عندما تبيع منزلك لتأكل، ستبحث يوماً ما عن لقمة بجوار الجدار، وفى محاولة للإفلات من ذلك اليوم، تسعى المملكة العربية السعودية، بقيادة أميرها الشاب محمد بن سلمان، ولى العهد، إلى وضع البلاد على مسار أكثر حداثة اقتصادياً واجتماعياً، لا يعتمد على عائدات بيع البترول لإطعام شعبه ليكمل مسيرة عمه الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ثبت فى يقين المملكة، أن استمرار الإنفاق ببذخ على المواطنين يقيد مسيرة تطوير الاقتصاد، وخطط تنويعه للتخلى عن إدمان البترول، وبدأت مسيرة من القرارات الصعبة، منها تقليص الدعم، وقد أنعش المرسوم الملكى بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة آمال التيار الليبرالى داخل نظام الحكم فى أن تكون التحركات المقبلة بخطوات أسرع.
ويعتبر قرار بيع 5% من أسهم شركة أرامكو، أكبر شركة بترول فى العالم مشهداً مصغراً لاستراتيجية عامة نحو تحرير بلاد نجد والحجاز من قيود دينية وسياسية عرقلت مسيرتها التقدمية من وجهة نظر الحداثيين فى المملكة.
ويأمل الأمير الشاب فى جمع 100 مليار دولار من بيع حصة محدودة من أسهم أرامكو، لكن ذلك يعنى تبنى سياسة شفافية وإفصاح، وفقاً لقواعد سوق المال العالمية، وهو أمر صعب على شركة تديرها الدولة، خصوصاً إذا كان شعارها الأساسى فى العمل طوال 80 عاماً هو «سرى للغاية».
ويمثل خلع أرامكو النقاب جوهرة تاج الحكم الملكى عن ميزانيتها والمعلومات المتعلقة بالإدارة وصنع القرار رسالة بأن عجلة الحداثة دارت، ولن يخرج عنها أحد مهما كان.
وتمتلك المرأة السعودية 25% من حصة الموظفين، ومن المقرر رفعها إلى 40%، كما أنهن لا يرتدين النقاب الزى شبه الرسمى للسيدات فى الممكلة، بل وتحتل بعضهن مناصب قيادية، يعمل تحت إمرتهن عشرات الرجال، وتعد اللغة الإنجليزية هى السائدة داخل أروقة الشركة.
ويتوقع الخبراء، أن نجاح تجربة طرح أسهم أرامكو فى البورصات العالمية سيكون له تداعيات سياسية واجتماعية، فضلاً عن الاقتصادية، لما ستقدمه من دفعة للمشروع السياسى الليبرالى الذى يقوده محمد بن سلمان. ومن المتوقع، أيضاً، امتدد هذه التأثيرات إلى منطقة الشرق الأوسط، وكذلك دوائر الاقتصاد العالمى.
مزيد من التفاصيل فى الملف التالى
نجاح اكتتاب أرامكو يغير وجه المنطقة
عندما تتحرر أسهمها فإن شركة البترول السعودية ستكون أكبر خمس مرات من آبل، ولذلك يسعى المحلل هاميش ماكرى فى صحيفة ذى اندبندنت البريطانية لاستكشاف ما يمكن أن يعنى ذلك خارج المملكة.
وقال المحلل ان هذا الحجم الهائل من الطرح (100 مليار دولار لحصة 5% فقط) سوف يغير الكثير إن لم يكن للعالم فعلى الأقل للمملكة وللمنطقة وقطاع النفط. فماذا يعنى ذلك؟
هناك على الأقل ثلاث قصص هنا. الأولى هى حاجة المملكة العربية السعودية إلى تقليل الاعتماد على البترول واستخدام ثرواتها لتمويل التنويع الاقتصادي. والثانية هى أثر ذلك على التمويل العالمي. والثالثة، تتجاوز الاقتصاد وتتعلق بالتأثير على الشرق الأوسط بشكل عام.
