استمر هذا الأسبوع أيضاً فى محاولة إلقاء البعض من الضوء وإعطاء المزيد من التوضيحات والشرح فيما يتعلق بالإجراءات الحكومية المرتقبة لعام 2018 استكمالاً لبرنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يرعاه صندوق النقد الدولى فى أجزاء كبيرة منه إن لم يكن كلها.
ومن التطورات الإيجابية للغاية التى تم الإعلان عنها هو عزم الدولة على تأسيس لجنة مشتركة ما بين وزارة المالية والبنك المركزى لإدارة السيولة والتنبؤ بها وتحليل أنماط الإيرادات والنفقات والاحتياجات التمويلية وهو على ما يبدو يستهدف فى الأساس معالجة الصداع المزمن المتمثل فى فوضى الإنفاق العام وما شاهدناه فى الفترة الماضية من سوء تقدير لشكل التطورات المستقبلية كانت نتيجته حدوث فجوات تمويلية مفاجئة وكبيرة.
ورأيى الشخصى أن مثل هذه اللجنة يجب أن تهتم فى المقام الأول بإنفاق الوزارات وكيفية التعامل مع ما عليها من مديونيات متراكمة ومتضخمة لصالح شركات القطاع العام، والتى لا يبدو أن هناك نية حقيقية لسدادها فى المستقبل القريب، مُستغلة فى ذلك حصانتها الضمنية الناتجة عن الدور المحورى والحيوى الذى تلعبه معظمها فى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين ولا يُمكن بالتالى قطع الكهرباء عنها مثلاً بالرغم من أن المُستحق على الجهاز الحكومى لدى مرفق الكهرباء تعدى 30 مليار جنيه وهو نفس المبلغ تقريباً الذى قالت الحكومة، إنه سيتم توفيره من رفع الدعم الجزئى عن المحروقات، الأمر الذى تسبب بدوره فى زيادة كُلفة المعيشة إلى مستويات ربما لم نراها منذ سبعينيات القرن الماضى.
كما أتصور أيضاً، أن تحليل أنماط الإيرادات والنفقات الذى سيكون تحديد الاحتياجات التمويلية من مُخرجاته الطبيعية – على الأقل على المدى القصير والمتوسط – يُمكن كذلك الاعتماد عليه بدرجة كبيرة فى تقليص عجز الموازنة المتفاقم والوصول به إلى ما يقل عن 10% من الناتج المحلى الإجمالى وهو الهدف الذى أعلنت عنه الحكومة مراراً وتكراراً ولايزال يكتنف مصير إمكانية تحقيقه على أرض الواقع الكثير من الغموض، حيث اضطرت الحكومة منذ أيام إلى تعديل مستهدفها من 9% قدرتها وقت إعداد موازنة العام المالى 2017-2018 (نظرة كنت أراها شديدة التفاؤل فى حينها) إلى 9.5% وهو طرح أكثر واقعية وإن كان الوصول إليه لايزال صعب للغاية بدوره، وفى مثل هذه الأمور وما شابهها ستكتسب اللجنة المزمع تشكيلها أهمية قصوى بالطبع على أمل أن تتمكن من منع هذا النوع من الارتباك والتضاربات مستقبلاً.
كما يوجد لدى الحكومة كذلك طموح تغطية برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمبلغ 45 مليار جنيه لزيادة كفاءة فرس رهان الحكومة للخروج من المأزق الحالى ودفع عجلة الحراك الاقتصادى إلى الأمام وهو ما يعى المسئولين جيداً أنه مرتبط بمجموعة كبيرة من العناصر الإدارية واللوجيستية تتعدى كثيراً مجرد توفير رؤوس الأموال ويأتى على رأسها دعم القوى الشرائية لتصريف منتجات تلك المشروعات والحفاظ على ربحيتها وقدرتها على سداد القروض.
والمشكلة هنا فى تقديرى هى أن السياسات التقشفية للحكومة والزيادات الضريبية والرفع المستمر لأسعار السلع جميع، الأساسية منها وغير الأساسية، يحملون فى طياتهم تناقضاً كبيراً مع هذا الهدف لما يجب أن يتبعهم من انخفاض فى القوى الشرائية وليس العكس، هذا بالإضافة إلى معدلات الفائدة الفلكية فى إطار السياسة النقدية المتشددة التى يتبعها البنك المركزى لمكافحة التضخم ولكنها من جانب آخر ينتُج عنها سحب الكثير من السيولة من الأسواق وتُحدث بالتالى نوعاً من الركود بالأسواق، خاصة فى قطاعات مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية، وليس حلاً لذلك أن يُقدم المركزى على تخفيض سعر الفائدة على استحياء بمقدار 100 نقطة أساس، أى بما لا يتعدى 1% وهو ما لن يكون له أى تأثير على الإطلاق.
والتخوف الرئيسى بهذا الصدد هو قيام تلك المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة – مع تحفظى لتعريفاتها لدى البنك المركزى – فقط لتتعثر بعضها بقترة قليلة وتواجه البنوك صعوبات فى تحصيل مستحقاتها وقد تضطر لتحويلها إلى ديون معدومة ما لتخلق بذلك أزمة سيولة إضافية، ولكن موضوع المشروعات الصغيرة والمتوسطة موضوع كبير لا يتسع مجالنا هذا للتعرض له تفصيلاً.
محمد شيرين الهوارى
الخبير فى الاقتصاد السياسى