بين الحين والآخر، تطل على الساحة تقارير تشكك فى جدوى إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة. تتعالى أصوات تستنكر فكرة إنشاء عاصمة جديدة تكلف ميزانية الدولة مليارات، فى ظل عجز هيكلى مزمن فى الموازنة، وأزمات اقتصادية طاحنة، تجعل مجرد التفكير فى هذا المشروع الضخم ضرباً من الرفاهية والترف الذى لا تستطيع الدولة تحمله.
وعلى الجانب الآخر، يرى المؤيدون لمشروع العاصمة الإدارية، أن إنشاءها ضرورة قوية يبرره ما آلت إليه العاصمة الحالية من اختناق، وتردٍ فى الأحوال طال جميع مرافق العاصمة وبنيتها التحتية، ما يجعل المعيشة فى المدينة بالغة الصعوبة، ويؤثر على قرارات المستثمرين الحاليين وفرص الاستثمار المستقبلية فى عاصمة متهالكة مكتظة بنحو 19 مليون نسمة. وبين وجهتى النظر، ينبغى توضيح الحقيقة؟
أصدرت الأسبوع الماضى صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية تقريراً ينتقد الحكومة المصرية لمواصلتها مشروع بناء العاصمة الإدارية الجديدة. وليست هذه المرة الأولى التى تنتقد فيها الصحيفة هذا المشروع، فقد دأبت على نشر التقارير التى تعارض هذا المشروع، وتفرد مساحة عريضة لإبراز وجهات النظر المعارضة، بينما تضيق على الجانب الآخر المؤيد للمشروع القومى الضخم.
وقد انتقدت الصحيفة بشدة الحكومة قائلة، «يجب على الحكومة المصرية عند التفكير فى بناء العاصمة الإدارية الجديدة أن تدرس الأمثلة السابقة لمشروعات مماثلة على مستوى العالم، وأن تتعلم من الدول الأخرى التى سارت فى ذات المسار، ومن بينها أستراليا وتركيا والبرازيل وكازاخستان وميانمار».
وأردفت، «هناك سوابق مثيرة للقلق لخطة مصر بناء مدينة ضخمة كالعاصمة الإدارية”. وأضافت: «إن إعطاء الأولوية لمثل هذا المشروع بينما تعانى مصر مجموعة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، كالإرهاب فى شمال سيناء، وارتفاع معدلات التضخم قد يبدو كمحاولة لدفن الرؤوس فى الرمال». كما أشارت إلى بعض المشروعات المشابهة حول العالم، ومن بينها «كانبيرا» عاصمة أستراليا، و«برازيليا» العاصمة الفيدرالية للبرازيل، قد تأسست على نحو جيد. ثم تساءلت «هل هناك رغبة لدى المواطنين فى الانتقال إليها؟».
على الجانب الآخر، يرى المؤيدون لمشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، أنه نقلة حضارية وضرورة قومية سوف تجنى مصر ثمارها، وأنها أصبحت واقعاً ملموساً خرج إلى النور. هذا الواقع تجلى حينما دشَّن الرئيس عبدالفتاح السيسى المرحلة الأولى فى هذا المشروع العملاق فى شهر سبتمبر الماضى، وشهد العالم كياناً إدارياً وسكنياً جديداً يعالج أزمة زحام العاصمة، ويفرغها من مركزية الخدمات التى تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية، ويخفف العبء السكانى والمرورى عن مدينة القاهرة الكبرى.
تشمل المرحلة الأولى مساحتها 40 ألف فدان، وتضم أعمال المرافق محطات للمياه والصرف الصحي، وشبكة طرق ضخمة وعدداً كبيراً من الأنفاق. كما يجرى إنشاء مقرات لعدد 32 وزارة بالحى الحكومى، تعمل 18 شركة على تنفيذها، حيث بلغت نسبة التنفيذ نحو 30%.. والجدير بالذكر أن مساحة العاصمة الإدارية الجديدة تبلغ 184 ألف فدان، وتقع بين طريقى العين السخنة والدائرى الإقليمى، من المخطط أن تستوعب 6.5 مليون نسمة، وتوفر المدينة 1.5 مليون وحدة سكنية، كما توفر 3.5 مليون فرصة عمل.
وفى شأن تمويل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، تبلغ التكلفة نحو 45 مليار دولار على ثلاث مراحل؛ الأولى مساحتها 40 ألف فدان، والثانية 47 ألف فدان، والثالثة 97 ألف فدان.
ووفقاً لما صرحت به وزارة الإسكان والمرافق، جارٍ تأسيس شركة تطوير العاصمة الإدارية الجديدة، برأسمال مدفوع يبلغ 6 مليارات جنيه، موزعة بين القوات المسلحة، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بوزارة الإسكان. كما أن التمويل سيكون من الباب السادس للموازنة، المخصص لمشروعات المياه والصرف والخدمات الصحية والتعليمية، وأن هناك مصادر أخرى يمكن اللجوء إليها بعيداً عن الموازنة العامة، مثل القروض الدولية والسندات بيع الأراضى والإنشاءات للمستثمرين.
أما عن رغبة المواطنين الانتقال للإقامة فى العاصمة الإدارية الجديدة، فأرى أن المواصفات التى تتميز بها العاصمة سوف تكون حافزاً قوياً نحو جذب المواطنين إليها، خصوصاً أنه تم الأخذ بعين الاعتبار تفاوت مستويات الدخل، وتصميم وحدات سكنية اقتصادية تناسب قدرة شريحة كبيرة على السداد على أقساط تمتد عبر مدى زمنى متوسط وطويل الأجل وبتسهيلات فى السداد.
وبين المعارضين والمؤيدين، أرى نفسى واقفاً فى جانب مؤيدى هذا المشروع العملاق، وأستشرف ما سيحققه من فوائد تعود بالنفع على مصر، وتحقيق حلم الأجيال القادمة فى مستقبل أفضل.