والمشكلة السعودية هى مشكلة مألوفة، حيث يؤثر الاعتماد على صناعة واحدة على أنشطة أخرى. وقد أطلق عليها اسم «المرض الهولندي»، لأنه عندما وضعت هولندا لأول مرة غاز بحر الشمال، دفعت الأجور والتكاليف الأخرى وجعلت بقية الاقتصاد غير قادرة على المنافسة. وقد نجحت هولندا فى خطط الاصلاح لأن لديها مجتمعا مدنيا قويا، وعلى أية حال، فإن صناعة الطاقة هيمنت دائما وأبدا على ما تفعله السعودية وكذلك روسيا اكثر من اى مكان اخر. ولمواجهة ذلك، أعلن ولى العهد السعودي، محمد بن سلمان، خطة رؤية 2030 التى تنطوى على جمع الأموال من خلال بيع جزء من أرامكو لتمويل الصناعات الأخرى وبناء ما تهدف إلى أن تصبح أكبر صندوق ثروة سيادية فى العالم. وبالتالي، تتم إعادة استثمار جزء من المال فى البلاد وجزء فى الخارج.
ويشير الأمير سلمان الذى يبلغ من العمر 30 عاما وقائد الجيل المقبل من العائلة المالكة الحاكمة الى الاستثمار فى السياحة والرعاية الصحية والتصنيع والتعليم.
ويتمثل أحد الأهداف فى زيادة حصة القطاع الخاص من الاقتصاد من 40% إلى 65%، وإذا حدث ذلك، فإن الرياض سوف تصبح أكثر طبيعية لتشبه الاقتصادات المتنوعة. وهذا سيغير حتما ثقافة الأمة أيضا.
أما القضية الثانية، وهى التأثير على التمويل العالمي، فهى تنقسم إلى جزءين أولهما الاكتتاب نفسه لأنه اختبار لكمية المستثمرين الذين يريدون الاستثمار فى قطاع ناضج وسط مخاوف تراجع الطلب على الوقود الأحفوري.
الجزء الثانى مرتبط بصندوق الثروة السيادية، فهو موجود بالفعل، وقد نال مخلبه من الأسواق العالمية فيمكن للأموال السيادية أن تدعم الاستثمارات طويلة الأجل اكثر او الاستمثار فى الأصول البديلة فى مجال الطاقة للتحول نحو الوقود النظيف.
وأخيرا هناك تأثير على المنطقة فإذا أصبح الاقتصاد السعودى أكثر اتساعا فى نطاقاته فمن ثم سيؤثر على جيرانه فعلى المستوى العملى إذا أثبتت تجربته أنه الاكتتاب وسيلة فعالة لجمع الأموال فمن المتوقع من حكومات أخرى السيطرة على شركات البترول الوطنية لبيع بعض تلك الأسهم أيضا. وهذا يعنى المزيد من التدقيق فى أنشطتها، لأنه إذا كنت تبيع أسهما للمستثمرين العالميين لديك للامتثال للمعايير المحاسبية والقانونية الدولية. ما سيحدث فى أرامكو سيصبح قوة حدثية للمنطقة.
هل يغير طرح «أرامكو» تجارب المستثمرين السيئة مع الشركات المملوكة للحكومات؟
تساؤلات حول مدى الشفافية الذى ستلتزم به الشركة بعد طرحها تحسم مستقبل الاستثمار فيها
منذ أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن تحرير شركتها الرائدة فى مجال البترول «أرامكو» ليتم تداول أسهمها فى النور سأل المستثمرون فى جميع أنحاء العالم متى وأين سيتم إدراج أسهم الشركة، وذلك لأن تقييمها بأكثر من تريليونى دولار يمكن أن يجعلها صاحبة أكبر اكتتاب عام على اﻹطلاق.
فى الواقع، رغم أن الحكومة السعودية ستطرح فقط 5% من «أرامكو» إلى الجمهور، فإن الاكتتاب العام لايزال أكبر أربع مرات من شركة على بابا القابضة المحدودة الصينية التى حققت رقماً قياسياً 25 مليار دولار فى اكتتابها العام، لكن شركة «أرامكو» لم تقم بعد باختيار البورصات لإدراج أسهمها، وهذا يعنى أن تاريخ الطرح لايزال معلقاً فى الهواء.
وقال الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى، إن الحكومة تستعد للاكتتاب عام 2018، ولكن صحيفة وول ستريت جورنال رجحت أن يكون فى 2019.
وتأتى تعقيد إجراءات الاكتتاب نظراً لحجمه الهائل والطبيعة الفريدة للشركة التى تديرها دولة لأنها ستكون واحدة من أكبر الشركات المتداولة فى العالم بأكثر من ضعف حجم أكبر شركة على المؤشرات الأمريكية وهى شركة أبل فى مؤشر ناسداك.
لكن «أرامكو» السعودية لن تقزم أبل فقط، بل ستكون أكبر من منافسيها فى قطاع الطاقة العالمى وستكون القيمة السوقية لشركة «أرامكو» أكبر من شركة رويال داتش شل بى إل سى وشركة إكسون موبيل وشركة بريتش بتروليوم وشركة شيفرون المدرجين فى بورصة نيويورك، ويطرح تقرير صادر معهد بروكينجز للأبحاث عدة تساؤلات حول الطرح العام وتداعياته الداخلية والخارجية.
فى البداية يناقش مستوى الشفافية للاكتتاب وهى قضية تتعلق بإتاحة المعلومات عن شركة كانت تعمل تحت شعار «سرى للغاية» فلم تكن الشركة بحاجة مطلقا إلى الكشف عن أى نوع من البيانات المالية، لكنها فى الآونة الأخيرة جلبت مدققين مستقلين للتحقق من احتياطياتها بعد أن كانت تفاصيل الاحتياطيات أسرار خاضعة للحراسة المشددة.
ويقول التقرير، إنه على الرغم من الجهود المبذولة لإتاحة المعلومات، فإن أجزاء واسعة من عمليات «أرامكو» تبقى غامضة، ففى مايو الماضى، أكد ولى العهد محمد بن سلمان فى التليفزيون الحكومى، إن القرارات المتعلقة بإنتاج البترول والغاز والاستثمار ستبقى فى يد الحكومة السعودية بعد الاكتتاب العام.
وتؤدى زيادة الشفافية إلى زيادة قيمة «أرامكو» من خلال تقليل مخاطر الاستثمار ومع ذلك، فإن البعض داخل المملكة، خاصة فى العائلة المالكة، قد لا يريدون الشفافية الكاملة فى عمليات الشركة.
ويظل تقييم «أرامكو» موضع سؤال كبير فرغم المميزات الاستثمارية وحجم الاصول والاحتياطات النقدية والخام، إلا أن تجارب العالم مع الشركات المملوكة للدولة تقلل من قيمة الأسهم بسبب المخاطر السياسية وشبهات الفساد كما حدث مع شركة بتروبراس البرازيلية وروسنيفت الروسية حيث تراجعت تسعيرة أسهمها.
بالإضافة إلى ذلك تتسع انشطة «أرامكو» فى المملكة بعيداً عن البترول وتصل لمشاريع رفيعة المستوى، بما فى ذلك ملاعب كرة القدم والمستشفيات، وتعمل أيضاً على تنويع محفظتها ووقعت صفقات مع الشركات الأمريكية خلال زيارة الرئيس ترامب الأخيرة بما يقرب من 50 مليار دولار بعضها لم يشمل مباشرة البترول مثل بناء مجمع جديد لبناء السفن فى المملكة العربية السعودية، وقد تؤثر هذه الوظائف غير الأساسية سلبا على تقييم الشركة.
