اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة (51).. مصر والشمول المالى..
اختتمت الحلقة الماضية بالقول بأنه من الصعب تصور استمرار الاستقرار المالى مع وجود نسبة متزايدة من المجتمع والقطاع الاقتصادى التى لا تزال مستبعدة من الناحية المالية (مثل سكان المناطق الريفية، مجموعة من الأقل حظا فى المناطق الحضرية الفقيرة، والفقراء).
ويوحى ذلك إلى وجود ارتباط وثيق بين الاستقرار المالى والشمول المالى فى كلا الاتجاهين؛ حيث يؤكد العديد من الخبراء أن الشمول المالى يساعد على تحسين الظروف المالية ورفع مستوى معيشة الفقراء كما يؤدى إلى منشآت قطاع عائلى وقطاع أعمال صغيرة أكثر قوة من خلال التنمية المالية التى تدعم الاستقرار الاجتماعى والسياسي، مما يؤدى بدوره إلى زيادة استقرار النظام المالي.
كما يمكن للشمول المالى أن يحسن من كفاءة عملية الوساطة بين الودائع والاستثمارات؛ فضلا عن زيادة نصيب القطاع المالى الرسمى على حساب القطاع غير الرسمى بما يدعم فاعلية السياسة النقدية ويلاحظ أن تنوع محافظ الأصول والالتزامات يعزز من توزيع المخاطر وتفادى تركزها على جانب الالتزامات، تفترض بعض الدراسات أن القطاع المالى الشامل عادة يتميز بقاعدة ودائع مستقرة إذا كانت أكثر تنوعا، حيث ثبُت أن الزيادة بنسبة 10% من نصيب الأفراد القادرين على الحصول على خدمة الودائع المصرفية قد يؤدى إلى تخفيف أو الحد من معدلات سحب الودائع بنحو 3-8%.
كما أن المدخرين ذوى الدخل المنخفض يتجهون إلى الحفاظ على الودائع خلال فترات الأزمات وبالتالى فإن ودائع العملاء ذوى الدخل المنخفض تعتبر عادة مصدر مستقر للتمويل فى حالة نفاذ المصادر الأخرى أو صعوبة الحصول عليها. إلا أنه فى أوقات الشدة أو الأزمات المالية قد يقوم المدخرون ـ خاصة المدخرين الكبار ـ بسحب ودائعهم من البنوك، بما يؤثر سلبا على أوضاع السيولة فى القطاع المصرفى بصفة عامة، ويمكن الحد من ذلك إذا كانت الودائع أكثر تنوعا. ويتحقق هذا التنوع عن طريق الحصول على الودائع المصرفية من عدد أكبر من الأفراد الأمر الذى يؤدى بدوره إلى زيادة تحقيق الشمول المالي.
وبناء عليه، فإن تحقيق نطاق أوسع من الشمول المالى فى الودائع المصرفية يؤدى إلى استقرار قاعدة الودائع وبالتالى تحسين مرونة التمويل والاستثمار بالقطاع المصرفى بما يؤثر بشكل إيجابى على أوضاع السيولة وبالتالى يدعم الاستقرار المالى بشكل عام، كما أن الشمول المالى يؤدى إلى توجيه الأرصدة الخاملة إلى استخدامات أكثر إنتاجية وتحويلها إلى ودائع تدر عائد.
وعلى جانب الأصول، تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن خسائر القروض الصغيرة تشكل مخاطر نظامية أقل من الخسائر المحققة من القروض الكبيرة؛ وبالتالى فإن زيادة الشمول المالى من حيث تيسير منح ائتمان القروض الصغيرة يؤدى إلى قدر أكبر من الاستقرار على مستوى مقدمى الخدمات المالية.
وقد ثبُت أن الشمول المالى قد يؤدى إلى تغيير بنية النظام المالى ودعم كفاءته فيما يتعلق بالمنتجات والمعاملات التى يتم استحداثها، والعملاء الذين يستخدمون الخدمات المختلفة، والمخاطر الجديدة الناشئة وكذا المؤسسات التى أنشئت أو توسعت فى الأسواق الجديدة. كما أكد بعض الدراسات أنه فى الدول ذات المستويات العالية من الاستبعاد المالى Financial Exclusion، فإن الخدمات المالية غير الرسمية التى يعتمد عليها القطاع العائلى والشركات تُعد بدائل غير مجدية عن الخدمات الرسمية، وقد تكون الخدمات المالية غير الرسمية فى حد ذاتها مصدر لعدم الاستقرار المالي.
وقد أدركت العديد من المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية أن الاستبعاد المالى يُعتبر من أهم المخاطر التى تواجه الجهود المبذولة فى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لذا هنا أهمية كبيرة فى الربط بين النزاهة المالية والشمول المالى المؤيد للاستقرار؛ حيث إن تشجيع المعايير الدولية النزاهة المالية على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتساند مكافحة الجريمة.
ويعتبر التنفيذ غير الصحيح لهذه المعايير فى الأسواق الناشئة عاملا أساسيا فى استبعاد ملايين من أصحاب الدخول المنخفضة من الخدمات المالية الرسمية نتيجة امتناع البنوك عن التعامل معهم فى حالة عدم اكتمال بياناتهم، وبالتالى اللجوء إلى الخدمات المالية غير الرسمية، ما يؤثر على التقدمين الاجتماعى والاقتصادى ويعوق الجهات الرقابية القائمة على تنفيذ هذه القوانين من تعزيز النزاهة المالية نظرا لتعذر القدرة على تتبع حركة الأموال.
وللحديث بقية..
وما نبغى إلا اصلاحا