ما «البتكوين»؟ وهل هى فقاعة سوف تنفجر قريباً وتحدث دماراً اقتصادياً يفوق تأثيره الأزمات الاقتصادية التى شهدها العالم خلال الخمسين عاما الماضية؟ وما مؤشرات الخطر التى تنذر بقرب انفجار فقاعة «البتكوين»؟ هذه كلها أسئلة مُلحة يصعب الإجابة عليها حتى بالنسبة للاقتصاديين.
تعد «البتكوين» احدى أشهر العملات الافتراضية فى العالم التى اكتسبت شهرتها فى وقت قصير جداً منذ أن عرف العالم استخدام هذه العملات خلال السنوات القليلة الماضية. وتُعرف هذه العملات أيضاً بالعملة الرقمية أو النقود الإلكترونية. وهى عملة رقمية مُشفرة فى جميع جوانب التعامل بها، وليست عملة رسمية لها قوة إبراء قانونية.
تعتبر «البتكوين» هى الأكثر انتشاراً من بين نحو 1340 عملة مشفرة يتم تداولها حول العالم حيث تبلغ القيمة السوقية الإجمالية للعملات الإلكترونية نحو 602 مليار دولار –تتغير يومياً بالمليارات- وفقاً لتقدير موقع كوين ماركت كاب Coin Market Cap المتخصص فى تداول العملات الإلكترونية. أما عملة «البتكوين» فهى تعتبر أكبر عملة رقمية من حيث القيمة السوقية، إذ تقدر الحصة السوقية بنحو 47.1% من أجمالى سوق العملات المشفرة، بعد أن انخفضت حصتها من نحو 60% فى خلال أقل من أسبوع. ويتم تداول «البتكوين» بجنون ليصل سعرها إلى 16972 دولارا امريكيا بسعر اليوم، بانخفاض يقدر بنحو 11% فى يوم واحد. وكانت التوقعات فى بداية هذا الأسبوع أن يتجاوز سعر «البتكوين» 20000 دولار أمريكى خلال أيام قليلة.
يشترى الأغلبية العظمى من المتداولين فى السوق على أساس افتراضات لا يمكن إثباتها. فما الافتراضات التى لدى المتعاملين فى سوق «البتكوين»؟ تضاعفت أسعار «البتكوين» الآن بنحو 20 مرة مما كانت عليه فى بداية العام. ومع نشوة تحقيق مكاسب هائلة، اندفع الكثيرون نحو شراء العملة لأنهم يعتقدون أن الأسعار ستستمر فى الارتفاع، ما يجعل شراء «البتكوين» استثماراً رابحاً، ومن المؤكد أن غالبية أولئك الذين يشترون «البتكوين» يفترضون أنهم يريدون الاستفادة من ارتفاع الأسعار، وتحقيق مكاسب خرافية تتمثل فى الفرق بين سعر الشراء والبيع. ولكن هل يستمر الاتجاه الصعودى فى الارتفاع إلى ما لا نهاية؟ بالطبع لا يمكن أن يحدث هذا لأن بمجرد أن تتوقف الأسعار عن الارتفاع، فإن جميع المشترين الذين يشترون على أساس افتراض ارتفاع الأسعار بسرعة سوف يتكبدون خسائر ضخمة فى حالة انخفاض الطلب، وربما يفقدون مدخراتهم.
وما يزيد نشوة المغامرة بتحقيق مكاسب ضخمة، صدرت بعض أراء من المتخصصين فى سوق العملات المشفرة تتنبأ بأن «البتكوين» سوف يتم تداولها فى المستقبل بقيمة 300.000 دولار إلى 400.000 دولار على أساس ارتفاع الطلب ومحدودية العرض خصوصا أن الحد الأقصى لإصدار «البتكوين» هو 21 مليون وحدة. وهناك من يدعى أن «البتكوين» سوف تصل مليون دولار فى السنوات العشرين القادمة.
