يعرف هؤلاء، ممن اختبروا أو درسوا الأزمات فى الدول النامية، سماتها المحددة. فهى يمكن أن تأخذ وقتاً طويلاً جداً لتتطور، ولكن بمجرد انفجارها، تميل إلى الانتشار بسرعة وعلى نطاق واسع، ولا تفرق بين فئة أصول وغيرها.
وخلال تلك العملية من الانهيارات المتلاحقة، تنقلب الأحوال المالية الكلية رأساً على عقب، وتركع مصانع الائتمان الخاصة التى كانت لا تقهر فى وقت من الأوقات على ركبتيها. وتواجه البنوك المركزية والحكومات خيارات سياسية قاسية وغير يقينية. علاوة على ذلك، يأخذ صناع السياسة فى اعتبارهم خطورة «التوقف المفاجئ» للنشاط الاقتصادى، وهو ما يمكن أن يدمر سوق العمل والتجارة والاستثمار.
ويصبح تنظيم استجابة شاملة بما يكفى للضغوط المالية القصوى صعباً، فى حالة عدم القيام بما يكفى فى الأوقات الجيدة لضمان النمو المستدام والشامل، ويصبح الأمر أكثر صعوبة، خصوصاً عندما يلعب صناع السياسة لعبة إلقاء اللوم، وفى النهاية تصبح التأثيرات الاجتماعية السياسيَّة والمؤسسيَّة لأزمة أكثر دواماً من الأزمات الاقتصادية والمالية.
وكل هذه الدروس، كانت ستصبح مفيدة لصناع السياسة فى العالم المتقدم منذ عشر سنوات، عندما جمَّد بنك «بى إن بى باريبا» أموالاً بقيمة 2.2 مليار دولار فى 9 أغسطس 2007، حينما كان من الواضح أن مزيداً من المشكلات المالية قادمة، ولكن صناع السياسة توصلوا لاستنتاجات خاطئة، لسببين رئيسيين:
الأول.. استغرق الأمر وقتاً طويلاً من الساسة ليستوعبوا عدم الاستقرار الكامن فى النظام المالى، والذى تراكم تحت مراقبتهم.
ثانياً.. لم يكن صناع السياسة فى العالم المتقدم مقتنعين بفكرة أنهم ينبغى أن يتعلموا من خبرات الدول الناشئة.
ولسوء الحظ.. هذه المشكلات لم يتم حلها بالكامل، وفى الواقع، كانت هناك خطورة متزايدة من أن الساسة، الذين كان معظمهم مشغولين عن مسئولياتهم فى إدارة الاقتصاد ويتجنبونها، لا يرون أكبر الدروس الاقتصادية على مر التاريخ ألا وهو أهمية نموذج النمو لاقتصاد ما.
وبالفعل، لا يزال صناع السياسة، اليوم، يتجاهلون حدود النموذج الاقتصادى الذى يعتمد بشدة على التمويل لخلق نمو مستدام وشامل. ورغم اتضاح هذه الحدود خلال السنوات العشر الماضية، فإنَّ صناع السياسة لم يعززوا بما يكفى نموذج النمو الذى يعتمد عليه اقتصادهم، وبدلاً من ذلك، تصرفوا وكأنما الأزمة ناتجة عن صدمة دورية، وافترضوا أن الاقتصاد سوف يتعافى بعدما يصل إلى القاع، مثلما يحدث عادة بعد فترة من الركود.
ونظراً إلى أن صناع السياسة كانوا مأخوذين فى البداية بالتفكير الدورى، لم يعتبروا الأزمة المالية شيئاً جديداً من نوعه سيستغرق وقتاً طويلاً، ونتيجة ذلك، صمموا استجاباتهم السياسية، لتكون «موقوتة، ومستهدفة، ومؤقتة».
وفى الأخير، اتضح أن المشكلة تتطلب حلاً أوسع بكثير وهيكلياً وطويل الأجل، ولكن فى هذا الوقت، انغلقت نافذة فرص التحركات السياسية الجريئة.
ونتيجة ذلك، اتخذت الأسواق المتقدمة وقتاً طويلاً للغاية للعودة إلى مستويات نمو الناتج المحلى الإجمالى قبل الأزمة، ولم يتمكنوا من إطلاق إمكانات نموها بالكامل. والأسوأ من ذلك، لم يكن النمو الذى حققته فى السنوات السابقة للأزمة شمولياً، واستمرت الفجوات الواسعة فى الدخل والثروة والفرص فى العديد من الدول المتقدمة.
وكلما استمر هذا الاتجاه، ازدادت معاناة فرص النمو المستقبلي، وما كان سابقاً لا يخطر على بال، مالياً وسياسياً، سيصبح ممكناً بل مرجحاً.
وبعد 10 سنوات من بداية الأزمة، لم تتحول الاقتصادات المتقدمة بشكل حاسم عن نموذج النمو شديد الاعتماد على السيولة والاستدانة والذى كان مصدرهم فى السابق من المؤسسات المالية الخاصة والآن من البنوك المركزية.
ولا يزال يتعين على الساسة، القيام باستثمارات كافية فى البنية التحتية والتعليم والرأسمال البشرى بشكل عام. كما أنهم لم يعالجوا التشوهات المعوقة للنمو التى تقوض كفاءة الأنظمة الضريبية والوساطة المالية، والتجارة، وفشلوا فى مواكبة التكنولوجيا والاستفادة من الفوائد المحتملة للبيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعى، والأشكال الجديدة من التنقل، وإدارة المخاطر المحتملة بشكل فعال.
وتأخر صناع السياسة فى العالم المتقدم، فى دراسة الرؤى من الاقتصادات الناشئة وتطبيقها على اقتصاداتهم المحلية. ولكن لديهم الآن الدلائل والقدرة التحليلية على القيام بذلك، ولا يزال بإمكانهم تجنب المزيد من خيبة الأمل، واستغلال مصادر النمو المستدام، ومعالجة المستويات المقلقة اليوم لعدم المساواة، بمعنى آخر لا تزال الكرة فى ملعب النخبة السياسية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع «بروجكت سينيديكت».