من جهة أخرى يشوب الاكتتاب العام لشركة «أرامكو» شعوراً بالقلق إزاء انخفاض الطلب على البترول، مما سيؤدى إلى تآكل قيمة الشركة حيث تتوقع تقارير تراجع الاستهلاك العالمى ابتداءً من 2030.
ومع ذلك، تنتشر مقولة شهيرة بأن آخر برميل بترول فى العام ستنتجه السعودية وهى مقولة شائعة فى اوساط قطاع الطاقة وبالنظر إلى تكاليف الإنتاج المنخفضة جدا فى المملكة واحتياطياتها الضخمة، يمكن أن يكون ذلك صحيحاً.
ويشير التقرير إلى تاثير سياسة الضرائب وتوزيعات الأرباح على قيمة الأسهم وهى مسألة أخرى مفتوحة للنقاش حيث ستدفع «أرامكو» 20% من ضرائب الإيرادات و50% ضريبة دخل، مع تخفيضها من 85% بعد إعلان الاكتتاب.
وتمثل هذه الخطوة تغييراً هيكلياً فى كيفية حصول الحكومة على إيرادات من شركة «أرامكو»، حيث ستخصم من مدفوعات الضرائب بشكل أساسى، ويهدف هذا التغيير أيضاً إلى مواءمة مصالح الحكومة بشكل أكبر مع مصالح المساهمين، حيث أن كلاً منهما سيحصل على أموال من خلال تقاسم الأرباح.
فى الوقت نفسه، تظل قيمة الطرح موضع الخلاف الأكبر ففى مارس من عام 2016، قال محمد بن سلمان، إن «أرامكو» تستحق ما لا يقل عن تريليونى دولار، لكن فى أوائل 2017 قدرت استشارات الطاقة فى مؤسسة وود ماكينزى قيمة «أرامكو» بنحو 400 مليار دولار.
ومن الواضح، أن التقييم غير مؤكد ولن يكون واضحاً حتى يتم بيع الأسهم بالفعل، ولكن يبدو أن التوافق العام فى الآراء يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار.
وينوه التقرير إلى حيرة البعض فى الإجابة على مكان الطرح المنتظر فالطرح محلياً فى سوق الرياض للأوراق المالية، والمعروفة باسم تداول سيخضع السوق لتغييرات كبيرة وتطويرات فى إطار التحضير لاكتتاب 5% فقط من اسهم «أرامكو» وخصخصة الصناعات السعودية الأخرى، وتعديل قواعد التسوية، والسماح بالبيع للأجانب، وزيادة قدرة الأجانب على الشراء والبيع فى البورصة.
ويتنافس العديد من البورصات العالمية على نيل شرف هذا الاكتتاب، بما فى ذلك تلك الموجودة فى لندن وهونج كونج وطوكيو ونيويورك.
وتتطلب بورصة لندن عموماً 25% على الأقل من أسهم الشركة فى طرحها، لكنها تدرس إضافة فئة جديدة لتلبية احتياجات «أرامكو» بشكل أفضل، وتعد هونج كونج وطوكيو بدائل جذابة بالنظر إلى أن آسيا هى المكان الذى تحدث فيه غالبية الطلب على البترول.
ويستبعد التقرير الإدراج فى بورصة نيويورك لعدد من الأسباب اهمها إصدار الكونجرس قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) فى أواخر عام 2016.
وقد رفعت عدة دعاوى قضائية فى محاكم فيدرالية أمريكية تحت حكم جاستا مدعية، أن الحكومة السعودية متورطة فى الهجمات الإرهابية التى وقعت فى 11 سبتمبر 2001.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات المدرجة فى بورصة نيويورك أن تمر بمراجعة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وهو مستوى من الشفافية قد لا ترغب إدارة «أرامكو» فى الوصول إليه حالياً.
