث عن خصخصة الخدمة أسوة بدول كثيرة فى ضوء الأعباء الكثيرة على الدولة، إن القطارات (سواء فوق الأرض أو تحته) هى أكثر وسيلة استخداماً فى العالم.. سواء لنقل الركاب أو البضائع.
تطوير قطاع النقل يحتاج رؤية واضحة وخطط عمل واقعية تنشد التنافسية فى أداء الخدمة وبأعلى جودة ممكنة، هذا لن يعود على المواطن فقط بل سيعود على السائح والزائر والمستثمر وجميع المنتفعين من تطوير هذه المنظومة ودرءاً وتجنباً لإزهاق مزيد من الأرواح.
خطوط سكك الحديد فى مصر من اقدم سكك الحديد فى العالم وكان يضرب بها المثل وكانت تصل إلى دول عربية قريبة، ما أصاب هذا القطاع ليس وليد اليوم والليلة وتعاقب عليه وزراء وحكومات ولم يحدث له تطوير يرفع من شانه المتردى حتى الآن سواء على مستوى الموارد البشرية العاملة فيه أو البنية الأساسية أو الأصول المتهالكة وقطاع الغيار والصيانة والتشغيل.. وكأن راكبه عفريت.
ليس عيباً أن نقلد دولاً فى تجاربها الإصلاحية أو نأت بمن قاموا ببناء منظومة السكك الحديد بها وإعطائهم حق إدارة لفترة زمنية مع خلق جيل جديد من المصريين يدرب عليها ونقل الخبرة إليهم، وتنقيح من يعملون بالسكة الحديد حالياً واختيار أفضل العناصر أو العناصر التى يمكن تدريبها والتخلص من الباقى الذى لم يعد صالحاً.. واعتراه الصدأ.. بحيث لا يجدى معه التطوير.. لم يعد الاهتمام بالعنصر بالبشرى من الرفاهية بل اصبح لزاما لتحقيق تنمية حقيقة مستدامة وتطوير الأطر المؤسسية والتشغيلية التى تساعد على تحقيق تلك التنمية.. لذا لا بد من إعادة النظر فى الإنفاق التنموى كماً وكيفياً ليحقق الإصلاح المنشود.
وما نبغى إلا إصلاحا