أشباه الموصلات تقود التوسع… وانخفاض مبيعات الهواتف الذكية والحمائية التجارية ترفع المخاوف
نما حجم التجارة العالمية بوتيرة أسرع من نمو الاقتصاد العالمى فى العام الماضي، وذلك للمرة اﻷولى منذ ستة أعوام، حيث أدى الطلب المتزايد على أشباه الموصلات إلى سكب الوقود على سلاسل التوريدات، ما أنهى فترة تخلف التجارة العالمية عن النمو الاقتصادي.
ووجد مكتب «سى بى بي» الهولندى لتحليل السياسات الاقتصادية، أن إجمالى حجم التجارة ارتفع بنسبة 4.5% خلال العام الماضي، بزيادة 3% عن عام 2016، وهو ما يعد أكبر زيادة تم تسجيلها منذ عام 2011، بينما توسع الاقتصاد العالمى بنسبة 3% فقط.
وقالت مجلة «نيكى آسيان ريفيو» اليابانية إن حجم التجارة فى آسيا ارتفع بنسبة 8.6%، هذا فضلا عن أن العديد من الاقتصادات المتقدمة شهدت أيضا معدلات نمو أسرع فى عام 2017 عن العام السابق، حيث سجلت الولايات المتحدة نسبة نمو تبلغ 4.1% مقارنة بـ0.7%، بينما انتعش اقتصاد اليابان ليسجل 3.1% بعد أن كان نموه فى المنطقة السلبية.
وأوضح تقرير صادر عن شركة «ميتسوبيشى يو إف جى مورجان ستانلي» للأوراق المالية، أن ارتفاع حجم الصادرات يرجع بشكل كبير إلى الانتعاش الاقتصادى العالمى والنمو فى الصين وارتفاع الطلب على أشباه الموصلات.
وقال «هيروشى ميازاكي»، كبير الاقتصاديين فى شركة «ميتسوبيشى يو أف جيه مورجان ستانلي»، إن التجارة فى الاقتصادات المتقدمة تعتمد بشكل كبير على الظروف الاقتصادية، ولكن أشباه الموصلات عززت حجم التجارة فى الاقتصادات الناشئة العام الماضي.
وتعتمد صناعة أشباه الموصلات على سلسلة توريد معقدة تمتد لتشمل العالم بأكمله، فالعديد من صانعى الرقاقات اﻷمريكية، مثل كوالكوم وأبل، يصممون منتجاتهم فى الموطن، ومن ثم يلجأون للاستعانة بمصادر خارجية لتوجيه الإنتاج إلى الصين.
ويأتى الكثير من معدات صناعة الرقائق واختبار المعدات من اليابان، ومن ثم يتم وضع المنتجات النهائية ضمن مكونات الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الأخرى فى كوريا الجنوبية وتايوان.
وتعد صادرات اليابان إلى الصين بصفة خاصة، وآسيا بشكل عام، هى الأعلى من حيث القيمة فى عام 2017، ويقول مكتب مجلس الوزراء اليابانى أن نحو 40% من الزيادات المسجلة منذ نهاية عام 2012 جاءت من قطاع تكنولوجيا المعلومات، بينما نجم أكثر من 80% منها جراء معدات صناعة الرقائق.
وقالت المجلة اليابانية إنه من المقرر أن يستمر نمو التجارة فى عام 2018.
وارتفع عدد حاويات الشحن التى تم تصنيعها بشكل شهرى فى كافة أنحاء العالم بنسبة 1.9% على أساس شهرى فى يناير الماضي، وهى الزيادة اﻷكثر حدة خلال 14 شهرا، وذلك بحسب البيانات التى تم تجميعها من قبل المعهد الألمانى للأبحاث الاقتصادية والمنظمات اﻷخرى.
بالإضافة إلى ذلك، أفاد صندوق النقد الدولي، يناير الماضي، عن تسجيل نمو اقتصادى وحجم تجارة خلال عام 2017 أكبر مما كان متوقعا فى السابق، متوقعا نمو حجم التجارة بوتيرة أسرع من الاقتصاد العالمى حتى عام 2019.
وتواجه صناعة أشباه الموصلات المزيد من عدم اليقين، وسط انخفاض مبيعات الهواتف الذكية الصينية وخفض إنتاج هاتف أيفون أكس، كما أن أسعار الفلاش ميمورى من النوع «ناند» المستخدمة فى الهواتف الذكية آخذة فى الانخفاض أيضا وسط تباطؤ الطلب.
وقال تاكايوكى مياجيما، كبير الاقتصاديين لدى معهد ميزوهو للأبحاث، إن مبيعات الرقائق بدأت تزداد خلال عام 2014 بناءا على الطلب المرتبط بإنترنت الأشياء واﻷجهزة المتواجدة داخل السيارات، كما أن الطلب ازداد بشكل أكثر فى ظل انتعاش النمو الاقتصادى بداية من النصف الثانى من عام 2016، محذرا من احتمالية توقف النمو الاقتصادى عن دعم الطلب قريبا.
ويشعر المحللون اآخرون بالتفاؤل، فقد قال هيروشى واتانابي، الخبير الاقتصادى فى شركة سونى المالية القابضة: «حتى فى حالة ارتفاع الطلب المرتبط بالهواتف الذكية، يمكننا أن نتوقع طلبا متزايدا فيما يخص معالجة البيانات فى مجالات، مثل الذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء والسيارات ذاتية القيادة».
وقال بنك اليابان إن التجارة العالمية تباطأت عن الاقتصاد العالمى عقب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ويرجع ذلك بشكل جزئى إلى بدء الصين فى إنتاج المزيد من المنتجات فى الداخل وخفض الواردات، حيث تولى بكين الآن اهتمام أكبر لصناعاتها الرئيسية فى ظل مبادرة «صنع فى الصين 2025»، والتى يمكن أن ينتهى بها المطاف بالضغط على التجارة العالمية.
وقال أحد محللى شركة «ميجى ياسودا» اليابانية للتأمين على الحياة: «تعتبر الصين اعتمادها على واردات أشباه الموصلات على وجه الخصوص، على أنها مشكلة أمن وطني، كما أن الحكومة تقدم المساعدة لتعزيز الإنتاج المحلي».
وقال ياسوتوشى ناجاي، كبير الخبراء الاقتصاديين فى مؤسسة «دايوا سيكيوريتيز»: «إن التجارة ترفع مستوى الإنتاجية فى الاقتصاد العالمي، من خلال السماح لكل دولة بالتركيز على نقاط قوتها النسبية، فعلى الرغم من أن الرسوم الجمركية الأمريكية وحدها قد يكون لها تأثير محدود، إلا أن النمو الاقتصادى العالمى سيتباطأ فى حال نشبت حرب تجارية مع الصين أو الاتحاد الأوروبي».
كتبت – منى عوض