كثيراً ما أطالع ما يدور فى وسائل الإعلام، ووسائل الاتصال الاجتماعى، وأستمع إلى حوارات الأصدقاء والمعارف حول الدين الخارجى لمصر، ومدى القلق الذى يساورهم بشأن النمو المضطرد فيه. ويتطرق الحديث إلى أمور عديدة بخصوص السندات الدولية، ولماذ تلجأ الحكومة إليها للحصول على التمويل من خلال طرح السندات فى أسوق الدين العالمية، ويشار إليها، أيضاً، بسوق السندات. ثم استخلصت أن هناك كثيراً من المفاهيم الخاطئة أو المعرفة السطحية حول هذا الموضوع، ما دفعنى إلى أن أطرح شرحاً مبسطاً للسندات الدولية والدين الخارجى، ولماذا تقتحم الحكومة المصرية أسوق الدين لتلبية احتياجاتها التمويلية كإحدى أفضل وسائل التمويل المتاحة.
لنبدأ بتبسيط المفاهيم الأساسية. السندات السيادية، ويشار إليها، أيضاً، بالسندات الدولية، هى السندات التى تصدرها الحكومات لدفع مبلغ معين فى تاريخ معين، وكذلك مدفوعات الفائدة الدورية لفترة معينة من الزمن، مع معدل عائد معين. ويمكن أن تصدر السندات إما بالعملة المحلية وإما مقومة بعملة أجنبية. وتتجه الحكومات التى تعانى أوضاعاً اقتصادية غير مستقرة إلى طرح السندات بعملة دولية قوية لدولة تتمتع باقتصاد مستقر.
وتلجأ الحكومات عادة إلى إصدار السندات فى أوقات الأزمات المالية أو لتمويل العجز فى الموازنة العامة، عندما يكون الإنفاق العام أكبر من الإيرادات العامة للحكومة. وتصدر السندات لآجال متوسطة الأجل أو طويلة الأجل، تتراوح بين 5 سنوات و10 سنوات، أو لفترات أطول قد تصل إلى 30 عاماً.
يتم تقييم مخاطر عدم السداد للسندات السيادية فى أسواق الدين الدولية من خلال العائد على السندات التى يتم طرحها. ويطلب الراغبون فى الاستثمار فى السندات عائدات أعلى كلما ارتفعت درجة المخاطر.
يعد التصنيف الائتمانى السيادى للدولة من العوامل المهمة فى بيان قدرة الدولة على إصدار السندات السيادية فى أسواق الدين العالمية، فكلما ارتفعت درجة التصنيف الائتمانى السيادى للدولة، زادت الفرصة فى الحصول على الأموال من الأسواق المالية العالمية بطرح السندات، والعكس صحيح.
للتوضيح، فى عام 2016 كانت السندات الدولية لأجل 10 سنوات الصادرة عن الحكومة الكندية يتم طرحها بعائد قدره 1.34%، فى حين أن السندات الدولية لأجل 10 سنوات الصادرة عن الحكومة البرازيلية يتم طرحها بعائد 12.84%. ويعكس هذا الفارق الكبير البالغ 1150 نقطة أساس الوضع المالى لكلتا الحكومتين، وهو مؤشر على الجدارة الائتمانية المرتفعة التى تتمتع بها الحكومة الكندية.
وليس غريباً أن معظم الدول الكبرى والغنية تصدر سندات لتمويل عجز الموازنة. على سبيل المثال، أصدرت إنجلترا وأمريكا وروسيا ودول الخليج العربى سندات لأجال مختلفة، ما يعنى أن طرح السندات الدولية أمر طبيعى ودارج تمارسه الدول منذ عقود. وفى السياق نفسه، اضطرت بعض الدول الخليجية مثل الكويت إلى اللجوء إلى أسواق الدين العالمية، وطرح سندات للحصول على الأموال بعد انخفاض أسعار البترول.
وهكذا فإنَّ كل دول العالم لديها ديون خارجية – سواء سندات أو غيرها من أشكال الديون السيادية – ولا غبار على الاقتراض ما دامت الدولة لديها موارد لسداد أصل القرض أو السندات فى مواعيد استحقاقها، وقادرة على تحمل أعباء خدمة الدين الخارجى. ولكن من المهم، أيضاً، أن تبقى الدولة إجمالى الديون الخارجية فى الحدود الآمنة بالنسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى؛ حيث يكمن الخطر فى تجاوز الديون الخارجية مستوى 60% من الناتج المحلى الإجمالى.
وهناك عامل مهم فى تقدير مدى خطورة مستوى الديون الخارجية، وهو آجال الديون. ما قد يثير القلق هو أن تشكل الديون قصيرة الأجل قدراً كبيراً، مقارنة بنسبة الديون متوسطة وطويلة الأجل، وفى الواقع المصرى هذا ليس هو الحال فى الوقت الراهن. لكنَّ التنامى المستمر فى مستوى الديون الخارجية منذ 2010 هو أمر مقلق بشكل عام، حتى وإن كانت الزيادة فى المستويات متوسطة وطويلة الأجل. فقد بلغ إجمالى الدين الخارجى 80.8 مليار دولار بنهاية الربع الأول من السنة المالية 2017-2018. ولكن وفقاً لبيانات البنك المركزى المصرى، فإنَّ نسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى الإجمالى بلغت 36.2% فى نهاية سبتمبر 2017، وهى ما زالت فى الحدود الآمنة.
ختاماً، السندات الدولية ليست كلها شراً يجب أن البعد عنه. فإذا كان هذا الأسلوب من التمويل يتم وفقاً لشروط جيدة وفى الحدود الآمنة، وفقاً للعايير الدولية، فلا غبار عليه، ولا يوجد مبرر للقلق بشأنه.