لم تعد أوروبا الرجل المريض فى الاقتصاد العالمى، إذ تتمتع الكتلة المكونة من 19 دولة بأكبر معدلات نمو خلال عقد من الزمان.
وذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، أن الاقتصاديين فى مجموعة «كريدى سويس» والمحللين فى «أوكسفورد إيكونوميكس»، توقعوا أن تتجه منطقة اليورو نحو عصر ذهبى من التوسع فى الوقت الراهن.
وأشارت الوكالة إلى أن هذا التحول المفاجئ، يعد لافتاً للنظر بالنسبة لمنطقة انتقلت من الأزمة المالية العالمية إلى اضطرابات ديونها السيادية ومعدلات بطالة قياسية، وهو ما دفعها نحو انكماش هدد الاتحاد النقدى ذاته.
لكن لا يزال تعويض الخسائر فى السنوات المظلمة مستمراً، رغم الإنتاجية التى لا تزال ضعيفة، فالانتعاش يحمل الأمل فى أن بعض الأمراض الاقتصادية ستتماثل للشفاء.
وقال ناثان شيتس، خبير اقتصادى سابق فى مجلس الاحتياطى الفيدرالى ووزارة الخزانة الأمريكية، إن معدل النمو فى منطقة اليورو فى أفضل حالاته، مضيفاً: «يجب على أصدقائنا فى القارة العجوز أن يتمتعوا به بعد فترة من المجاعة الطويلة».
وأوضح الخبير الاقتصادى لدى مجموعة «أوكسفورد إيكونوميكس» فى لندن، إنجيل تالافيرا، أن هذا التحسن يفتح مجالاً كبيراً للنمو، إذ رفعت المفوضية الأوروبية، الأسبوع الماضى، توقعاتها للنمو فى 2017 إلى 2.2% من تقديرات 1.7% فى مايو.
جاء ذلك فى الوقت الذى رفع فيه الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع «بلومبرج» توقعاتهم للنمو 8 مرات هذا العام. ومن المتوقع أن تظهر البيانات التى ستصدر الأسبوع الحالى، أن المنطقة الأوروبية اكتسبت زخماً أكبر فى الربع الثالث من خلال التوسع بنسبة 0.6%.
وأوضح «تالافيرا»، أنه بعد أكثر من أربع سنوات من معدل التوسع الحالى فإن معظم المؤشرات تشير إلى أنه فى غياب الصدمات غير المتوقعة، سنشاهد عدة سنوات من النمو الاقتصادى.
وذهب صانع السياسة فى البنك المركزى الأوروبى، بينوا كوور، الأسبوع الماضى إلى القول بأنه من حيث التوازن والمتانة، فإن اقتصاد المنطقة فى أفضل حالاته منذ بزوغ فجر اليورو عام 1999، رغم دعوته الحكومات الأوروبية، إلى تنفيذ مزيد من الإصلاحات لدعمها.
وذكرت «بلومبرج»، أن هذه الدورة الحميدة من النمو، يتم تأمينها بشكل رئيسى من جانب البنك المركزى الأوروبى، الذى تخلص من أزمة الديون وينتهج، حالياً، سياسة نقدية فضفاضة تنفذها شركات القارة، بالإضافة إلى أرباح الشركات التى فاقت التوقعات، وثقة المستهلكين التى تعد الأعلى منذ عام 2001.
وأضافت الوكالة، أن التوقعات الساطعة لمنطقة اليورو ترسم تناقضاً صارخاً مع توقعات المملكة المتحدة؛ حيث إن حالة عدم اليقين الناجمة عن الخروج من الاتحاد الأوروبى تعرقل الاستثمار وتضعف الإسترلينى.
ومع ذلك، فإن الجروح الأخيرة فى منطقة اليورو تتوسع، إذ إن نمو الإنتاجية ليس قريباً من المستويات المسجلة فى بداية الألفية. وربع الشباب لا يمكنهم العثور على وظائف، فى حين أن البطالة فى المنطقة لا تزال تتجاوز نسبة 10%.
وهناك زلازل سياسية أخرى، ومنها محاولة كاتالونيا الانفصال عن إسبانيا، وهو ما يمكن أن يتسبب فى جلب مزيد من التمزقات، بعد أن أشار رئيس البنك المركزى الأوروبى ماريو دراجى، إلى أن الصدمات الجيوسياسية الدولية تشكل مصدراً رئيسياً للمخاطر.
ومن أجل عزل الاقتصاد عن هذه المخاطر، أعلن البنك المركزى الأوروبى فى أكتوبر الماضى، أنه سيواصل شراء ديون القطاعين العام والخاص العام المقبل، ولن يرفع أسعار الفائدة لفترة طويلة، ما يضمن سياسة نقدية توسعية.
ومع وجود علامات قليلة على تسارع نمو الأسعار، أعلن بنك «نورديا» الدنماركى، الأسبوع الماضى، أنه لا يتوقع أى زيادة فى أسعار الفائدة حتى ديسمبر 2019 بعد انتهاء فترة ولاية «دراجى» الحالية للمركزى.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تقترب فيه معدلات الاستثمار من تسجيل مستويات قياسية تاريخية، ما يبشر بالخير بالنسبة لفرص العمل. فارتفاع العمالة من شأنه أن يعزز الاستهلاك الخاص فى وقت سوف تستفيد الصادرات من التجارة العالمية القوية.
وقال خبراء الاقتصاد فى «كريدى سويس» الذين رفعوا، الأسبوع الماضى، توقعاتهم للمنطقة فى 2018، إن ثمة سبباً وجيهاً للتفكير فى أن نمو منطقة اليورو، يمكن أن يجمع مزيداً من القوى العام المقبل.