عندما تبيع منزلك لتأكل، ستبحث يوماً ما عن لقمة بجوار الجدار، وفى محاولة للإفلات من ذلك اليوم، تسعى المملكة العربية السعودية، بقيادة أميرها الشاب محمد بن سلمان، ولى العهد، إلى وضع البلاد على مسار أكثر حداثة اقتصادياً واجتماعياً، لا يعتمد على عائدات بيع البترول لإطعام شعبه ليكمل مسيرة عمه الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
ثبت فى يقين المملكة، أن استمرار الإنفاق ببذخ على المواطنين يقيد مسيرة تطوير الاقتصاد، وخطط تنويعه للتخلى عن إدمان البترول، وبدأت مسيرة من القرارات الصعبة، منها تقليص الدعم، وقد أنعش المرسوم الملكى بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة آمال التيار الليبرالى داخل نظام الحكم فى أن تكون التحركات المقبلة بخطوات أسرع.
ويعتبر قرار بيع 5% من أسهم شركة أرامكو، أكبر شركة بترول فى العالم مشهداً مصغراً لاستراتيجية عامة نحو تحرير بلاد نجد والحجاز من قيود دينية وسياسية عرقلت مسيرتها التقدمية من وجهة نظر الحداثيين فى المملكة.
ويأمل الأمير الشاب فى جمع 100 مليار دولار من بيع حصة محدودة من أسهم أرامكو، لكن ذلك يعنى تبنى سياسة شفافية وإفصاح، وفقاً لقواعد سوق المال العالمية، وهو أمر صعب على شركة تديرها الدولة، خصوصاً إذا كان شعارها الأساسى فى العمل طوال 80 عاماً هو «سرى للغاية».
ويمثل خلع أرامكو النقاب جوهرة تاج الحكم الملكى عن ميزانيتها والمعلومات المتعلقة بالإدارة وصنع القرار رسالة بأن عجلة الحداثة دارت، ولن يخرج عنها أحد مهما كان.
وتمتلك المرأة السعودية 25% من حصة الموظفين، ومن المقرر رفعها إلى 40%، كما أنهن لا يرتدين النقاب الزى شبه الرسمى للسيدات فى الممكلة، بل وتحتل بعضهن مناصب قيادية، يعمل تحت إمرتهن عشرات الرجال، وتعد اللغة الإنجليزية هى السائدة داخل أروقة الشركة.
ويتوقع الخبراء، أن نجاح تجربة طرح أسهم أرامكو فى البورصات العالمية سيكون له تداعيات سياسية واجتماعية، فضلاً عن الاقتصادية، لما ستقدمه من دفعة للمشروع السياسى الليبرالى الذى يقوده محمد بن سلمان. ومن المتوقع، أيضاً، امتدد هذه التأثيرات إلى منطقة الشرق الأوسط، وكذلك دوائر الاقتصاد العالمى.
مزيد من التفاصيل فى الملف التالى
نجاح اكتتاب أرامكو يغير وجه المنطقة
عندما تتحرر أسهمها فإن شركة البترول السعودية ستكون أكبر خمس مرات من آبل، ولذلك يسعى المحلل هاميش ماكرى فى صحيفة ذى اندبندنت البريطانية لاستكشاف ما يمكن أن يعنى ذلك خارج المملكة.
وقال المحلل ان هذا الحجم الهائل من الطرح (100 مليار دولار لحصة 5% فقط) سوف يغير الكثير إن لم يكن للعالم فعلى الأقل للمملكة وللمنطقة وقطاع النفط. فماذا يعنى ذلك؟
هناك على الأقل ثلاث قصص هنا. الأولى هى حاجة المملكة العربية السعودية إلى تقليل الاعتماد على البترول واستخدام ثرواتها لتمويل التنويع الاقتصادي. والثانية هى أثر ذلك على التمويل العالمي. والثالثة، تتجاوز الاقتصاد وتتعلق بالتأثير على الشرق الأوسط بشكل عام.
