تواصل شركات التكنولوجيا الكبيرة هيمنتها على الأنباء، وأصبحت المحرك الرئيسى لأسواق الأسهم الأمريكية، ولكن سمات القطاع تغيرت فى الأشهر القليلة الماضية، ويصاحب – إن لم يكن يحد من – الدهشة من قدرة هذه الابتكارات المتفجرة على تغيير ليس فحسب ما نفعل وإنما الطريقة التى نفعل بها الأشياء، مخاوف بشأن سوء الاستخدام والعواقب المعاكسة غير المقصودة.
وهو ما أثار تساؤلات مهمة بشأن التدخلات من قبل الحكومات، ووضع الشركات لقواعد تنظيمية لنفسها، وخطط الحوافز ومسئولية الشركات والآفاق المالية، ويتعين علينا دراسة ستة قضايا:
الأولى، سرعة التغيير: يشعر معظم المنخرطين عن قرب فى الابتكارات والاختراعات التكنولوجية بأننا نقترب من اضطرابات متسارعة ستقلب عالمنا رأسا على عقب، ويقول البعض إن أكثر الأشخاص اطلاعًا فى القطاع لم يعودوا واثقين بشأن توقعاتهم عن وتيرة التقدم فى مجالهم والتداعيات المترتبة عليه، وهذا يعد صحيحاً بشكل خاص فى مجالات الذكاء الاصطناعى والبيانات الكبيرة وقابلية التعلم والحراك فى الماكينات، وكذلك ردود الأفعال الواسعة بشأنها.
والثانية، السلوك التنافسى: فمع كبر حجم الشركات التكنولوجية وتضخم ثرواتها، ازداد استعدادها وقدرتها على شراء الداخلين الجدد فى القطاع، وهذا السلوك يعززه الاعتبارات الخاصة بالهجوم والدفاع فى نفس الوقت، وبالفعل أصبح هذا السلوك شائعًا لدرجة أن معظم الشركات الصاعدة تستهدف مثل هذه الاستحواذات كهدف نقدى رئيسي.
والثالثة، مخاطر الصراعات والصدامات: تسارعت هذه العملية بشدة لدرجة أنه لم يعد الحكومات والمستخدمون والمنافسون وحدهم هم من يناضلون لمواكبة الابتكارات والتعامل مع تداعياتها المجتمعية والسياسية، وإنما كذلك تناضل شركات التكنولوجيا نفسها بسبب تزايد احتمالات الصدامات التنظيمية والتى لا تعد جميع الشركات مستعدة لها بنفس القدر.
وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف طويلة الأجل بشأن حلول التكنولوجيا محل العمالة وغيرها من الضغوط على الأجور، ولا عجب أن خبراء السياسة العامة مطلوبون فى سيليكون فاللى بقدر المهندسين هذه الأيام.
والقضية الرابعة، التنسيق العالمى الضعيف: رغم أن قطاع التكنولوجيا عالمى بطبعه إلا أن الاستجابات الحكومية الحالية لا تزال محلية بقدر كبير، وحتى الآن لا يوجد أى منتديات موثوقة وفعالة لتنسيق هذه الاستجابات، وينتج عن ذلك مميزات توفرها بلد عن بلد وهو ما سوف يزيد الشكاوى المتكررة بأن شركات التكنولوجيا لا تعير المسئولية والتأثير الاجتماعى انتباها كافيا.
والخامسة، القيادة ثنائية القطب: تفقد الولايات المتحدة قيادتها وهيمنها التقليديتين، وبمساعدة الدعم الحكومى الهائل، بدأت شركات التكنولوجيا والعلماء فى الصين تحقيق تقدمات كبيرة، وخلال هذه العملية ظهر نوعان من الشركات التكنولوجية الكبيرة، فى الولايات المتحدة، قطاع التكنولوجيا منفصل تماما عن الحكومة بقدر الإمكان، وفى الصين، تعد الحكومة جزءاً لا يتجزأ منه.
وحتى الآن، تعمل الدولتان على مجالاتهما الخاصة، ولكن المسألة مسألة وقت حتى يصبح تداخل المجالات حتميا.
والقضية الأخيرة التأثير على الإنتاجية: ويوجد حاليا أسباب للتفاؤل بشأن وجود حل جيد للغز الإنتاجية والمتمثل فى لماذا لم تنعكس التقدمات التكنولوجية الواضحة فى صورة ارتفاع فى مقاييس الإنتاجية، وأشار مؤخرا استاذ الاقتصاد فى جامعة هارفارد، كينيث روجوف، إلى أن الأمر يستغرق وقتاً لكى تحدّث الشركات نماذجها التشغيلية وبالتالى سوف يستغرق الأمر وقتا أطول حتى تصل الاقتصادات لمرحلة فاصلة فى الإنتاجية.
وأوضح روجوف كذلك أن قدرة الشركات على دمج الابتكارات فى أعمالها سوف تتسارع مستفيدة من الارتفاع المتزامن فى النمو العالمي.
وتتمثل الرسالة الوحيدة الواضحة والقوية من تلك العوامل الستة فى أن التغير المدفوع بقطاع التكنولوجيا أصبح غير أكيد بقدر أكبر، وسوف يتوقف الكثير على قدرة الشركات على التعامل مع اهميتها النظامية المتزايدة ومع كيفية تطور التنظيمات الحكومية وغيرها من التدخلات، ومع التنسيق عبر الحدود، وقبول المجتمع للعثرات شديدة العلانية المتعلقة بقطاع التكنولوجيا.
كما أن الرسالة الموجهة للمشاركين فى السوق واضحة، فيمكنك إضافة ذلك على قائمة العوامل التى تساهم حاليا فى التحول الجارى فى نظام عمل الأسواق والانتقال من الهدوء غير المعتاد فى 2017 إلى التقلبات السعرية المتكررة فى الأصول.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»