على مدار 22 عاماً مضت، حظيت بالمشاركة فى كل مؤتمرات يورومنى مصر السنوية، وخلال تلك الدورات المتعاقبة التقيت العديد من الخبراء المصريين والدوليين، وصنّاع القرار، الذين استعرضوا خلال دورات المؤتمر نماذج مختلفة للتنمية الاقتصادية فى مصر. لقد مرت مصر بتحديات هائلة وأوقات عصيبة على المستويين الاقتصادى والسياسى خلال السنوات الأخيرة، بل إنّ مصر تغيرت بدرجة لا يمكن تصورها منذ زرتها لأول مرة عام 1994. وسيتفق الكثيرون معى فى أنّ مصر أضاعت العديد من الفرص الثمينة وسلكت سبلاً خاطئة طوال هذه الفترة، وأصبحت الحاجة للتغيير والتنمية الآن أقوى من أى وقت مضى.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أى اقتصاد، خاصة إذا كان كبيراً ومعقداً مثل الاقتصاد المصري، لا يتغير بسرعة. فإذا كنا نرغب فى إحداث تغييرات حقيقية، فعلى مصر وكل المصريين التعرف على شكل وطبيعة الرحلة التى قرروا القيام بها، والأهم من ذلك التعرف على ملامح الوجهة النهائية لتلك الرحلة. ففى الوقت الذى ينظر فيه الكثيرون باستهانة للعديد من الخطط التنموية، ومن بينها رؤية مصر 2030، إلا أننى أعتقد أنّ الخطط القومية تلعب دورا حيويا فى تحديد توجهات وهوية البلاد الاقتصادية- إنها تمثل بوصلة لتوجيه الأعمال والقرارات الاستثمارية.
ومع غياب الرؤية المستقبلية للاقتصاد على المستوى القومي، تصبح السياسات الاقتصادية بمثابة محاولة بائسة لمواجهة الكوارث فقط. إننى أشعر بذلك بشكل قوى فى المملكة المتحدة الآن، خاصة بعد أن وجدنا أنفسنا فجأة على أعتاب حياة جديدة خارج الاتحاد الأوروبى دون وجود أية مؤشرات محددة لتوجهاتنا المستقبلية. إنّ هذه الدرجة من عدم التأكد تؤثر بالسلب على اقتصادنا ومجتمعنا.
وعلى العكس من المملكة المتحدة، فإنّ مصر لديها رؤية 2030- وهى عبارة عن مجموعة من المبادئ والأهداف العامة والطموحة، وليست مجرد استراتيجية نظرية وخطط غير محددة. وعلى الرغم من أنّ أهداف هذه الخطة جيدة وطموحة، إلا أننى أشعر بأنّ رؤية مصر 2030 هى رؤية لما يجب أن تكون عليه مصر عام 2017، وليس ما يجب أن تكون عليه البلاد فى 2030!!
إنّ ما يقلقنى حقيقة أنّ مصر مازالت تؤمن أنّ النماذج الاقتصادية التى كانت مطبقة فى الفترة من 1990 حتى 2015 ستكون صالحة للتطبيق فى بيئة الاقتصاد العالمى خلال عام 2030. لقد افترضت مصر وهى تعيد هيكلة اقتصادها ليصبح نموذجاً للاقتصاد الحديث الذى يتمتع بقدرات متنوعة، أنّ الاقتصاد العالمى سيظل ثابتاً ومستقراً بدرجة ما فى المستقبل، أو بمعنى آخر ترى مصر أنّ ما يتسم بالتنافسية اليوم سيظل تنافسياً أيضاً خلال 2030.
إنّ هذه الفرضية خطيرة بالفعل.
فالأمم الناجحة والتى تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار فى المستقبل، هى الأمم التى تستطيع التعامل مع العديد من الظواهر والمتغيرات مثل معالجة البيانات الرقمية الهائلة، واستيعاب التطور فى قدرة الآلات على التعلم، والضغوط البيئية، وموازنة التفاوت فى الدخول، والأمان الشخصي، والخصوصية الفردية، والتلاعب بالجينات، والملل والشيخوخة، والأمراض، والذوبان الثقافى وغيرها. فخلال السنوات القليلة القادمة سيشهد العالم صعود عدد من الاقتصاديات العالمية الجديدة وظهور نماذج اقتصادية ومجتمعية تلائم العصر الرقمى الذى نعيشه…..
لقد بدأ هذا بالفعل الآن…. فحالياً تتم مناقشة «حرية تدفق المعلومات» لتصبح جزءا من صفقات التجارة الحرة المبرمة بين الاتحاد الأوروبى واليابان، وتم اقرار راتب أساسى لكل مواطن فى فنلندا بغض النظر عن عمره أو مكانته الاجتماعية، كما تتوافر الآن الملكية الشخصية للبيانات (والعوائد المرتبطة بها) من خلال شركات ناشئة مثل Pillar (www.pillarproject.io)
إنّ مقولة «إن النظرة المستقبلية لا تقل أهمية عن تقييم الوضع الحالي» تنطبق تماماً على الحالة المصرية. فهناك العديد من الخطوات القانونية والتشريعية التى يجب على مصر اتخاذها الآن ومن شأنها وضع مصر والمصريين فى المكانة التى يستحقوها عام 2030.
باختصار يجب أن تكون لدى مصر رؤية صحيحة لعام 2030 حتى تتمكن من الوصول لأهداف 2030 ستتم مناقشة هذه الموضوعات وغيرها خلال مؤتمر يورومنى مصر الذى يُقام بالقاهرة على مدار يومى 18 و19 سبتمبر 2017.
ريتشارد بانكس
مستشار تحرير مؤتمرات يورومني
الآراء التى يتضمنهاالمقال تعبر عن رأيه الشخصى