والمشكلة السعودية هى مشكلة مألوفة، حيث يؤثر الاعتماد على صناعة واحدة على أنشطة أخرى. وقد أطلق عليها اسم «المرض الهولندي»، لأنه عندما وضعت هولندا لأول مرة غاز بحر الشمال، دفعت الأجور والتكاليف الأخرى وجعلت بقية الاقتصاد غير قادرة على المنافسة. وقد نجحت هولندا فى خطط الاصلاح لأن لديها مجتمعا مدنيا قويا، وعلى أية حال، فإن صناعة الطاقة هيمنت دائما وأبدا على ما تفعله السعودية وكذلك روسيا اكثر من اى مكان اخر. ولمواجهة ذلك، أعلن ولى العهد السعودي، محمد بن سلمان، خطة رؤية 2030 التى تنطوى على جمع الأموال من خلال بيع جزء من أرامكو لتمويل الصناعات الأخرى وبناء ما تهدف إلى أن تصبح أكبر صندوق ثروة سيادية فى العالم. وبالتالي، تتم إعادة استثمار جزء من المال فى البلاد وجزء فى الخارج.
ويشير الأمير سلمان الذى يبلغ من العمر 30 عاما وقائد الجيل المقبل من العائلة المالكة الحاكمة الى الاستثمار فى السياحة والرعاية الصحية والتصنيع والتعليم.
ويتمثل أحد الأهداف فى زيادة حصة القطاع الخاص من الاقتصاد من 40% إلى 65%، وإذا حدث ذلك، فإن الرياض سوف تصبح أكثر طبيعية لتشبه الاقتصادات المتنوعة. وهذا سيغير حتما ثقافة الأمة أيضا.
أما القضية الثانية، وهى التأثير على التمويل العالمي، فهى تنقسم إلى جزءين أولهما الاكتتاب نفسه لأنه اختبار لكمية المستثمرين الذين يريدون الاستثمار فى قطاع ناضج وسط مخاوف تراجع الطلب على الوقود الأحفوري.
الجزء الثانى مرتبط بصندوق الثروة السيادية، فهو موجود بالفعل، وقد نال مخلبه من الأسواق العالمية فيمكن للأموال السيادية أن تدعم الاستثمارات طويلة الأجل اكثر او الاستمثار فى الأصول البديلة فى مجال الطاقة للتحول نحو الوقود النظيف.
وأخيرا هناك تأثير على المنطقة فإذا أصبح الاقتصاد السعودى أكثر اتساعا فى نطاقاته فمن ثم سيؤثر على جيرانه فعلى المستوى العملى إذا أثبتت تجربته أنه الاكتتاب وسيلة فعالة لجمع الأموال فمن المتوقع من حكومات أخرى السيطرة على شركات البترول الوطنية لبيع بعض تلك الأسهم أيضا. وهذا يعنى المزيد من التدقيق فى أنشطتها، لأنه إذا كنت تبيع أسهما للمستثمرين العالميين لديك للامتثال للمعايير المحاسبية والقانونية الدولية. ما سيحدث فى أرامكو سيصبح قوة حدثية للمنطقة.
هل يغير طرح «أرامكو» تجارب المستثمرين السيئة مع الشركات المملوكة للحكومات؟
تساؤلات حول مدى الشفافية الذى ستلتزم به الشركة بعد طرحها تحسم مستقبل الاستثمار فيها
منذ أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن تحرير شركتها الرائدة فى مجال البترول «أرامكو» ليتم تداول أسهمها فى النور سأل المستثمرون فى جميع أنحاء العالم متى وأين سيتم إدراج أسهم الشركة، وذلك لأن تقييمها بأكثر من تريليونى دولار يمكن أن يجعلها صاحبة أكبر اكتتاب عام على اﻹطلاق.
