أخيراً ظهر فى الأفق بادرة جيدة ينعقد الأمل فى أن تساهم فى حل مأساة سكك حديد مصر، وتوقف نزيف الدماء التى طالما سالت على قطبان المرفق العريق لسنوات طويلة، حتى أصبح خبر حوادث القطارات أمراً معتاداً فى عناوين الصحف.
تلك البادرة هى موافقة مجلس النواب على مشروع قانون بتعديل القانون 152 لسنة 1982، الخاص بهيئة السكك الحديدية، ويتضمن دخول القطاع الخاص فى إدارة مرفق السكك الحديدية، لاسيما أن دخول القطاع الخاص فى منظومة السكك الحديدة أصبح ضرورة مهمة، وهو نظام معمول به فى أغلب دول العالم.
لذلك سأعرض بإيجاز شديد مفهوم هذه الشراكة، وإلقاء الضوء على أبرز ملامح التعديلات التى أقرها مجلس النواب فى مشروع قانون هيئة السكك الحديدية.
يمكن أن يكون تشغيل مرفق السكك الحديدية بكفاءة حافزاً مهماً للنمو الاقتصادى والتنمية، ويمكن أن يؤدى النقل بالسكك الحديدية إلى تحفيز التجارة وربط مواقع الإنتاج بالأسواق الإقليمية والدولية، وتعزيز التكامل المحلى والاقليمى، وتسهيل الوصول إلى سوق العمل والتعليم والخدمات الصحية.
كما يمكن للشراكة بين القطاعين العام والخاص فى السكك الحديدية أن تتيح فرصاً للاستثمار وكفاءة التشغيل واستخدام التكنولوجيا الحديثة والنظيفة، إلى جانب تحقيق مكاسب فى زيادة الإيرادات بالنسبة للدولة والمستثمرين من القطاع الخاص، وجعل الاستثمار فى خطط الشراكة بين القطاعين العام والخاص أكثر جاذبية.
بصفة عامة، هناك نمطان رئيسيان لمشاركة القطاع الخاص فى الاستخدام المشترك لخطوط السكك الحديدية أو النقل.
الاستخدام المشترك Track Access وهى آلية حيث يسمح مالك البنية التحتية للسكك الحديدية لمشغل السكك الحديدية تشغيل رحلات للركاب أو لقطارات الشحن على خطوط السكك الحديدية.
أما خيار النقل Haulage فهو يعنى نقل الشحنات من قبل مشغل السكك الحديدية لأطراف ثالثة، ويمكن لمشغل السكك الحديدية أن يستخدم قاطراته وعرباته الخاصة لنقل بضائع الطرف الثالث، كما يمكن لمشغل السكك الحديدية أن يكون مدير أو مالك خطوط السكك الحديدية.
وتحدد شروط الاستخدام المشترك فى الإطار التعاقدى، فى اتفاقات الامتياز أو التشغيل أو اتفاقات استخدام خطوط السكة الحدية أو النقل.
ومن الناحية المثالية، لابد من توفر إطار تنظيمى وقانونى واضح يحدد قواعد محددة للاستخدام المشترك، وأساس معايير التشغيل، والمعايير البيئية والتقنية واختصاصات سلطات هيئة السكك الحديدية.
فى السياق نفسه، يجب إزالة اللبس حول مفهوم خصخصة السكك الحديدية ومشاريع مشاركة القطاع الخاص، الخصخصة هى نقل ملكية كاملة لمرفق السكك الحديدة، ولكن منح امتياز الإدارة فهو إدارة لمدة زمنية تحت إشراف الحكومة، فالأمر يتعلق فى مشاركة القطاع الخاص فى إدارة المرفق اتباعاً للتوجه العالمى.
أما مشروع تعديل القانون 152 لسنة 1982، الخاص بهيئة السكك الحديدية، فهو يجيز للهيئة منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين أشخاصاً طبيعيين أو اعتباريين لإنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة مرافق السكك الحديدية دون التقيد بأحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 الخاص بالتزامات المرافق العامة والقانون رقم 61 لسنة 1958 فى شأن منح الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة وتعديل شروط الامتياز.
وينص مشروع القانون على الاجراءات والقواعد التى تحدد اختيار الملتزم فى إطار من المنافسة والعلانية، وألا تزيد مدة الالتزام على 15 سنة، وتحديد وسائل الإشراف والمتابعة الفنية والمالية التى تضمن حسن سير المرفق، مع الالتزام بقانون تنظيم المناقصات والمزايدات.
كما تتضمن القواعد والإجراءات أن يصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بمنح الالتزام وتحديد شروطه وأحكامه أو تعديلها وحصة الحكومة وأسس تسعير مقابل الخدمة بناء على اقتراح وزير النقل، ولا يجوز للملتزم أن يتنازل على الالتزام لغيره دون إذن من مجلس الوزراء، كما يتعين على الملتزم المحافظة على المرافق محل الالتزام وجعلها صالحة للاستخدام طوال فترة الالتزام، على أن تؤول جميعها إلى الدولة فى نهاية مدة الالتزام دون مقابل وبحالة جيدة صالحة للاستعمال.
كما يجيز مشروع القانون للهيئة إنشاء شركات مساهمة بمفردها أو مع شركاء آخرين، وتداول أسهم هذه الشركات بمجرد تأسيسها، على أن يكون للعاملين فى الهيئة الأولوية فى شراء نسبة لا تتجاوز 10% من أسهم تلك الشركات.
وتختص الهيئة بإنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة شبكات السكك الحديدية وتطويرها، وإنشاء وإدارة وصيانة المنشآت والأجهزة اللازمة لتقديم هذه الخدمة، إلى جانب تنفيذ المشروعات اللازمة.
ويفرض مشروع القانون عقوبات على قطع ميل جسر السكة الحديد أو تجريفها، أو رفع منسوب الأراضى الزراعية المجاورة لخطوط السكة الحديد عن منسوب السكة الحديد، أو القاء المخلفات الزراعية القابلة للاشتعال أو القمامة والمياه ومخلفات المبانى على السكك الحديدية أو جسورها، وعقوبات على السرقة أو العبث بالمهمات أو التعدى على الأراضى أو العقارات المملوكة للهيئة.
على الرغم من أن مشروع القانون قد لا يلبى جميع الطموحات، إلا أنه بالتأكيد سوف يعالج العديد من المشاكل التى طالما واجهت هذا المرفق العريق، حتى أصبح يطلق عليه «مرفق الموت»، نظراً للإهمال وتعدد حوادث القطارات.
فهو يحقق المعادلة الصعبة فى إشراك القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة دون المساس بطبيعة هذه المشروعات باعتبارها مرافق عامة، خطوة جيدة على الطريق، وكما يقول المثل، «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة».