بقلم/ ليونيد بيرشدسكي
صحفى روسى وكاتب مقالات رأى لوكالة «بلومبرج»
يثبت تحول بريطانيا الواضح عن رغبتها فى الخروج من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق، إلى أى مدى انقلبت الطاولة فى مفاوضات الخروج البريطانى.
ومع تبقى أقل من عام على الموعد النهائى للتوصل لاتفاق، تجبر أوروبا، بريطانيا، على فهم أن النتيجة الحميدة الوحيدة هى الاتفاق على فترة انتقالية طويلة، وهو ما سيجعل فريق التفاوض البريطانى مختلفا وأكثر تواضعا.
وكتب وزير الخروج البريطانى، ديفيد دايفس، خطابا إلى رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، واشتكى من أن أوروبا تستعد لسيناريو انتهاء المفاوضات التجارية دون التوصل لاتفاق، ولا يقدم الاتحاد الأوروبى أى إرشادات توجيهية مستقبلية بشأن خروج بريطانيا، ولا يتحدث عن أى فترة انتقالية قبل أن تصبح بريطانيا طرفا ثالثا.. بل ينصح الشركات بأنها قد تحتاج إلى نقل مقراتها وتغيير عملياتها استعدادا لانسحاب بريطانيا.
وأظهر خطاب دايفس، أنه فكر فى مقاضاة الاتحاد الأوروبى بسبب هذه التوصيات.. ولكنه تلقى نصيحة قانونية بألا يفعل، وأن يقوم بدلا من ذلك بحث الاتحاد الأوروبى على سحب التوصيات، وأن يشجع الشركات التى تقع مقراتها فى بريطانيا على أن تضغط على المفوضية الأوروربية. ولكن لا يوجد هناك سبب يدفع أوروبا للتراجع.
وكما قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، مارغاريتيس شيناس، يوم الثلاثاء الماضى: «أوروبا مندهشة من أن بريطانيا اندهشت من أننا نستعد لسيناريو أعلنته الحكومة البريطانية نفسها».
ومن الواضح أن بريطانيا تريد أن تقنع الشركات أن مثل هذا الانسحاب غير مرجح، وإلا ستبدأ الشركات فى الانتقال منها قريبا.
ولكن أوروبا لن تكسب شيئا من خلال وعد الشركات بأن المفاوضات أو أى شىء سينجح، خصوصا أن هذا الوعد لن يكون عادلا بعد أن قال دايفس فى ديسمبر أن الاتفاق المبدئى بين تريزا ماى وقادة أوروبا غير ملزم قانونا.
وهذا التصريح المدمر للثقة حتم على الوكالات الأوروبية إعطاء الشركات تحذيرا عادلا، فالشركات ببساطة يجب أن تبدأ إعادة التفاوض على عقودها بدلا من الاعتماد على اتفاق غير أكيد على المستوى الحكومى.
وتذوق قطاع الطيران البريطاني، بالفعل، القليل من سيناريو عدم التوصل لاتفاق. واشتكى دايفس فى خطابه من أن نمو عدد الوقائع التى يتم التعامل فيها مع بريطانيا بشكل فيه تمييز ضدها من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبى حتى قبل المغادرة، يعد مؤشرا على الإقصاء الواضح للشركات البريطانية من التقدم بعروض لعقود فى نظام «جاليليو» الأوروبى للملاحة عبر الأقمار الصناعية.
ومن الصعب التوقع من الاتحاد الأوروبى الترحيب بمقدمى العروض البريطانيين، قبل التوصل إلى نوع من الاتفاق على أن بريطانيا ستواصل المشاركة فى برنامج الفضاء الأوروبى.
ومع ذلك، ليست هذه الواقعة ولا الإرشادات التوجيهية القاسية للشركات دليلا على أن الاتحاد الأوروبى يتوقع بالفعل خروج بريطانيا دون اتفاق، وإنما هو توضيح إلى قلب أوروبا لتهديد بريطانيا بالانسحاب دون اتفاق إلى كابوس عليها.
وحجم فشل بريطانيا فى التفاوض هائلا، ولم تغير أوروبا موقفها على الإطلاق، وبعد أن تقابل أحد أكبر مؤيدى فكرة الخروج، نايجل فراج، مع كبير مفاوضى الاتحاد الأوروبى ميشيل بارنيه، الأسبوع الماضى، خرج من اللقاء بانطباع أن بارنيه لا يزال لا يفهم لماذا يحدث الخروج البريطانى أساسا.
وقال فراج: «يجب أن تكون كل القواعد وكل القوانين واحدة للجميع»، مضيفا أن خيارات بريطانيا لم تتغير منذ العام الماضى، فإما أن تقبل باتفاق على غرار النرويج والذى يتضمن حرية حركة العمالة مع أوروبا، أو اتفاق تجارة حرة على غرار كندا والذى لا يغطى الخدمات المالية، أكبر قطاع تصديرى فى بريطانيا، والخيارين غير مناسبين سياسيا لبريطانيا.
وتخطت ماى دايفس بالفعل للتفاوض على الاتفاق المبدئى، وقبلت تقريبا كل المطالب الأوروبية.
وبينما لا يزال دايفس فى المقعد الأمامى فى المفاوضات القادمة بشأن التجارة، قد تتخطاه ماى مجددا.
وبالنظر إلى مدى أريحية الاتحاد الأوروبى فى موقفه، فمن المرجح أن هناك استعدادات للعبة الأوروبية المفضلة وهى «تأجيل القرارات الهامة»، وبالأخير ماى هى شريك صامت فى ذلك.
وهذا اتجاه معقول فى الواقع، فهو يسمح لبريطانيا بوضع مسافة تاريخية أكبر بين الاستفتاء على الخروج وبين الحدث نفسه، وقد يؤدى استمرار الفشل فى المفاوضات، والأداء الاقتصادى السيئ إلى تآكل المشاعر المؤيدة لخروج بريطانيا بطريقة هادئة، وأن تستعد بريطانيا لعكس مسارها، وهذا يفسر سبب تبنى الاتحاد الأوروبى للمحادثات التى تصل إلى طريق مسدود والمماطلة حتى الآن، فهى سياسة تؤدى بالأخير إلى تبريد الرءوس الساخنة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»