فى الواقع، رغم أن الحكومة السعودية ستطرح فقط 5% من «أرامكو» إلى الجمهور، فإن الاكتتاب العام لايزال أكبر أربع مرات من شركة على بابا القابضة المحدودة الصينية التى حققت رقماً قياسياً 25 مليار دولار فى اكتتابها العام، لكن شركة «أرامكو» لم تقم بعد باختيار البورصات لإدراج أسهمها، وهذا يعنى أن تاريخ الطرح لايزال معلقاً فى الهواء.
وقال الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى، إن الحكومة تستعد للاكتتاب عام 2018، ولكن صحيفة وول ستريت جورنال رجحت أن يكون فى 2019.
وتأتى تعقيد إجراءات الاكتتاب نظراً لحجمه الهائل والطبيعة الفريدة للشركة التى تديرها دولة لأنها ستكون واحدة من أكبر الشركات المتداولة فى العالم بأكثر من ضعف حجم أكبر شركة على المؤشرات الأمريكية وهى شركة أبل فى مؤشر ناسداك.
لكن «أرامكو» السعودية لن تقزم أبل فقط، بل ستكون أكبر من منافسيها فى قطاع الطاقة العالمى وستكون القيمة السوقية لشركة «أرامكو» أكبر من شركة رويال داتش شل بى إل سى وشركة إكسون موبيل وشركة بريتش بتروليوم وشركة شيفرون المدرجين فى بورصة نيويورك، ويطرح تقرير صادر معهد بروكينجز للأبحاث عدة تساؤلات حول الطرح العام وتداعياته الداخلية والخارجية.
فى البداية يناقش مستوى الشفافية للاكتتاب وهى قضية تتعلق بإتاحة المعلومات عن شركة كانت تعمل تحت شعار «سرى للغاية» فلم تكن الشركة بحاجة مطلقا إلى الكشف عن أى نوع من البيانات المالية، لكنها فى الآونة الأخيرة جلبت مدققين مستقلين للتحقق من احتياطياتها بعد أن كانت تفاصيل الاحتياطيات أسرار خاضعة للحراسة المشددة.
ويقول التقرير، إنه على الرغم من الجهود المبذولة لإتاحة المعلومات، فإن أجزاء واسعة من عمليات «أرامكو» تبقى غامضة، ففى مايو الماضى، أكد ولى العهد محمد بن سلمان فى التليفزيون الحكومى، إن القرارات المتعلقة بإنتاج البترول والغاز والاستثمار ستبقى فى يد الحكومة السعودية بعد الاكتتاب العام.
وتؤدى زيادة الشفافية إلى زيادة قيمة «أرامكو» من خلال تقليل مخاطر الاستثمار ومع ذلك، فإن البعض داخل المملكة، خاصة فى العائلة المالكة، قد لا يريدون الشفافية الكاملة فى عمليات الشركة.
ويظل تقييم «أرامكو» موضع سؤال كبير فرغم المميزات الاستثمارية وحجم الاصول والاحتياطات النقدية والخام، إلا أن تجارب العالم مع الشركات المملوكة للدولة تقلل من قيمة الأسهم بسبب المخاطر السياسية وشبهات الفساد كما حدث مع شركة بتروبراس البرازيلية وروسنيفت الروسية حيث تراجعت تسعيرة أسهمها.
بالإضافة إلى ذلك تتسع انشطة «أرامكو» فى المملكة بعيداً عن البترول وتصل لمشاريع رفيعة المستوى، بما فى ذلك ملاعب كرة القدم والمستشفيات، وتعمل أيضاً على تنويع محفظتها ووقعت صفقات مع الشركات الأمريكية خلال زيارة الرئيس ترامب الأخيرة بما يقرب من 50 مليار دولار بعضها لم يشمل مباشرة البترول مثل بناء مجمع جديد لبناء السفن فى المملكة العربية السعودية، وقد تؤثر هذه الوظائف غير الأساسية سلبا على تقييم الشركة.
