قال إيوالد نوتني، محافظ البنك المركزى النمساوى وعضو فى مجلس إدارة المركزى الأوروبي، الأسبوع الماضي: “لا يخفى على أحد أننا نراقب عن كثب ما فعله الفيدرالى وما سيفعله”، وهذه المعنويات مفهومة بل ومطلوبة، فبعد كل شيء فإن تعامل الفيدرالى مع تطبيع السياسة النقدية غير مسبوق كما أنه حتى الآن ناجح.
ولكن بالنظر إلى أن التحديات التى تواجه المركزى الأوروبى أكثر تعقيدا، فإن تجربة المركزى الأمريكى هى مجرد بداية جيدة، كما قد لا يكون حتى أبسط الجوانب فى تصميم السياسة وتطبيقها سلسا فى أوروبا مثلما كان فى أمريكا.
وما يجعل التجربة الأمريكية جديرة أكثر بالملاحظة هو أن الفيدرالى يسبق البنكين المركزيين الأوروبى واليابانى فى عملية التطبيع، وبالتالى يمهد طريقا فى منطقة مجهولة، وهو ما سيجعله نقطة مرجعية إن لم يكن منارة.
والتحديات التى تواجه المركزى الأوروبى أكثر تعقيدا، وليس فقط لأسباب محلية، وإنما لأن السياقات الإقليمية والدولية أكثر حساسية.
وتعد أغلبية الـ19 عضوا فى منطقة اليورو، والذين يشرف البنك المركزى الأوروبى بشكل مباشر على أحوالها النقدية، أكثر تخلفا عن الولايات المتحدة فى تطبيق السياسات الداعمة للنمو، رغم الدلائل على المحفزات الأكبر فى ألمانيا، أكثر الدول اهمية فى المنطقة.
وإقليميا، لا يزال المركزى الأوروبى يواجه مهمة صعبة فى تطبيق نهج العملة الموحدة فى الدول التى لا تزال لديها تباينات مالية واقتصادية ضخمة، وهو أمر من المفترض معالجته من خلال اتحاد مصرفى كامل وتكامل مالى وسياسى أعمق، وهو ما يجعل تصميم السياسة وتطبيقها أكثر صعوبة، وهذا قبل أن تضيف الظروف المتغيرة للاقتصاد والأسواق العالميين مزيد من الصعوبات.
وأصبحت البيانات الاقتصادية أكثر اختلاطا فى الأسابيع الأخيرة، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى الإصلاحات الهيكلية وإدارة طلب اكثر توازنا لتعزيز التحسن المتزامن فى النمو العالمي، وكانت مساهمة أوروبا فى النمو العالمى نابعة أساسا من عملية التعافى الطبيعية التى ستتبدد آثارها إذا لم يصاحبها سياسات داعمة للنمو.
وفى نفس الوقت، حلت التقلبات محل الهدوء غير المعتاد فى الأسواق، وانخفضت ثقة المستثمرين فى العوامل التى كانت تقمع التقلبات فى الأسواق مثل الاعتقاد فى الاستعداد الدائم للبنوك المركزية بضخ تدفقات نقدية، وفى الميزانيات القوية للشركات.
وعلاوة على ذلك، هناك عدم يقين كبير يتعلق بالتزامن، أى كيف سيستجيب الاقتصاد والأسواق العالميين لقيام عدد من البنوك المركزية ذات الأهمية النظامية بسحب المحفزات النقدية الاستثنائية فى تفس الوقت، ولا يستطيع أحد التيقن من إلى أى مدى تسببت الفترة المطولة من السياسات غير التقليدية فى سوء توزيع الموارد، ووعود غير واقعية بالسيولة، وغيرها من التحمل المفرط للمخاطر فى مجالات معينة من القطاعات غير المصرفية.
ولهذه الأسباب، يتعين على البنك المركزى الأوروبى أن يكون أكثر حذرا فى مراقبة مجموعة أكبر من المؤشرات على الصحة الاقتصادية والمالية، وفى التواصل مع الأسواق، والحفاظ على التماسك الداخلي، وتقليل تهديدات التدخل السياسي، كما يتوجب عليه مراعاة جميع ما سبق والحفاظ فى نفس الوقت على قدر كاف من المرونة السياسية.
والأكثر إثارة للاهتمام كذلك هو أن ترتيب التدابير الذى يبدو واضحا -وقف التيسير الكمي، ثم رفع أسعار الفائدة للمستويات الطبيعية، وهو ما سيسمح بالمزيد من تقليص الميزادنية بقدر كبير مع الوقت – قد لا يكون سلس ويقينى. مثلما يعتقد معظم المراقبين.
وبالنسبة لمنطقة اليورو، لعبت مشتريات البنك المركزى الأوروبى دورا هاما فى الحفاظ على النظام والاستقرار المالى وسط التفاوت الاقتصادى والمالى بين الدول الأعضاء، وعلاوة على ذلك، فإن استمرار الفائدة شديدة الانخفاض تأكل بسرعة اكبر بكثير نزاهة النظام المالى بما فى ذلك الحماية المالية الضروروية وطويلة الأجل للأسر فيما يتعلق بمنتجات مثل التأمين على الحياة والتقاعد.
وهذا لا يعنى أن البنك المركزى الأوروبى بنبغى أن يرفع أسعار الفائدة قبل أو مع التخلص من برنامج التيسير الكمي، حتى أنا ليس لدى تصور عن الترتيب الأمثل لتدابير التطبيع، وهذا يشير إلى المهمة السياسية شديدة الصعوبة التى تواجه المركزى الأوروبى فى الشهور القادمة، ويحذر من حذو أوروبا حذو الولايات المتحدة دون تفكير.
بقلم: محمد العريان
المستشار الاقتصادى لمجموعة «أليانز»
إعداد: رحمة عبدالعزيز