أما أبرز العوامل التى دفعت إلى الارتفاع الجنونى لسعر «البتكوين» هو سماح بورصة شيكاغو للعقود الآجلة بالتداول على العقود المستقبلية للبتكوين فى بداية شهر ديسمبر الجاري. وتسمح العقود الآجلة للمستثمرين الذين لديهم شهية مرتفعة لقبول المخاطر بالرهان على ما إذا كانت أسعار «البتكوين» سوف ترتفع أو تنخفض من خلال شراء العقود الآجلة وهى من المشتقات التى تسمح للمستثمرين بالمراهنة على حركة الأصول الأساسية دون امتلاك فعلى لهذا الأصل. فهم يشترون عقدا يمنحهم حق خيار امتلاك «البتكوين» فى أجل محدد فى المستقبل دون الحاجة إلى الشراء الفعلى للبيتكوين فى السوق المفتوحة. من الناحية النظرية، يخلق الاندفاع الكبير نحو شراء العقود الآجلة حالة نفسية تدفع بقوة سعر «البتكوين» نحو الارتفاع.
وبالرجوع إلى آراء المتخصصين فى العقود الآجلة، فإن إدراج عقود «البتكوين» فى بورصة شيكاغو للعقود الآجلة لا يضفى الشرعية على «البتكوين»، حيث لا يمكن تسوية هذه العقود إلا بالدولار الأمريكي، ولا يمكن تحويل العقد إلى «بتكوين» عند استحقاق الصلاحية. وهذا يعطى مؤشراً على أن إنشاء العقود الآجلة لـ«البيتكوين» يضفى الشرعية على نشاط التداول وينظمه، ولكنه لا يضفى الشرعية على «البتكوين» كعملة.
إن تداول العملات الرقمية يعتبر من الأمور المحفوفة بدرجة مخاطر مرتفعة، فالعملات الرقمية يتم تداولها فى سوق غير خاضع لنظم رقابية بعكس العملات التقليدية التى تخضع لقواعد تنظيمية تصدرها الحكومات، وبذلك تعتمد العملات التقليدية على ثقة المستثمرين فى قيمتها. فالمشكلة الرئيسية مع «البتكوين» وغيرها من العملات المشفرة هى أنها ليست عملة قانونية بالمعنى الحقيقى للكلمة، فهى غير مدعومة بالذهب أو بعض الأصول الأخرى، على عكس معظم العملات العالمية التى تكون مدعومة من قبل الدول ذات السيادة. ومن النادر أن تتخلف الدول ذات السيادة عن الديون التى تؤدى بدورها إلى انهيار العملة.
كذلك لا تحظى العملات الرقمية بدعم الدول ذات السيادة، حيث إنها خارج نطاق التنظيم. وفى الواقع بعض الدول قد تفرض قيودا عليها. على سبيل المثال، حظرت الصين فى شهر سبتمبر الماضى تداول «البتكوين» فى المعاملات، وقد تحذو دول أخرى حذو الصين فى استخدام العملات المشفرة فى العقود، وبالتالى تصبح جميع العقود لا قيمة لها على الفور.
ومن ناحية أخرى، تعتبر «البتكوين» وسائر العملات المشفرة العملة المفضلة لغسل الأموال والقراصنة والإرهابيين والمجرمين. لذلك لن تساند الحكومات التعامل بهذه العملات وتسمح باستخدامها للتهرب من الالتزام بالقوانين واللوائح التى تنظم بيئة الأعمال. على هذا الأساس ينطوى الاحتفاظ بأرصدة العملات المشفرة على مخاطر كبرى إذ من الممكن أن تؤدى الإجراءات التى تتخذها الحكومات ضد هذه العملات إلى جعل العملات المشفرة لا قيمة لها.
الخلاصة أن «البتكوين» وسائر العملات المشفرة يجب النظر إليها باعتبارها أكبر خطر مالى فى هذا القرن. فليس من المستبعد أن تنفجر فقاعة «البتكوين» ويفاجأ العالم بانهيار كارثى لثروات تقدر بالمليارات لتكون الأكثر دماراً فى التاريخ الحديث. إن بداية الكارثة ستكون عندما يفاجأ المتعاملون عند محاولتهم تسييل أرصدتهم بأنه لا يوجد طلب عليها ثم يبدأ الانهيار بتأثير زيادة العرض بجنون عن الطلب.