من جهة أخرى يشوب الاكتتاب العام لشركة «أرامكو» شعوراً بالقلق إزاء انخفاض الطلب على البترول، مما سيؤدى إلى تآكل قيمة الشركة حيث تتوقع تقارير تراجع الاستهلاك العالمى ابتداءً من 2030.
ومع ذلك، تنتشر مقولة شهيرة بأن آخر برميل بترول فى العام ستنتجه السعودية وهى مقولة شائعة فى اوساط قطاع الطاقة وبالنظر إلى تكاليف الإنتاج المنخفضة جدا فى المملكة واحتياطياتها الضخمة، يمكن أن يكون ذلك صحيحاً.
ويشير التقرير إلى تاثير سياسة الضرائب وتوزيعات الأرباح على قيمة الأسهم وهى مسألة أخرى مفتوحة للنقاش حيث ستدفع «أرامكو» 20% من ضرائب الإيرادات و50% ضريبة دخل، مع تخفيضها من 85% بعد إعلان الاكتتاب.
وتمثل هذه الخطوة تغييراً هيكلياً فى كيفية حصول الحكومة على إيرادات من شركة «أرامكو»، حيث ستخصم من مدفوعات الضرائب بشكل أساسى، ويهدف هذا التغيير أيضاً إلى مواءمة مصالح الحكومة بشكل أكبر مع مصالح المساهمين، حيث أن كلاً منهما سيحصل على أموال من خلال تقاسم الأرباح.
فى الوقت نفسه، تظل قيمة الطرح موضع الخلاف الأكبر ففى مارس من عام 2016، قال محمد بن سلمان، إن «أرامكو» تستحق ما لا يقل عن تريليونى دولار، لكن فى أوائل 2017 قدرت استشارات الطاقة فى مؤسسة وود ماكينزى قيمة «أرامكو» بنحو 400 مليار دولار.
ومن الواضح، أن التقييم غير مؤكد ولن يكون واضحاً حتى يتم بيع الأسهم بالفعل، ولكن يبدو أن التوافق العام فى الآراء يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار.
وينوه التقرير إلى حيرة البعض فى الإجابة على مكان الطرح المنتظر فالطرح محلياً فى سوق الرياض للأوراق المالية، والمعروفة باسم تداول سيخضع السوق لتغييرات كبيرة وتطويرات فى إطار التحضير لاكتتاب 5% فقط من اسهم «أرامكو» وخصخصة الصناعات السعودية الأخرى، وتعديل قواعد التسوية، والسماح بالبيع للأجانب، وزيادة قدرة الأجانب على الشراء والبيع فى البورصة.
ويتنافس العديد من البورصات العالمية على نيل شرف هذا الاكتتاب، بما فى ذلك تلك الموجودة فى لندن وهونج كونج وطوكيو ونيويورك.
وتتطلب بورصة لندن عموماً 25% على الأقل من أسهم الشركة فى طرحها، لكنها تدرس إضافة فئة جديدة لتلبية احتياجات «أرامكو» بشكل أفضل، وتعد هونج كونج وطوكيو بدائل جذابة بالنظر إلى أن آسيا هى المكان الذى تحدث فيه غالبية الطلب على البترول.
ويستبعد التقرير الإدراج فى بورصة نيويورك لعدد من الأسباب اهمها إصدار الكونجرس قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) فى أواخر عام 2016.
وقد رفعت عدة دعاوى قضائية فى محاكم فيدرالية أمريكية تحت حكم جاستا مدعية، أن الحكومة السعودية متورطة فى الهجمات الإرهابية التى وقعت فى 11 سبتمبر 2001.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات المدرجة فى بورصة نيويورك أن تمر بمراجعة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وهو مستوى من الشفافية قد لا ترغب إدارة «أرامكو» فى الوصول إليه حالياً.