الوكالة: بدائل عديدة أمام ترامب للسيطرة على العجز بدلاً من إشعال حروب تجارية
تساءلت وكالة أنباء «بلومبرج» هل هناك طريقة أفضل لخفض العجز التجارى الأمريكى من زيادة الرسوم على الواردات؟ أجاب العديد من الاقتصاديين بقولهم «نعم» وكانت بعض أفكارهم قديمة والأخرى جديدة وبعضها غريب بعض الشيء، خاصة بعد حملة التعريفات الجمركية التى فرضتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والتى أثارت مخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية.
يتفق معظم الاقتصاديون المتخصصون فى التجارة مع رؤية الرئيس ترامب، المتمثلة فى أن العجز التجارى الكبير والمستمر فى الولايات المتحدة يمثل معضلة كبيرة خاصة بالنسبة للعمال الأميركيين الذين ضاعت وظائفهم بسبب الواردات.
لكن خبراء التجارة قالوا إنه من الخطأ القول إن العجز هو بالضرورة علامة على أن الشريك التجارى يقوم بممارسات غير مشروعة فالمكسيك على سبيل المثال لديها فائض تجارى مع الولايات المتحدة لكنها تدير عجزًا مع العالم ككل فى حسابها الجارى الذى يعد أوسع مقياس للتجارة فى السلع والخدمات.
وتتراوح بدائل التعريفات الجمركية بين شراء العملات الأجنبية فى أحجام ضخمة إلى خفض قيمة الدولار وجعل المنتجات الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة إضافة إلى اقتراح الملياردير وارن بافيت، الذى يقضى بضرورة قيام المستوردين بشراء شهادات لجلب البضائع إلى البلاد.
وتمثلت الفكرة الأحدث والتى تعد أكثر الأفكار إثارة للاهتمام فى رسوم الوصول إلى السوق وهى ضريبة سيتم تطبيقها على جميع عمليات الشراء الأجنبية لأصول الولايات المتحدة باستثناء تداول العملات لتجنب اندلاع مواجهة مع «وول ستريت».
وسوف يتم تحديد المستوى بما لا يقل عن نصف فى المائة وهى نسبة مرتفعة بما فيه الكفاية لتثبيط تدفقات رؤوس الأموال ولكنها أيضاً درجة لا تكفى لعدم تشجيع الاستثمارات الأجنبية فى الأصول طويلة الأجل مثل المصانع.
وأوضحت الوكالة الأمريكية أن الأمل يتمثل فى إنفاق الدولارات التى يتم تحويلها من استثمارات أموال المضاربة على السلع والخدمات الأمريكية وسيقوم الاحتياطى الفيدرالي، بإدارة رسوم الوصول من خلال رفعها أو خفضها حسب الحاجة أو الإبقاء عليها حتى يظل الحساب الجارى فى حالة توازن.
وكانت هذه الفكرة من تصميم جون هانسن، مستشار البنك الدولي، المتقاعد وأيد تحالف من أجل أمريكا مزدهرة، وهى منظمة تمثل الشركات والنقابات فى فرض رسوم دخول السوق.
وأوضح جوزيف جاجنون، زميل بارز فى معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولى أن هذه الرسوم يمكن أن تنجح فى تقليص العجز التجارى مضيفاً أن هذه الخطة متوافقة تماماً مع القانون الدولى لكن البنوك الكبيرة قد تعارض ذلك وربما يكره العامة أن تكون الواردات أكثر تكلفة إلى جانب زيادة أسعار الفائدة.
وتستهدف المفاهيم الأخرى مباشرة قوة الدولار الذى يضر بالمنتجين المحليين ويجعل السلع والخدمات الأمريكية أكثر تكلفة.
واقترح فريد بيرجستن، المؤسس المشارك لمؤسسة «جانون آند باترسون» أنه عندما تدير الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا كبيرًا ينبغى على وزارة المالية التدخل بشكل حاسم فى أسواق العملات لتخفيض قيمة الدولار.
وقال بيرجستن، إن هذه الاستراتيجية يجب أن تجنى الأموال فى نهاية المطاف للحكومة لأن العملات الأجنبية المكتسبة فى هذه العملية ستكون أكثر قيمة بالدولار عندما ينخفض الدولار إلى مستوى توازنه التجاري.
وهيمنت فكرة الملياردير الامريكى بافيت، المتمثلة فى شراء شهادات لجلب البضائع على عقول العديد من خبراء الاقتصاد منذ أن طرحها لأول مرة عام 2003 والتى تعد فى الأساس نفس المفهوم الذى يدور حول تجارة انبعاثات الكربون حيث ستحصل الشركات على شهادات الاستيراد بناء على قيمة صادراتها التى يمكن بعد ذلك أن تبيعها لشركات أخرى.
وأشار ديفيد كولاندر، اقتصادى فى كلية «ميدلبري» إلى أن خطة بافيت، تشبه أيضاً خطة التجارة المكافئة التى استخدمها الاتحاد السوفيتى لعقود من الزمن من أجل التغلب على ندرة العملة الصعبة.
وأوضحت »بلومبرج« أن خطر نشوب حرب تجارية يجعل الأفكار الشاذة تبدو وكأنها معقولة نسبياً ويوافق ديميترى باباديميتريو، رئيس معهد «ليفى للاقتصاد» على أن مثل هذه الأفكار لها أهمية أكبر فى هذه الأوقات مضيفاً أن خطة الملياردير الأمريكى بافيت، سيكون لها صدى أفضل فى الوقت الحالى وستكون بالتأكيد أكثر تفضيلاً وأقل خطورة من التعريفات التى وقع عليها الرئيس الأمريكى الفترة الماضية.
وتتمثل مشكلة العديد من هذه الأفكار فى التدخل الحكومى الذى سيكون له عواقب غير مقصودة حيث يقول براد سيتزر، زميل بارز فى مجلس العلاقات الخارجية، إن الاضطرار إلى موازنة الواردات والصادرات فى جميع الأوقات من شأنه أن يحرم الحكومة الأمريكية من الخيارات.
وأضاف: «لن تكون الدولارات التى يستخدمها الأجانب لشراء السلع والخدمات الأمريكية متاحة لتمويل برنامج بنية تحتية أمريكى كبير أو أى استثمارات أخرى».
وأوضح سيتزر، «لحسن الحظ هناك طرق مؤكدة لتقليص العجز التجارى من خلال تغيير قوانين الضرائب لتثبيط عمليات النقل إلى الخارج وملاحقة الممارسات التجارية الأجنبية التى ثبت فى الواقع أنها غش وخداع مثل التدخل غير المبرر لقمع قيمة العملة أو سرقة الملكية الفكرية.
وكما يقول الخبير الاقتصادى دوغلاس إيروين والاستاذ فى كلية «دارتموث» إن أسرع طريقة لتحقيق تجارة أكثر توازناً يكمن فى تقليص عجز الموزانة الأمريكى حيث أن العجز فى الموازنة يجبر الولايات المتحدة على اقتراض المزيد من الخارج حيث أن المدخرات المحلية غير كافية لتغطية الإنفاق الحكومى والاحتياجات الأخرى.
وقال خبراء الاقتصاد إن التخفيض الضريبى الذى تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار والذى وقعه ترامب، فى نهاية عام 2017 لن يؤدى إلا إلى تفاقم العجز التجارى الأمريكي.
وفى الواقع أفاد العديد من الاقتصاديين بإن الوقت الحالى ليس أفضل وقت لمحاولة خفض العجز التجارى الأمريكى حيث لن تمتلك المصانع الصغيرة فى الولايات المتحدة القدرة على تلبية الطلب المحلى إذا قلصت واشنطن الواردات.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الأفكار لتحسين تدفقات التجارة إلا أن أفضل شيء يمكن أن يفعله ترامب، فى الوقت الراهن هو «لا شيء».